أخبار عاجلةمقالات

فضفضة قلب: البكاء لن يُعلِّم أولادي … بقلم الدكتورة هلا السعيد

إيسايكو: فضفضة قلب: البكاء لن يُعلِّم أولادي … بقلم الدكتورة هلا السعيد

اليوم أكتب لكم وأنا أتقمص شخصية أم وهبها الله طفلًا مختلفًا… طفلًا يعاني من اضطراب طيف التوحد.
عندما سمعت التشخيص لأول مرة، لم يكن الأمر سهلًا في بدايته… بل كان صادمًا بكل تفاصيله. كنت أظن أن الحياة توقفت عند تلك اللحظة التي سمعت فيها التشخيص، كأن الأبواب كلها أُغلقت في وجهي دفعة واحدة.
بكيت طويلًا، بكيت على أحلامي التي رسمتها له، بكيت على صورة المستقبل التي انهارت فجأة. لكن بعد أيام من الغرق في الدموع، أدركت أن البكاء لن ينفعني، ولن ينفعه، ولن يُعلِّم أولادي شيئًا.

نظرت في عينيه وقلت لنفسي: إذا لم أكن أنا من يقف بجانبه، فمن سيفعل؟ ومنذ تلك اللحظة تغيّر مساري. بدأت أتعامل مع الأمر كرحلة جديدة، رحلة تحتاج صبرًا وأملًا أكثر مما تحتاج دموعًا. أمسكت بيده، وقررت أن أتعلم كيف أكون سندًا له، خطوة بخطوة.

كل جلسة علاج كانت بالنسبة لي تحديًا جديدًا، وكل مهارة يكتسبها—even لو كانت بسيطة جدًا—كانت بالنسبة لي انتصارًا كبيرًا. تعلمت أن أفرح بابتسامة، بكلمة واحدة، بنظرة تركّز في عيني. هذه الإنجازات الصغيرة التي لا يراها الآخرون مهمة، صارت بالنسبة لي عالمًا كاملًا من الفرح.

علّمني ابني أن أنظر إلى الحياة بمنظور آخر. لم يعد يهمني أن يكون مثل باقي الأطفال تمامًا، بقدر ما يهمني أن يحقق هو ذاته، بطريقته الخاصة. لم أعد أبحث عن النقص فيه، بل عن نقاط القوة التي يمكن أن تنمو يومًا بعد يوم.

واليوم، عندما أرى أمهات أخريات في بدايات رحلتهن، أتعرف على ملامح الحزن والخوف التي مررت بها أنا يومًا. أمد لهن يدي وأقول: “ابنك ليس عبئًا، ابنك أمانة. ابكِ قليلاً إن احتجتِ، لكن لا تستسلمي لدموعك. فالدموع وحدها لا تبني مستقبلًا… ما يبنيه هو صبرك، وإيمانك، وجهدك المستمر”.

كلمتي لكِ كمعالجة نفسية
أيتها الأم العزيزة، مشاعرك في البداية طبيعية، والصدمة والحزن رد فعل إنساني مفهوم. لكن ما يغير الواقع حقًا ليس البكاء، بل العمل، والإيمان بقدرات طفلك، والبحث عن الدعم المناسب.

أنتِ أم قوية وصامدة. أعلم كم هو مؤلم أن تتصالح الأم مع واقع لم تخطّط له، لكن صدقيني… تصالحك مع نفسك أولًا، ومع طفلك ثانيًا، هو بداية الطريق نحو التوازن والطمأنينة. قوتك لا تعني أن تتجاهلي دموعك، بل أن تحوليها إلى دافع للاستمرار.
قولي لنفسك كل يوم: “أنا قادرة… أنا أستطيع”. ومع كل خطوة صغيرة ينجزها طفلك، ستدركين أنك تبنين عالمًا من الأمل. لا تنسي: طفلك يرى العالم بعينيك، فإن ابتسمتِ وثبتّ، سيجد هو الطريق ليبتسم ويثبت أيضًا.

وتذكري بأي وقت شعرتي بالتعب اطلبي المساندة من المختصين، لا تخجلي من طلب العون من أسرتك، وامنحي نفسك لحظات للراحة. تذكري دائمًا أن قوة طفلك تبدأ من قوتك، وأنك لستِ وحدك في هذه الرحلة.

الدكتورة هلا السعيد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى