أخبار عاجلةمقالات

من التوعية إلى التغيير “برنامج استعادة” برنامج وطني لمواجهة الإدمان السلوكي والرقمي … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

إيسايكو: من التوعية إلى التغيير “برنامج استعادة” برنامج وطني لمواجهة الإدمان السلوكي والرقمي … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

مع العالم السيبراني الذي يتسم بالتداخل الثقافي المتسارع والانفتاح اللامحدود على المنصات الرقمية، أصبحت الحدود بين القيم والسلوكيات أكثر هشاشة، مما أدى إلى تشكّل أنماط جديدة من التفكير والسلوك، خصوصًا لدى فئة الأحداث. فقد أصبحت التأثيرات الثقافية المتعددة عاملًا حاسمًا في صياغة الهوية الفردية، حيث يتلقى الفرد رسائل متضاربة من بيئات مختلفة تؤثر في قراراته ومعتقداته وتفاعلاته اليومية. هذا التداخل لا يمر دون أثر، بل يسهم أحيانًا في زعزعة التوازن النفسي، ويزيد من احتمالية الانخراط في أنماط سلوكية سلبية، كالإدمان الرقمي أو الكيميائي، مما يستدعي تدخلًا علاجيًّا متخصصًا لا يقتصر على التوعية، بل يتجاوزها نحو إعادة البناء والتأهيل.

من هنا تنبع أهمية “برنامج استعادة”، وهو برنامج علاجي سلوكي معرفي ابتكاري، أُعدّ بعناية علمية ومهنية عالية، مع الاستعانة بالذكاء الاصطناعي (AI)، ليستجيب لحاجة ملحّة في واقعنا المعاصر، حيث أصبح تداخل الثقافات وسرعة التأثر بالبيئات الافتراضية من أبرز التحديات في تشكيل شخصية الناشئة. يُقدَّم البرنامج كمشروع تأهيلي شامل، صُمم خصيصًا للمختصين في الصحة النفسية والتربوية والاجتماعية، بهدف التعامل مع فئة الأحداث المُعرَّضين أو المدمنين على السلوكيات الإدمانية بمختلف أشكالها، مع تركيز خاص على الإدمان الرقمي كأكثر أنماط الإدمان السلوكي تفشِّيًا في العصر الحديث.

البرنامج لا يستهدف فقط معالجة الأعراض الظاهرة، بل يعمل على تفكيك البنية الفكرية والسلوكية المرتبطة بالإدمان، من خلال رحلة علاجية ذات محتوى مهني عميق تُعيد للفرد توازنه النفسي وجودة حياته. وهو ما يجعل “برنامج استعادة” أداة استراتيجية يمكن للجهات المعنية، كوزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الصحة، ووزارة التربية، الاستفادة منها في تطوير خدماتها الوقائية والعلاجية، ضمن بيئة تراعي احتياجات الفرد وهويته الرقمية والاجتماعية.

يتكوّن البرنامج من سبع وحدات علاجية متكاملة، تبدأ بالتقييم والتشخيص، تليها مراحل تعديل الأفكار، وإعادة تشكيل السلوك، والثقافة السيبرانية، ثم المهارات الحياتية، فالهوية الرقمية، وتنتهي بمرحلة التعافي والدعم. مما يجعله برنامجًا يتجاوز التحذير إلى إحداث تغيير جذري ومؤثر في حياة المستفيدين.

ومن أهدافه أيضًا استعادة جودة الحياة والاتزان النفسي للفرد؛ فالإدمان تحوّل من عادة سيئة إلى اضطراب معقّد يؤثر في الإدراك والقرار والسلوك. يساعد البرنامج في تمكين المستفيدين من فهم آليات الإدمان، وتطوير مهارات التفكير النقدي، واستعادة التوازن النفسي والسلوكي ضمن بيئة علاجية داعمة تراعي احتياجات الفرد وهويته الرقمية والاجتماعية. إن الفرق بين برامج التوعية وبرنامج الاستعادة هو أن الأولى تركز على التنبيه، أما الثانية فتهدف إلى التغيير.

ويمثّل “برنامج استعادة” أيضًا مساهمة فاعلة في تحقيق رؤية الكويت الوطنية 2035، التي تسعى إلى بناء مجتمع صحي وآمن ومستدام. إذ يُعزز البرنامج أحد محاور الرؤية المتعلقة بتطوير رأس المال البشري، من خلال دعم فئة الأحداث وتمكينهم نفسيًّا وسلوكيًّا، ما يسهم في تقليل معدلات السلوكيات الخطرة، كالإدمان، وتعزيز المشاركة الإيجابية في المجتمع. كما يتماشى البرنامج مع أهداف الدولة في تطوير الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية، عبر توفير نموذج علاجي وقائي متكامل يعتمد على أسس علمية وتقنيات حديثة، ويُلبي احتياجات الفرد الكويتي في ظل التحولات الرقمية والثقافية المتسارعة.

إن “برنامج استعادة” ليس مجرد مشروع تأهيلي، بل هو استثمار وطني في مستقبل الأفراد، يسعى لصناعة تحوّل حقيقي في مسار حياة الأحداث، من الانجراف إلى الإدمان، إلى استعادة الذات والانخراط الإيجابي في المجتمع.

الدكتورة ابتسام عباس النومس

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى