من التطوير إلى القلق المجتمعي … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

إيسايكو: من التطوير إلى القلق المجتمعي … بقلم الدكتورة ابتسام النومس
في البداية، لا بد من توجيه الشكر والتقدير للمسؤولين على جهودهم المبذولة في تطوير العملية التعليمية، وما يقومون به من مبادرات تهدف إلى الارتقاء بمستوى المناهج وتجويد مخرجات التعليم. فهذا الحرص يعكس اهتمام الدولة والمجتمع بمستقبل الأجيال، وهو ما يجعل من الواجب علينا —كمختصين وخبراء في مجال التعليم والتدريب— أن نشارك بآرائنا وملاحظاتنا من باب المسؤولية المجتمعية وتعزيز روح الشراكة في صناعة القرار.
إنّ تطوير المناهج التربوية عملية استراتيجية دقيقة تستند إلى مراحل زمنية مدروسة، تختلف جذرياً عن التغيير الشامل الذي يتطلب إعداداً طويل المدى وبنية متكاملة من التدريب والتأهيل. ومن هنا تأتي أهمية التمييز بين التطوير الذي يواكب المستجدات ويعزز جودة التعليم، وبين التغيير الجذري الذي يحتاج إلى تخطيط متأنٍ ومراحل تدريجية تضمن سلامة التنفيذ. إنّ اتخاذ القرارات التعليمية الكبرى بروح الحكمة والاتزان يحفظ استقرار الميدان التربوي ويصون ثقة المجتمع في العملية التعليمية.
إنّ التسرع في تغيير المناهج التعليمية لا يقتصر أثره على المضمون الأكاديمي فحسب، بل يمتد ليترك آثاراً نفسية واجتماعية عميقة. فالمعلم، وهو العمود الفقري للعملية التربوية، احتمال أن يتعرض لما يشبه الاحتراق النفسي نتيجة ضغط التكيف السريع مع مناهج جديدة دون توفير الوقت الكافي للتدريب أو الإعداد. هذا الإرهاق النفسي والمهني قد ينعكس على أدائه داخل الصف، ويؤدي إلى فقدان الحافز والقدرة على مواجهة التحديات اليومية.
أما أولياء الأمور، فاعتقد أنهم سيدخلون في دائرة من القلق وعدم اليقين بشأن مستقبل أبنائهم، إذ يواجهون صعوبة في متابعة ودعم العملية التعليمية ضمن مناهج غير واضحة المعالم أو غير مستقرة. هذا القلق يخلق فجوة في العلاقة بين الأسرة والمدرسة، ويضعف ثقة المجتمع بجدوى القرارات التربوية.
أما الطلاب، احتمال ان يكونوا هم الأكثر هشاشة في هذه المعادلة، إذ يتحول التعليم بالنسبة لهم إلى مصدر توتر وارتباك وخوف من المجهول، بدلاً من أن يكون بيئة آمنة للتعلم والنمو. إن فقدان الثقة بالمعلم أو بالمحتوى الجديد يزرع بذور القلق التي قد تمتد لتؤثر على التحصيل الدراسي والصحة النفسية على حد سواء.
من هنا، فإن قرار تغيير المناهج بهذه السرعة يبدو كقنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه المجتمع كله، محوّلة الحلم بالتطوير إلى أزمة تربوية وكارثة مجتمعية. والحل الأجدى ليس في الاندفاع نحو التغيير الشامل، بل في تبني مسار التطوير التدريجي المدروس، مع وضع خارطة طريق واضحة، وتدريب متكامل للمعلمين، وإشراك جميع الأطراف ذات الصلة في صناعة القرار.
المقترحات العملية للمسؤولين
• إعادة النظر في قرار التغيير الشامل للمناهج في هذه المرحلة، والاتجاه نحو دراسة أعمق تسمح ببناء أرضية صلبة قبل التنفيذ.
• تبني مسار التطوير والتعديل التدريجي كخيار أكثر واقعية، مع وضع خطة زمنية واضحة تتضمن مراحل للتجريب والتقييم والتعميم.
• تصميم برامج تدريب وتأهيل موسعة للمعلمين تركز على رفع الكفاءة وتقليل الاحتراق النفسي، بما يضمن جاهزيتهم للتعامل مع التحديات.
• فتح قنوات حوار مجتمعي فعّال بين أولياء الأمور والطلاب والمعلمين وصناع القرار، لتعزيز الشفافية وتقليل القلق والارتباك.
• إطلاق مبادرات دعم نفسي وتربوي مرافقة للهيئة التعليمية والطلاب، تعالج الضغوط والتوتر الناتج عن أي تغيير.
• تفعيل التقنيات التعليمية الرقمية كأدوات داعمة لتسهيل الانتقال التدريجي وتخفيف الأعباء على المعلمين والطلاب.
• الالتزام بمبدأ التدرج المرحلي في أي تغيير مستقبلي، بحيث يبدأ بالتجريب المحدود، مروراً بالتقييم والتطوير، وصولاً إلى التطبيق الشامل عند النضج.
الدكتورة ابتسام عباس النومس