أخبار عاجلةمقالات

فضفضة قلب حين تزين الطقوس… ويغفل الوعي … بقلم الدكتورة هلا السعيد

إيسايكو: فضفضة قلب حين تزين الطقوس… ويغفل الوعي … بقلم الدكتورة هلا السعيد

اليوم، استيقظت على منشوراتٍ تتحدث عن احتفالات وطقوسٍ تقام في مجتمعاتنا، وتتنافى بوضوح مع تعاليم ديننا الحنيف.
تابعت ردود الفعل المختلفة بين معترض بقلب موجوع، ومبرر يرى في الأمر “فنا” أو “تنوعا ثقافيا”، وآخر لا يعنيه شيء، يمر مرور الكرام وكأن الأمر لا يمسه من قريب أو بعيد.

جلست بعدها جلسة تأمل طويلة، أسأل نفسي:
ماذا يحدث حولنا؟
هل نحن في بداية طريق جديد أم في نهايته؟
هل هو زمن التحضر والانفتاح… أم زمن الذوبان وفقدان الهوية؟
هل هذه ثمرة التعدد الثقافي… أم ضريبة غياب الوعي؟

تساؤلات كثيرة تجتاح القلب قبل العقل، وتدفعني لأن أكتب، لأن أفضفض بما يوجعني ويقلقني على مستقبل الأجيال.

حين تزين الطقوس… ويغفل الوعي
في زمن الانفتاح الواسع، صار كل شيء يقدم تحت شعار “الثقافة” و“الفن” و“التنوع الحضاري”.
نشاهد المهرجانات والاحتفالات تنظم في كل مكان، فننبهر بالألوان والموسيقى والابتسامات، وننسى أن بعض تلك العروض تحمل بين طياتها رموزا وطقوسا تتنافى مع تعاليم الإسلام، لكنها تقدم إلينا على أنها “فن” أو “تراث”.

وفي هذا الصدد، لا يمكن أن نغفل ما نراه من مظاهر احتفال بما يسمى “الهالوين”، حيث يشارك بعض المسلمين للأسف في طقوسٍ غريبة وجوه ترسم عليها الدماء، وأزياء تجسد الشياطين والأشباح، وزخارف تحاكي المقابر والموت.
كل ذلك يقدم في قالب من “المرح” و“المتعة”، بينما هو في جوهره تقليد أعمى لمظاهر لا تمت لديننا ولا لقيمنا بصلة.

بين الجمال والاعتقاد
لسنا ضد الفرح، ولا ضد الفن، ولا ضد الانفتاح على العالم، فديننا دين وسطية وجمال، يدعو إلى التعارف والتبادل الثقافي، ويحثنا على تذوق الإبداع دون أن نفقد هويتنا.
لكن الخطر يكمن حين نغفل عن الخط الفاصل بين الثقافة التي تغني العقل، والطقوس التي تمس العقيدة.
فالوعي هو البوصلة التي تحفظ اتجاهنا وسط زحام المفاهيم الجديدة.

تسلل هادئ تحت غطاء الفن
كثيرون يحضرون مثل هذه الفعاليات بدافع الفضول أو الترفيه، دون قصد سيئ.
لكن حين نعتاد رؤية شعائر أو رموز لغير المسلمين تقدم في مشاهد استعراضية جذابة، يبدأ التطبيع غير المقصود مع ما يخالف التوحيد.
وهنا يكمن الخطر الحقيقي: أن يغلف الباطل بزخارف الجمال، وأن تقدم الطقوس بلباس الفن.

الإسلام لا يمنع الجمال… لكنه يحمي العقيدة
لقد كان الإسلام واضحا في موقفه من كل ما يمس التوحيد.
هو لا يمنع الفنون ولا يحرم الفرح، لكنه يرفض أن تقدم العبادات لغير الله تحت أي اسم أو ذريعة.
فالقلب الذي عرف الله لا يقبل أن يشارك مشاعره في طقس يخالف فطرته، مهما كان مبهِرا في مظهره أو مدهشا في تفاصيله.

الانفتاح لا يعني الذوبان
نحن بحاجةٍ إلى وعي جماعي يدرك أن الانفتاح لا يعني الذوبان، وأن الأصالة لا تعني الانغلاق.
يمكننا أن نفرح ونتبادل الثقافات، ولكن في حدود تحفظ نقاء هويتنا، وتعكس جمال الإسلام في اعتداله وصفائه.
فما جدوى أي “فن” إن كان يطفئ نور الإيمان في القلوب؟
وما قيمة أي “تراث” إن كان يشوه العقيدة ويبدد الوعي؟

الوعي… درع الإيمان
إن أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن نصفق لما لا نفهمه، وأن نجامل على حساب قيمنا، وأن نسمح بمرور الرموز المناقضة لديننا تحت شعار “الحرية الثقافية”.
الحرية لا تعني التفريط، بل أن نختار بعقل ووعي ما يليق بأمتنا وهويتنا.

احم إيمانك بصمتك الواعي،
فليس كل ما يصفق له… يستحق التصفيق.

في زمن العولمة، اختلطت المفاهيم حتى صرنا نرى الباطل في ثوب الحداثة، والحق في صورة الرجعية.
صرنا نتابع مشاهد تسمى “احتفالات ثقافية”، لكنها في عمقها طقوس دخيلة، تصفق لها الجماهير دون وعي، وتبرر بأنها “انفتاح” أو “تبادل حضاري”.

ولكن… أي انفتاح هذا الذي يجردنا من هويتنا؟
وأي حضارة تبنى على ذوبان قيمنا وثوابتنا؟

لسنا ضد الفرح ولا ضد التنوع، لكننا ضد أن يتحول باسم الفن أو الترفيه إلى عبث بالعقيدة أو تشويه للهوية.
فالإسلام لم يكن يوما حجرا على الحياة، بل ميزانا للاتزان، يوجه ولا يقمع، يهذب ولا يطفئ نور الجمال في الروح.

اليوم، نحن بحاجةٍ إلى وعي صامت لا يهاجم، لكنه لا يصفق.
إلى إيمانٍ عاقل، لا يرفع شعارات، لكنه يثبت عند المواقف.

احمِ قلبك من الانجراف، ولا تسمح لبريق المظاهر أن يعمي بصيرتك،
فما يعرض اليوم على أنه “فن عالمي” قد يكون في جوهره انحرافًا عن الفطرة،
وطمسًا لهويةٍ دفعت أجيالٌ من قبلنا ثمن الحفاظ عليها.

احمِ إيمانك… ليس بالصراخ، بل بالثبات،
وليس بالرفض العنيف، بل بالصمت الذي يدرك ويميز.
فالصمت الواعي أحيانا… أبلغ من ألف كلمة.

فضفضة قلب يحترق على قيم تنهار باسم العولمة
د. هلا السعيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى