متى سنعرف قيمة بعضنا؟ … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين

إيسايكو: متى سنعرف قيمة بعضنا؟ … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين

قرأت مقولة استوقفتني : (الناس لديهم اشياء جيدة كثيرة ليقولوها عنك .. لكن عليك أن تموت أولاً)
وثارت في عقلي تساؤلات: لماذا بعد الموت والفراق نصبح أغلى عند الجميع؟
لماذا لا نعرف قيمة أحدهم إلا بعد أن نخسره؟
لقد عاصرت في حياتي مواقف إنسانية كثيرة موجعة .. فراق وموت وحزن وبكاء وانهيار عصبي …. الخ
ولاحظت ان الناس يذكرون محاسن الغائبين سواء الذين سافروا بلا رجعة او الذين ماتوا بلا رجعة أيضا
وفي الحالتين كان الناس ربما لا يذكرون محاسنهم وهم موجودين بيننا ..!
فلماذا حين يغيب أحدهم للأبد يصبح شيئاً ثميناً يفقده الجميع و يشعروا بقيمته ويتمنوا عودته ويبكوا بمرارة وصدق عليه .. ثم يفتشون في حياته الماضية و ذكرياته . .
و البومات صوره وينشرونها في الانترنت؟
لماذا بعد ان نفقد أحدهم نبكي عليه ونتذكره؟
ام اننا نبكي على تقصيرنا؟
هل كان صعباً ، أن نفعل ذلك وهو موجود ؟ لماذا لا نبوح بمشاعرنا الجياشة هذه للأحياء من قبل . .
لماذا حين نموت او نبتعد نصبح أغلى؟ ارجو ان نراجع أنفسنا وعلاقاتنا وان نتذكر أننا في هذه الحياة ضيوف.. ندخل العالم فترة من الزمن وتنسحب منا ورقة العمر .. هي لحظات نقضيها ولا نعلم متى يقال فلان رحل أو مات ..
نحن نعتقد دائما أن الغد سيمنحنا وقتا كافيا لنستمتع فيه مع أحبتنا، لكن ترحيل أمنياتنا للغد هو أكبر خدعة نصنعها لأنفسنا.. إننا نقتل الفرص العظيمة المتاحة لنا للحياة ولا نعيش اللحظة مع من نحب .. ونؤجل خطواتنا ثم نقضي بقية حياتنا مسجونين خلف قضبان الندم … لذلك كونوا قريبين مِـن زوجاتكم وازواجكم واولادكم وامهاتكم وآبائكم و ذويكم وأرحامكم ومن تحبون قَبل أن يطرق باب الفراق حياتكم وإياكم والعناد فإنه يدمر كل شيء
ساقول لكم قصة :
يُحكي أنه كان هناك جزيرة تعيش عليها جميع المشاعر وفي يوم من الأيام هبت عاصفة شديدة علي الجزيرة وبدأت كل الجزيرة تغرق وخافت كل المشاعر من الموت .. إلا الحب…!! لقد كان مشغولا بصنع قارب لينقذ كل المشاعر .. وبعد أن انتهي الحب من صنع القارب ، نادى على جميع المشاعر لإنقاذها .. فاستجابت إلا شعور واحد .. رفض دون مُبرر ..!!!! نزل الحب ليقنع ذلك الشعور الذي تخلف عنهم وهو(( العناد))
حاول الحب ان يقنع العناد بالهرب معهم .. حاول .. وحاول .. لكن العناد أصر علي موقفه وفي نفس الوقت كانت المياه ترتفع أكثر واكثر .. وهنا صرخت جميع المشاعر على الحب حتى يصعد للقارب ويترك العناد علي الجزيرة .. ((ولكن الحب خُلق للتضحية ))) فهربت جميع المشاعر ومات الحب غرقاً مع العناد على الجزيرة ..
نعم .. العناد يقتل الحب دوما .. وحتى يستمر الحب يجب أن نمسح العناد من قائمة المشاعر .. يجب أن ندفن العناد قبل ان نبدأ مشوار الحب .. وأن نحتوي من نحب بالحب… ونتبادل الحب والتفاهم والتوافق وأن نترك الغرور والعناد لمن لا يعرفون قيمة الحب .. إن الحياة بسيطة ولا داعي للعناد وصناعة المشاكل لان الحياة ستنتهي
فيجب أن نعيشها بكل حب .. ولكنك بعد ان تكون منحت الطرف الآخر عدة فرص للبقاء ورغم ذلك استمر في صناعة المشاكل والأزمات وصولا الى نقطة فارقة جعلتك تقرر ان تبتعد وتفصل كل مابينكما فإنك لن تندم.. وبعد قرار البُعد هذا ستجد أنك تشتاق للإنسان الذي فارقته وهذا دليل على صدق مشاعرك وإنك تحبه بقوة لكنك وصلت معه الى نقطة اللاعودة.. فلا يمكن لهذا الحنين وذلك الإشتياق أن يكونا سبباً كافياً لرجوعك له كما كنت .. أنت تحتاج إلى ضمانات كثيرة و أكيدة تضمن لك أن لا تتكرر نفس المواقف والأخطاء والعناد.. وتضمن انك لن نعيش نفس المتاعب مرة أخرى .. واذا كان الطرف الآخر نادماً وحريصاً على استعادة العلاقة فإنه يجب أن يبادر ويقدم لك ضمانات ووقتها فإنك قد تفكر في اعادة العلاقة .. لكن أي رجوع للعلاقة مبني على العاطفة والإشتياق والحنين فقط .. فهو وجع للقلب ومضيعة للوقت وستتكرر ذات الأخطاء وستفشل العلاقة او ستضطر أنت الى الصمت والخضوع والحياة ذليلاً مكسوراً ..وعلى اعصابك .
إن هذه الحياة كلها لا تساوي شئ امام الصحة والعافية والسعادة واستقرار النفس وطمأنينة القلب وسكينة الروح وراحة البال ونقاء الضمير .. وان الحياة اقصر من ان تخسرها بالنكد والكذب و النفاق والبغض والحقد والحسد والقال والقيل والجدال دون هدف.
واجمل الناس هم اصحاب الوجه الواحد والعقل المتزن والروح الطيبة والقول الصادق والقلب المتسامح
وإن طهارة قلبك وصفاء نيتك وقدرتك على المغفرة للآخرين وتجاوزك للكلام والأفعال السيئة دون الرد الجارح ولسانك الذي لا ينطق إلّا بالخير وروحك الكريمة التي تحمل معها العطاء أينما ذهبت كل هذا الجمال ليس نقاط ضعف بل نقاط قوة لا توجد عند كثير من الناس وهي التي تجعل منك إنسان اجتماعي مؤثر يذكرك الناس بالخير.. نعم قد يذكروك بعد موتك او فقدانك لكنك ستكون تركت اثراً طيباً في حياة الآخرين وستصيبك دعواتهم بالخير..
نصيحتي لكم .. تحابوا .. تواصلوا .. تزاوروا .. تسامحوا .. تهادوا الحب غيبا بالدعاء .. وتبادلوا المودة وأنتم أحياء .. فقد قيل : وردة لإنسان وهو حي خير من باقة ورد على قبره وهو ميت
الدكتور أحمد لطفي شاهين




