من الوعي إلى الرؤية: التنشئة النفسية كمدخل لتحقيق رؤية الكويت 2035 … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

إيسايكو: من الوعي إلى الرؤية: التنشئة النفسية كمدخل لتحقيق رؤية الكويت 2035 … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

من وجهة نظري كمختص وخبير في مجالي تُعد الحيل الدفاعية، من المفاهيم الأساسية في علم النفس، إذ تمثل استجابات لاواعية يلجأ إليها الفرد لتخفيف القلق أو تجنب الصراع الداخلي. فهي سلوكيات تبدو في ظاهرها حماية للذات، لكنها قد تتحول إلى عوائق للنضج النفسي والاجتماعي إذا استُخدمت بشكل مفرط أو غير صحي. وفي المجتمع، حين تتجذر هذه الحيل في نفوس الأفراد منذ الصغر، فإنها تمتد لاحقًا إلى ميادين العمل والقيادة والإدارة، فتتحول إلى ثقافة مراوغة تؤثر في مسيرة التنمية والإنجاز.
من هنا تبرز أهمية علم النفس التربوي والاجتماعي في تهيئة الأجيال الكويتية لتحقيق رؤية الكويت 2035، لا من خلال بناء المهارات التقنية فقط، بل عبر بناء الوعي النفسي والسلوكي السليم. فالرؤية تتحدث عن “إنسان مبدع ومنتج”؛ وهذا لا يتحقق إلا بإنسان قادر على مواجهة ذاته دون إنكار، واتخاذ القرار دون تبرير زائف، والتعامل مع الخطأ بشجاعة لا بمراوغة.
في السنوات المبكرة من النمو، يظهر الإنكار والتبرير والإسقاط كسلوكيات طبيعية لدى الطفل، فهي جزء من آليات التكيف الأولية. إلا أن الدور التربوي هنا لا يتمثل في قمعها، بل في توجيهها نحو الوعي والنضج. فعندما نعلّم الطفل أن الاعتراف بالخطأ ليس ضعفًا، وأن الصدق مع الذات مقدمة للتطور، فإننا نزرع أولى لبنات النزاهة في شخصيته المستقبلية.
أما في مرحلة المراهقة والتعليم الثانوي، فيحتاج الفرد إلى بيئة مدرسية تُشجع التحليل الذاتي والنقد البنّاء بدلاً من ثقافة اللوم والإنكار. فالمناهج التعليمية يمكن أن تغرس مفاهيم الوعي النفسي عبر الأنشطة، والمناقشات، ومهارات التفكير التأملي، مما يساعد على بناء جيل قادر على إدارة مشاعره واتخاذ قرارات متزنة.
وحين ينتقل الشباب إلى مرحلة ما قبل دخول سوق العمل، يجب أن تتكامل الجهود التربوية مع التوجيه المهني لتغذية مفهوم الشفافية والمسؤولية الذاتية. فالقائد المستقبلي الذي تعلّم منذ الصغر أن يتحمل نتائج أفعاله، لن يلجأ إلى الحيل الدفاعية في موقع المسؤولية، ولن يستخدم التبرير أو الإسقاط لحماية مصالحه، بل سيواجه الموقف بوضوح ونضج.
تربية الإنسان على الصدق الداخلي والوعي بالمشاعر هي جوهر الوقاية من انحرافات الإدارة مستقبلًا. فحين نُربي الطفل على الاعتراف، لا على الخوف من العقوبة، وحين نُكافئ الصراحة أكثر من المظاهر، نصنع بيئة نفسية تتناغم مع قيم رؤية الكويت القائمة على النزاهة، والمساءلة، والاستدامة، والإبداع.
ولذلك، فإن التهيئة المجتمعية لرؤية الكويت يجب أن تبدأ من المدرسة والبيت معًا؛ من أسلوب الحوار بين الوالدين، ومن طرق إدارة المعلم للفصل، ومن شكل التفاعل في المؤسسات الشبابية. فكل موقف تربوي هو درس ضمني في الصدق أو في الدفاع النفسي، في الوعي أو في المراوغة.
تحقيق رؤية الكويت 2035 لا يعتمد على الخطط الاقتصادية فقط، بل على إعداد إنسان متوازن نفسيًا واجتماعيًا، قادر على تحويل الحلم إلى إنجاز دون أن يختبئ خلف آليات اللاوعي. فحين يواجه الفرد ذاته بشجاعة منذ الصغر، ويُربّى على الوعي لا على التبرير، يصبح القائد القادم نموذجًا للنزاهة لا للإنكار، وللإصلاح لا للإسقاط.
وفي النهاية، إن بناء المجتمع الكويتي المزدهر يبدأ من بناء إنسانه الواعي، لأن الشفافية لا تُزرع في المكاتب، بل في الفصول الدراسية، والنزاهة لا تُكتسب عند التعيين، بل تُغرس في الطفولة المبكرة. تلك هي القاعدة النفسية الحقيقية لتحقيق الرؤية الوطنية بروح مسؤولة، ناضجة، وواثقة.
الدكتورة ابتسام النومس




