كيف نحقق السواء النفسي؟ … بقلم الأستاذ بدر العدواني

إيسايكو: كيف نحقق السواء النفسي … بقلم الأستاذ بدر العدواني
بمناسبة يوم الصحه النفسيه العالمي الذي يوافق العاشر من اكتوبر اشارك في هذه المقاله التي سأتحدث فيها عن رؤيتي للشخصيه وكيفية تحقيق السواء النفسي ،،
“الشخصية السوية” هو مفهوم في علم النفس والتربية يُشير إلى الشخص المتوازن نفسياً واجتماعياً ، القادر على التعامل مع متطلبات الحياة بشكل صحي وفاعل.
هذا التعريف للشخصية السوية من وجهة نظري ارتكز على ثلاث محاور اساسية هي:
1- الانسان نفسه.
2- علاقاته مع الغير.
3- البيئه التي يعيش فيها.
وسأعرض لكل محور بشئ من الايجاز الذي اظن انه افضل من التوسع في الشرح.
بداية احب ان اوضح انني من محبين الشعر، وستجد عزيزي القارئ في مقالي كثير من الاستشهادات الشعريه فالشعر ديوان العرب فمليحه مليح وقبيحه قبيح وليس ضرورياً ان ادبِّج المقاله بشعر نزار قباني او حافظ ابراهيم او البردوني او غيرهم من الشعراء.
وايضاً اذا ماتم التعبير عن الفكره بلغتنا فهي اقرب لأفهامنا والشاعر الذي يمثل بيئتنا ومجتمعنا يغنينا عن البحث عن الحكمه عند فلاسفة اليونان مثل افلاطون وسقراط أو ارسطو .
والشعر انا اقصد به الشعر المتداول بيننا
(واكره مصطلح الشعر الشعبي او النبطي)
فنحن في عصر انعكست مصطلحاته وعباراته على الشعر والشعراء فالبعض للاسف تجد فيه نفور او استنقاص من ما يسمى (بالشعر الشعبي) وهو بالواقع يمثل لغتنا وثقافتنا الحاليه فلن تجد شاعر يستهل قصيدته بـ قفا نبكي او ودِّع هريرة .
ابدا المقال وسأتكلم كما قلت عن الصحه النفسيه وكيف نحققها من وجهة نظري من خلال المحاور الثلاث التي ذكرتها في البدايه:
فالمحور الأول:
* الانسان نفسه:
فيجب علينا كأفراد ان نهتم بانفسنا ولا نحملها ما لاتستطيعه وان نهتم بذواتنا وان لا نتواجد في مكان مع من لانحتملهم من باب المجامله.
يقول الشاعر عيد بن مربح:
لقيت للقرحه علاجٍ طبيعي
فرقى ختوش الربع وانذال الاصحاب
فالقرحه مرض يدخل تحت تصنيف الامراض (السيكوسوماتية)، اي الامراض الجسمية ذات الاسباب والضغوط النفسيه فالعلاج هنا هو التجنب والانسحاب من المواقف التي تسبب التوتر والقلق وعدم الجلوس مع هؤلاء الاشخاص، فأنت غير مجبر على ذلك ويجب ان تهتم بنفسك وان ترفع من قدرها.
وكما قال الشاعر مساعد الرشيدي:
لا تطاول في قصير الشبر شبرك
ولا تنازل عن شيمك ولا تراجع
ولا تواضع للوضيع يضيع قدرك
منت مجبورٍ على بعض التواضع
فلا تدخل في جدالات ونقاشات باهتة غير مجدية (ولكن) يجب ان تحافظ على مكانتك ولا تغير قناعاتك بدون دليل على خطأها ارضاءً للغير، وأيضاً لا تتواضع لمن لايستحق تواضعك بالاساس.
والشاعر حمد بن منوه يقول:
أنا أشهد إن فرقى المعاضب جماله
لو هو وَلَدْك إليا تبدّل بليّاه
فالشخص الذي يتعمد مخالفتك بالرأي هكذا بدون سبب أو كل ما تراه يتعمد مخالفتك ابتعد عنه! فلا تجبر نفسك على ما لا تحب، فالقلق والتوتر الناشئ عن هذه المواقف اعتبره مثل جرس انذار الحريق الذي يُنبّئ بوجود خطر داهم لا بد من الهروب منه، كما نحتاج أحيانا أن نجبر النفس على ما تكره! فليس دائما الحل يكون بمطاوعتها فيما اشتهت.
