الفئات الخاصة أصبحت قوة ظاهرة لصنع مستقبل مستدام … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

إيسايكو: الفئات الخاصة أصبحت قوة ظاهرة لصنع مستقبل مستدام … بقلم الدكتورة ابتسام النومس
لم تعد الفئات الخاصة تُرى على أنها شريحة مهمّشة أو مجرد فئة تحتاج إلى رعاية، بل أصبحت تمثل قوة إنسانية واجتماعية صاعدة، تُسهم بوضوح في تشكيل معالم المستقبل المستدام. لقد تجاوزت المجتمعات المتقدمة مفهوم العجز الجسدي أو الحسي، لتصل إلى قناعة راسخة بأن التحديات ليست عائقًا بل دافعًا للابتكار، وأن الفئات الخاصة تملك من الإرادة والكفاءة ما يجعلها جزءًا فاعلًا في التنمية الوطنية الشاملة.
وفي إطار رؤية الكويت 2035، تُعزز الدولة هذا التحوّل الواعي من خلال سياسات شاملة تكرّس مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص والحوكمة الرشيدة. فبدلًا من الاكتفاء بتقديم خدمات الرعاية التقليدية، تتبنى الرؤية إدماج الفئات الخاصة في جميع القطاعات الحيوية: التعليم، العمل، التكنولوجيا، والقيادة المجتمعية. هذا الدمج ليس ترفًا تنمويًا، بل ضرورة وطنية لصنع مجتمع متوازن يُعلي من قيمة الإنسان ويحتفي بتميزه، لا باختلافه.
وقد أشار المختصون في علم النفس إلى أن السلوكيات النمائية والاجتماعية للفئات الخاصة تحمل دلالات عميقة على القدرة على التكيف، والمرونة، وضبط الذات. فعندما يُهيّأ لهذه الفئات بيئة تربوية ومهنية سليمة، فإنها تظهر سلوكيات مسؤولة، تعاونية، وقادرة على الانضباط والانخراط الإيجابي، مما يجعلها نموذجًا حيًا لما يمكن أن تكون عليه التنمية السلوكية في المجتمعات العصرية. إن فهم هذا السلوك من منظور نفسي، لا يعني التركيز على التحديات بقدر ما يعني استثمار نقاط القوة الفريدة التي يتمتع بها الأفراد من ذوي الإعاقات، وتحويلها إلى طاقات بنّاءة.
ويؤكد علماء النفس أن دعم الاستقرار النفسي والسلوكي للفئات الخاصة يُعد من أهم عناصر تمكينهم، حيث يرتبط الأداء السلوكي الإيجابي ارتباطًا وثيقًا بالاندماج المجتمعي، والنجاح المهني، والقدرة على اتخاذ القرار. وهذا ما يجعل الاستثمار في الصحة النفسية والسلوكية لهذه الفئة أحد مفاتيح التنمية المستدامة، لا سيما في ظل التحولات الرقمية والاجتماعية المتسارعة.
لقد أثبتت الفئات الخاصة، في الكويت وخارجها، أنها تمتلك طاقات خلاقة وقدرات مبهرة على الابتكار، الصمود، والإبداع. من الرياضيين العالميين، إلى رواد الأعمال، والمبدعين في الفن والعلوم، بات حضورهم علامة فارقة في مسيرة التنمية. وكل ذلك مرهون ببيئة تحتضن التنوع وتضبط السلوك المجتمعي ليقوم على الاحترام، والتمكين، والشراكة لا الشفقة أو العزل.
إن تمكين هذه الفئات ليس فقط مسؤولية أخلاقية أو قانونية، بل ركيزة في بناء الاقتصاد القائم على المعرفة والعدالة الاجتماعية. ومن هنا، يصبح دور المؤسسات مضاعفًا في تفعيل منظومة حوكمة تؤمن بالشفافية، وتكافؤ الفرص، والمساءلة، وتضمن مشاركة الفئات الخاصة في اتخاذ القرار، لا مجرد تلقيه.
وهكذا، تصبح الفئات الخاصة قوة ظاهرة لا يمكن إغفالها في مسيرة التنمية المستدامة، ونموذجًا يُحتذى به في التحدي والبناء، ضمن وطن يحتضن جميع أبنائه بعين المساواة، وبقلب المستقبل.
الدكتورة ابتسام عباس النومس