أجنحة الطفولة: كيف يحلّق الأطفال بخيالهم؟ … بقلم الأستاذة نوف الدوسري

إيسايكو: أجنحة الطفولة: كيف يحلّق الأطفال بخيالهم؟ … بقلم الأستاذة نوف الدوسري
يُعد الخيال عند الأطفال سمة طبيعية ومهمة في مسار نموهم النفسي والعقلي، فهو ليس مجرد أوهام عابرة أو ألعاب ذهنية، بل يمثل أداة أساسية تساعد الطفل على فهم العالم المحيط به والتعامل معه. فالطفل منذ سنواته الأولى يبدأ في استخدام الخيال كوسيلة لسد الفجوات بين ما يعرفه وما يجهله، لأن العقل الصغير ما زال في طور الاكتشاف، والخيال يمنحه فرصة لتكوين صور وأحداث تُكمل ما لا يستطيع إدراكه بالواقع وحده.
من جهة أخرى، يُمثل الخيال وسيلة للتعبير عن الذات. فالأطفال غالبًا يفتقرون إلى الكلمات المناسبة التي تنقل مشاعرهم وأفكارهم بدقة، فيلجأون إلى نسج قصص أو اختراع شخصيات خيالية تُجسد ما يشعرون به. وقد يكون هذا الخيال وسيلة لتخفيف القلق، إذ يبتكر الطفل عالماً موازياً يشعر فيه بالراحة والأمان، ويعوض من خلاله ما يفتقده في حياته اليومية.
كما يلعب التقليد دورًا بارزًا في صنع الخيال، فالأطفال يستقون عناصره من القصص التي تُروى لهم، ومن البرامج والرسوم التي يشاهدونها، بل ومن مواقف الكبار أنفسهم، ثم يضيفون لمساتهم الخاصة التي تمنحه طابعًا شخصيًا وإبداعيًا. وهذا ينعكس بدوره على تنمية قدراتهم الابتكارية، حيث يُعد الخيال البذرة الأولى للإبداع، ووسيلة تساعد الطفل على ابتكار حلول جديدة لمشاكله اليومية وتصور أمور لم يختبرها بعد.
ولا يمكن إغفال الدور التربوي والاجتماعي للخيال. فاللعب التخيلي، كأن يتقمص الطفل دور الطبيب أو المعلم أو البطل، ليس مجرد تسلية، بل تجربة تربوية تتيح له استيعاب الأدوار الاجتماعية المختلفة، والتدرّب على المهارات التي سيحتاجها لاحقًا في حياته الواقعية.
إذن، فإن الخيال عند الأطفال ليس مظهرًا من مظاهر الهروب من الواقع فحسب، بل هو عملية نفسية تربوية متكاملة تُسهم في بناء شخصية الطفل، وتعزز نموه العقلي، وتدعم قدراته الإبداعية والاجتماعية. إنه نافذة يطل من خلالها على عالم أوسع، ويجد فيها مساحة للتعبير، التعلم، الاكتشاف، وضرورة لنموه العقلي والنفسي، فهو يفتح أمامهم أبواب الإبداع ، كما يتيح لهم فهم العالم من حولهم. ومع ذلك، فإن مسؤولية الأهل والمربين تكمن في توجيه هذا الخيال ليبقى في حدود البناء الإيجابي. فالإفراط في الانغماس في العوالم الخيالية قد يؤدي إلى ابتعاد الطفل عن الواقع أو عجزه عن مواجهة مواقف الحياة الحقيقية. لذلك، من المهم أن يمنح الأهل مساحة آمنة لأطفالهم ليُبدعوا ويتخيلوا، مع الحرص على ربط هذا الخيال بالواقع العملي وتعليمهم التوازن بين عالم الأفكار وعالم الحياة اليومية.
الأستاذة نوف خليفة الدوسري