واختم هذا المحور بأبيات لعيد ابن مربح ايضاً يقول فيها:
مجلسٍ مايقدر خطوتك لا تجيه
حط بينك وبينه برزخ الأعتزال
وروّض النفس وأردعها عن الي تبيه
كان طاوعتها غنت على ياليل لال
(اعطها فرصة المسجون لمزاوريه
ودفها دفة الطاغي لمستور حال)
اما المحور الثاني الذي سأتكلم عنه فهو:
* علاقة الانسان مع الغير:
يقول الشاعر عكاش الذيابي:
الناس ماخلقت حواليك ترضيك
مثلك مقادير الولي تعترضها
أخير لك لاتندفع في هقاويك
تلمس الاعذار ولا افترضها
فلا تتوقع ان الناس مجبورين على ارضاءك
فهم مثلك تعترضهم المشاكل وقد لا يكونون في افضل حالاتهم عند التعامل معك، فالافضل لك عند التعامل مع الناس ان لا ترفع سقف التوقعات بهم أو تتوقع انهم سوف يساعدونك فيما يعترضك من مشاكل وان لم تجد عذر بيّن افترض ان لديهم ماجبرهم على التعامل معك بما لم يعجبك.
وايضاً سأورد بعض الابيات للشاعر الحكيم خلف ابو زويد والتي سطر بها بعض النصائح لابنه دخيل يقول فيها:
(إحشم خويك عن دروب الرزاله
ترى الخوي عند الأجاويد له حال)
يذكر قيمة الصديق الذي لابد من ان يكون له محبه وتقدير ويكون مصدر تنفس للانسان يبث اليه شكواه او يستشيره
(المرجله بالك ترخي حباله
بالك تعيل ولا تراخي لمن عال)
هنا عرج على ذكر المرجله ووجوب التمسك بها والشاهد عندي هو الشطر الثاني من البيت بتوصيته بالحرص على عدم البدء بالاعتداء وهذا شيء منبوذ في كل ثقافه وكل دين ولكنه يوصيه بعدم الخنوع والقبول بالذل والمهانه فالانسان لابد ان يدفع عن نفسه الشر والاعتداء ولايرضى بالاهانه.
فلنفسك عليك حق
(ورفيقك الداني اليا شفت حاله
علّق عليه من المعاليق ما شال)
وهنا عاد الى ذلك الصديق الصادق بانه اذا اهمتك دنياك او اعترضك ما لا تستطيع حمله والصبر عليه فلا بأس من اللجوء لذلك الصديق وان تبدي له ما يحزنك وان تقتسم الحمل معه بما يستطيع كفايتك به، فلا تتقوقع على نفسك ماقد يسبب لك (الاحتراق النفسي) الذي هو حالة من الإرهاق النفسي والجسدي المزمن نتيجة للضغوط المستمرة.
(خله مع الديان تمشي لحاله
لاصرت ما أنت للمسة الخشم حمال)
وهنا تطرق في هذا البيت لتوجيه ابنه ان ينحرف بناقته التي يركب عليها (ويقصد بها النفس) مع الاوديه غير المأهولة بالناس اذا كان لا يستطيع ان يأخذ ويعطي معهم ويتحمل اذاهم فالعزلة هي الحل.
اما المحور الثالث الذي اعتقد انه يحقق السواء النفسي هو:
* البيئه التي يعيش فيها الانسان:
الشاعر بديوي الوقداني يقول:
عفت المنازل وروحي يوم اجنبها
منها غنيمة وعنها البعد أولالي
خل المنازل وقل للبين يندبها
يبكي عليها بدمع العين هطالي
دارٍ بدار وجيرانٍ نقاربها
وارضٍ بأرض وأطلالٍ بأطلالي
والناس اجانيب لين إنك تصاحبها
تكون منهم كما قالوا بالأمثالي
الارض لله نمشي في مناكبها
والله قدر لنا أرزاق وآجالي
حث المطايا وشرِّقها وغرِّبها
واقطع بها كل فجٍّ دارسٍ خالي
واطعن انحور الفيافي في ترايبها
وابعد عن الهم تمسي خالي البالي
وهو اعتقد في ابياته سبر اغوار الحكمة وابياته واضحه لا تحتاج توضيح ولا شرح.
فبكل بساطه المكان الذي لاترتاح فيه سواء مكان عمل او بقعة جغرافية وتعاني فيه من الهم او عدم التقدير غيّره وانتقل الى مكان اخر فأنت ياصديقي لست شجرة او مكون جغرافي لايمكن نقله.
في النهاية، الشخصية السوية هي شخصية متوازنة، مستقرة، وفاعلة في بيئتها، قادرة على الحب والعمل والاستمتاع بالحياة (التي ليست بالضرورة أن تكون وردية) والتعامل مع تحدياتها.
بقلم الأستاذ
بدر سالم العدواني