أخبار عاجلةمقالات

ضحايا العنف ،،، جُناة في المستقبل … بقلم الأستاذة نوف الدوسري

إيسايكو: ضحايا العنف ،،، جُناة في المستقبل … بقلم الأستاذة نوف الدوسري

العنف ليس مجرد فعل لحظي ينتهي بانتهاء الموقف، بل هي شرارة تمتد آثارها في أعماق النفس البشرية، لتشكل سلوك الأبناء ومستقبلهم، فالطفل الذي يتعرض للعنف سواء كان جسدي، نفسي، لفظي، جنسي، اجتماعي، وصولاً إلى العنف الإلكتروني الذي انتشر مع تطور التكنولوجيا وتوفر الأجهزة الحديثة، يعيش صراعاً داخلياً بين حاجته إلى الأمان وبين معاناته مما يدفعه إلى تقليد السلوك أو الانحراف عن المسار السوي.
وهكذا سوف تتحول الضحية مع مرور الوقت إلى شخص يعيد إنتاج العنف ذاته، فيصبح جانياً بعدما كان ضحية! الأمر الذي يهدد الأسرة والمجتمع، فالطفل الذي تعرض للعنف منذ سنواته الأولى سيفقد جزءاً من قدرته على النمو النفسي، والاجتماعي السليم، كما أثبتت الدراسات التربوية والنفسية بأن العنف المستخدم على الأبناء يعتبر من أبرز العوامل المؤدية إلى اضطرابات نفسية تدفع الأفراد إلى ممارسة سلوك مدمر للذات، علاوة على ذلك؟ ما تتعرض له الضحية من آثار نفسية، اجتماعية، وسلوكية بسبب العنف الذي تعرض له، فيكون مجرما بعدما كان ضحية! فالأبناء قد يجدون في ممارسة العنف وسيلة للتفريغ عن مشاعرهم السلبية أو الدفاع عن الذات فيعيدون إنتاج ما تعرضوا له من عنف، ومع بلوغ سن المراهقة قد يتجه البعض إلى سلوك منحرف مثل السرقة، الهروب من المدرسة، الانخراط في جماعات منحرفة، وفي حالات أشد خطورة قد يقود البعض إلى ارتكاب جرائم أو تعاطي المخدرات، وهو ما يجعل من العنف عامل أساسي في تكوين شخصية منحرفة تهدد المجتمع وتزيد من ارتفاع معدلات الجريمة.
إن العنف بمختلف أشكاله مترابط ومتداخل في شخصية الجاني، وغالباً ما يبدأ معه بشيء بسيط ثم يتطور ويصبح أشد خطورة، فمثلاً العنف اللفظي المتمثل في الصراخ والإهانة مع مرور الوقت يتحول إلى عنف نفسي يخزن في الذاكرة فتضعف ثقة الفرد بنفسه ويرى محيطة غير آمن، ومن أسباب تحول ضحايا العنف إلى جناة:
1-آلية التقليد: فالطفل الذي كان يمارس علية نمط العنف يمارسه في المستقبل لأن هذا السلوك الذي كان يستخدم في الأسرة لحل النزاعات.
2-الرغبة في الانتقام: لأن الضحية يحمل مشاعر القهر والظلم يحاول تفريغها.
3-إثبات الذات: فيلجأ إلى القوة بسبب ضعف ثقته بنفسه ليظهر بأنه مسيطر.
4-نقص الدعم النفسي: يتفاقم الألم لعدم وجود شخص يحتوي الضحية فيتحول سلوكه إلى عدواني.
بناءً على ما سبق يتضح بأن العنف ليس مجرد تجربة قاسية يمر بها الأبناء في طفولتهم، بل هي بذرة سلبية قد تنمو وتتحول إلى سلوك منحرف، وعدوان ضد الآخرين في المستقبل، فالطفل الذي لم يجد الاحتواء والأمان من الأسرة والمجتمع فقد يعيد إنتاج ما تعرض له، ليصبح جانياً بعد أن كان ضحية، ومن هنا فإن حماية الأبناء من العنف ليست مسؤولية الأسرة فقط، بل هي واجب تربوي ومجتمعي يضمن بناء أجيال متوازنة تتمتع بصحة نفسية مستدامة بالتالي قادرة على العطاء والإصلاح لا الانحراف.

الأستاذة نوف خليفة الدوسري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى