علم النفس السيبراني كمدخل حديث للسياسات البيئية … بقلم الدكتور ابتسام النومس

إيسايكو: علم النفس السيبراني كمدخل حديث للسياسات البيئية … بقلم الدكتور ابتسام النومس

لم تعد السياسات البيئية تُقاس بمدى صرامة القوانين أو عدد المبادرات المعلنة، بل بقدرتها على التأثير في سلوك الأفراد وتحويل الوعي إلى ممارسة يومية. وفي زمن تتحكم فيه البيئات الرقمية في أنماط التفكير والتفاعل، يصبح تجاهل البعد النفسي الرقمي خطأً استراتيجيًا في تصميم أي سياسة بيئية فاعلة. من هنا يبرز علم النفس السيبراني كمدخل حديث لا غنى عنه لتطوير السياسات البيئية، خصوصًا في المجتمعات الساعية إلى تحقيق تنمية مستدامة قائمة على المشاركة المجتمعية، كما هو الحال في رؤية الكويت 2035.
السياسات البيئية التقليدية غالبًا ما تفترض أن المعرفة تقود تلقائيًا إلى السلوك الصحيح. غير أن الواقع الرقمي يكشف عكس ذلك؛ فالأفراد اليوم يمتلكون كمًا هائلًا من المعلومات البيئية، لكن سلوكهم لا يعكس هذا الوعي. السبب لا يعود إلى ضعف الرسالة، بل إلى طبيعة الفضاء الرقمي نفسه، حيث تتداخل الخوارزميات، والانفعالات، وثقافة التفاعل السريع في إعادة تشكيل القرار الفردي.
هنا يتدخل علم النفس السيبراني لفهم كيف يتكوّن السلوك داخل البيئات الرقمية: كيف يؤثر الإطار العاطفي للمحتوى على الاستجابة، ولماذا يفضّل الفرد التفاعل الرمزي على الالتزام العملي، وكيف تُصنع القناعات البيئية داخل الجماعات الافتراضية. هذا الفهم يمكّن صانع القرار من الانتقال من خطاب بيئي عام إلى سياسات سلوكية دقيقة تستهدف أنماط التفاعل الفعلية للمجتمع.
وتبرز المشاركة المجتمعية بوصفها الحلقة المحورية في هذا التحول. فالفضاء الرقمي ليس فقط أداة تواصل، بل منصة تعبئة مجتمعية قادرة على إشراك الأفراد في صياغة الحلول البيئية، لا الاكتفاء بدور المتلقي. وعندما تُبنى السياسات البيئية على فهم نفسي لطبيعة المشاركة الرقمية، تصبح المنصات مساحة للمساءلة، والتطوع، وصناعة القرار المشترك.
في السياق الكويتي، تمثل رؤية الكويت 2035 إطارًا استراتيجيًا يعلي من شأن الإنسان بوصفه محور التنمية. وتحقيق هذه الرؤية يتطلب سياسات بيئية تراعي التحول الرقمي في السلوك المجتمعي، وتستثمر في بناء وعي سيبراني مسؤول. فالاستدامة لا تتحقق فقط بالبنية التحتية، بل بتغيير أنماط التفكير والتفاعل التي تقود الاستهلاك، وتحكم العلاقة مع الموارد.
إن إدماج علم النفس السيبراني في السياسات البيئية يفتح المجال أمام نماذج جديدة من الحوكمة التشاركية، حيث يصبح المواطن شريكًا واعيًا، لا مجرد مستجيب للتعليمات. وبهذا المعنى، تتحول المشاركة المجتمعية من شعار إلى ممارسة قائمة على الفهم العلمي للسلوك الإنساني في العصر الرقمي.
الخلاصة أن مستقبل السياسات البيئية لا يكمن في مزيد من التشريعات فقط، بل في فهم أعمق للإنسان المتصل دائمًا. وعندما تُصاغ السياسات البيئية على أساس هذا الفهم، تصبح أكثر قدرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأكثر انسجامًا مع طموحات رؤية الكويت 2035 في بناء مجتمع واعٍ، مشارك، ومسؤول.
الدكتورة ابتسام النومس




