أخبار عاجلةمقالات

علم نفس الأزمات: دعامة أساسية في إدارة الاضطرابات السياسية والبيئية … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

إيسايكو: علم نفس الأزمات: دعامة أساسية في إدارة الاضطرابات السياسية والبيئية … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

تُعدّ الأزمات السياسية والبيئية من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، حيث تؤدي إلى اضطرابات شاملة تؤثر في الأفراد والجماعات على المستويين النفسي والسلوكي. وفي هذا السياق، يبرز علم نفس الأزمات كعلم حديث متخصص يعالج الاستجابات النفسية للأفراد أثناء الأزمات ويقترح استراتيجيات فعّالة للوقاية والتعامل مع المواقف الحرجة قبل أن تتفاقم إلى كوارث.
فهو علم نفس الأزمات (Crisis Psychology) هو فرع من علم النفس التطبيقي يدرس كيفية استجابة الأفراد للأحداث الصادمة والمفاجئة، مثل الكوارث الطبيعية، الحروب، الأزمات السياسية، والانهيارات الاقتصادية. يهدف إلى فهم ديناميكيات السلوك تحت الضغط، وتقديم تدخلات نفسية تُسهم في تخفيف التوتر وتحسين القدرة على اتخاذ القرار.
وتكمن أهمية علم نفس الأزمات في فترات الاضطراب
وفي سياقات الاضطرابات السياسية والبيئية، يلعب هذا العلم أدواراً محورية:
تعزيز المناعة النفسية لدى الأفراد وصناع القرار.
ومنع تفشي الذعر الجماعي الذي يعطل الأداء المؤسسي والمجتمعي.
وتوجيه الإعلام والإدارة نحو رسائل مهدّئة وفعالة.
مثال واقعي: خلال جائحة كورونا، ساعدت ممارسات علم نفس الأزمات في توجيه رسائل الطمأنة وتعديل السلوكيات الوقائية لدى المواطنين في دول الخليج.
ومن التوترات الجيوسياسية وإدارة الانفعالات
فقد شهدت منطقة الخليج في الأشهر الأخيرة توترات حادة بسبب تصاعد النزاع بين جمهورية إيران والكيان الصهيوني، مما أثار مخاوف من اتساع دائرة الصراع ووصوله إلى الدول المجاورة. وقد ساهمت هذه التوترات في خلق حالة من القلق الجمعي، وانتشار الشائعات والتحليلات غير الدقيقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
مثال تطبيقي: في دولة الكويت، قامت الحكومة بإطلاق حملات توعوية رقمية عبر تطبيقات مثل “راصد” و”تحقق”، والتي تتيح للمستخدمين التبليغ عن الأخبار الكاذبة وتلقي معلومات موثوقة من مصادر رسمية. كما تم تدريب فرق الدعم النفسي في وزارة الصحة على التعامل مع الموجات المفاجئة من الذعر الشعبي وتقديم الدعم الفوري.
ولإدارة الأزمات قبل تحولها إلى كوارث، يتطلب منع الأزمات من التحول إلى كوارث منهجاً علمياً يتضمن:
رصد مبكر للمؤشرات التحذيرية (مثل تفشي الشائعات، التوتر الشعبي، الإهمال البيئي).
وتحليل السياقات النفسية والاجتماعية التي قد تؤدي إلى الانفجار.
وتدريب القادة والعاملين على اتخاذ قرارات في بيئات عالية الضغط.
لذلك لا بد من الضبط الانفعالي والسلوكي
فالضبط الانفعالي يمثل حجر الزاوية في التعامل مع الأزمات:
من خلال تقنيات مثل التنفس العميق، التأمل الذهني، وإعادة التقييم المعرفي تُساعد في السيطرة على ردود الفعل المبالغ بها.
فالمؤسسات تُدرب الموظفين على ضبط الانفعالات في مواجهة الجمهور أو خلال الكوارث.
لذلك لا بد من التقويم والتحليل النفسي للأزمات
وهذا يتضمن هذا الجانب:
من فهم الفروقات الفردية في التفاعل مع الأزمات.
وتحليل أنماط السلوك الجماعي لفهم اتجاهات الجمهور.
وبناء نماذج التنبؤ بالأزمات اعتماداً على الأدلة النفسية والسلوكية.
لذلك لا بد من الإبداع الفكري والابتكار كأدوات للوقاية
في الأزمات، لا تكفي الحلول التقليدية. لذلك:
فيجب تعزيز التفكير الابتكاري في استراتيجيات المواجهة.
وتشجيع الابتكار المؤسسي مثل تطبيقات التحذير المبكر، وأنظمة الذكاء الاصطناعي لمراقبة التوتر المجتمعي.
مثال: طورت المملكة العربية السعودية تطبيق “تطمين” الذي يرصد مؤشرات الضيق النفسي عبر استبيانات تفاعلية، ويقدم موارد للدعم النفسي الفوري، إضافة إلى برامج وقائية في المدارس والجامعات.
وننبه بأن علم نفس الأزمات ليس علماً نظرياً فحسب، بل أداة استراتيجية ضرورية لتأمين المجتمعات في وجه التحديات الكبرى. ومن خلال فهم النفس البشرية تحت الضغط، ورصد ديناميكيات السلوك الجمعي، وتوظيف الابتكار الرقمي، يمكن للمؤسسات والأفراد في منطقة الخليج أن يتصدّوا بفعالية للأزمات قبل أن تتحول إلى كوارث مدمرة.

الدكتورة ابتسام النومس

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى