طفولة مسروقة خلف الشاشات … بقلم الأستاذة نوف الدوسري

إيسايكو: طفولة مسروقة خلف الشاشات … بقلم الأستاذة نوف الدوسري
لم تعد الطفولة كما عهدناها مليئة باللعب الحر ،وصناعة عوالم خيالية،وغيرها فقد تسللت الأجهزة الذكية إلى حياة الأطفال مبكراً، لتصبح الرفيق الأقرب لهم والبديل عن الأصدقاء واللعب الجماعي. ورغم ما تحمله من فوائد تعليمية ومعرفية، إلا أن الإفراط في استخدامها يسرق من الطفل أعظم ما يملكه: براءته وقدرته على الحلم والخيال.
فالطفل بطبيعته مبدع، يصنع من العصا حصاناً ومن الصندوق بيتاً، ويبتكر عوالم لا تنتهي. غير أن هذا الإبداع يبدأ بالانطفاء حين يذوب في عالم افتراضي جاهز يقدّم له كل شيء مكتملًا، فلا يترك له مجالاً للتفكير أو التخيل. وهكذا يتراجع الخيال تدريجياً ويُقتل الابتكار في مهده، ليجد الطفل نفسه متلقياً سلبياً يستهلك ما تُمليه الشاشة بدلاً من أن يبتكر بنفسه.
ولا يقتصر الأمر على قتل الإبداع فقط، بل يمتد ليترك آثاره على النمو النفسي والاجتماعي. فالعزلة التي تفرضها الأجهزة تضعف تفاعل الطفل مع الآخرين، وتحرمه من اللعب الجماعي الذي يصقل مهاراته الاجتماعية، ويغرس فيه قيم التعاون والمشاركة. ومع مرور الوقت قد يتحول هذا الانغماس إلى إدمان إلكتروني يشتت الانتباه ويزرع القلق ويعمّق الانطواء، لتنعكس نتائجه على صحته النفسية وسلوكه اليومي.
ومن هنا تصبح الحاجة ملحّة لإعادة الطفولة إلى مسارها الطبيعي. فمساحات اللعب الحر، ورواية القصص، وصناعة الألعاب البسيطة، والركض تحت الشمس ليست مجرد تفاصيل ترفيهية، بل هي اللبنات الأساسية لتكوين شخصية متوازنة غنية بالخيال والقدرة على الابتكار. وعندما يتعلّم الطفل أن يصنع متعته بعيداً عن الشاشات، فهو في الحقيقة يكتسب أدوات الحياة التي ستنفعه مستقبلاً أكثر من أي جهاز ذكي.
الأجهزة في ذاتها ليست خطراً، لكنها تتحوّل إلى سجن مضيء حين تهيمن على عالم الطفل وتختزل طفولته في ومضات افتراضية. لذلك علينا أن نعيد لأبنائنا طفولتهم قبل أن يكبروا بلا خيال، ويصبحوا جيلاً يعيش على ضوء الشاشات بينما يفتقر إلى بريق الإبداع الحقيقي.
الأستاذة نوف خليفة الدوسري