علم نفس الذكاء الاصطناعي … بقلم الدكتورة ابتسام النومس

إيسايكو: علم نفس الذكاء الاصطناعي … بقلم الدكتورة ابتسام النومس
أصبحنا في عصر تتسارع فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) نحو تغيير ملامح الحياة البشرية، يبرز فرع جديد وهجين من العلوم الإنسانية يُعرف بـ علم نفس الذكاء الاصطناعي، وهو حقل ناشئ يهتم بدراسة العلاقة التفاعلية بين السلوك البشري والأنظمة الذكية، بما في ذلك الروبوتات، الخوارزميات، والمساعدات الرقمية. إنه علم يسعى لفهم كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على الإدراك، الانفعال، اتخاذ القرار، والعلاقات الاجتماعية، وفي المقابل كيف يُعيد الإنسان تشكيل التكنولوجيا بحسب حاجاته النفسية والعاطفية.
ويعرف علم نفس الذكاء الاصطناعي؛ هو فرع تكاملي يجمع بين علم النفس التقليدي وعلوم الحوسبة والذكاء الاصطناعي، يدرس التفاعلات بين الإنسان والتقنيات الذكية، ويحلل الأبعاد النفسية للأجهزة التي تتصرف بطريقة “ذكية”، سواء من خلال المحادثة أو التوصية أو التفاعل. لا يقتصر هذا العلم على تصميم آلات أكثر إنسانية، بل يسعى لفهم كيف تُعيد هذه الآلات تشكيلنا نحن كبشر.
في زمن تحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة تقنية إلى شريك في القرار، برز علم جديد يقف عند مفترق طرق بين النفس البشرية والآلة الذكية، يُعرف باسم “علم نفس الذكاء الاصطناعي”. هذا العلم المتقدّم لا يكتفي بتحليل وظائف الروبوتات أو قدرات الخوارزميات، بل يتعمّق في فهم الأثر المتبادل بين الإنسان والأنظمة الذكية، وكيف يتشكل السلوك الإنساني حين يخاطب آلة تملك “وعياً زائفًا” أو “تعاطفًا اصطناعيًا”.
و يعنى “علم نفس الذكاء الاصطناعي” بدراسة التفاعلات النفسية والمعرفية التي تنشأ بين البشر والأنظمة الرقمية التي تتسم بالذكاء. ويتناول هذا التخصص قضايا جوهرية مثل: كيف يثق المستخدم بقرارات الذكاء الاصطناعي؟ كيف تتأثر مشاعره وتقديره لذاته في ظل المقارنة مع أداء الآلة؟ وما حدود التكيّف النفسي في بيئات العمل والتعلم المؤتمتة؟
فهو علم يخاطب الحاضر… ويستعد للمستقبل حيث تكمن أهمية هذا الفرع في التنبؤ بالتحولات السلوكية الناتجة عن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في مجالات الصحة النفسية، التعليم، العدالة، وتوجيه القرارات. فالمساعدات الرقمية، والروبوتات التفاعلية، وخوارزميات التوصية، أصبحت تشكّل أطراً غير مرئية تؤثر على عواطف الأفراد، أنماط تفكيرهم، وحتى علاقاتهم الاجتماعية.
ولذلك يسعى علم نفس الذكاء الاصطناعي إلى:
• فهم الاستجابات الانفعالية والمعرفية للمستخدم أمام التوصيات الآلية.
• تصميم واجهات ذكية تراعي الفروق الفردية والانفعالية.
• دمج الأخلاق النفسية في برمجة الأنظمة التنبؤية.
• تقويم الآثار السلوكية طويلة الأمد للتفاعل المتواصل مع الآلة.
فهو بين العلاج والاضطراب: سيف ذو حدين؛ في الجانب العلاجي، و توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي اليوم في دعم الصحة النفسية، عبر روبوتات المحادثة العلاجية، والتطبيقات الذكية التي ترصد علامات القلق أو الاكتئاب مبكرًا، بل وتقدّم تدخلات أولية قائمة على العلاج السلوكي المعرفي (CBT).
لكن، في المقابل، تحذر الأبحاث من أن الاعتماد المفرط على هذه التقنيات قد يُنتج اضطرابات جديدة مثل:
• اضطراب الانفصال عن الواقع الرقمي (Digital Detachment).
• الإدمان على التفاعل مع الأنظمة الذكية.
• انخفاض التعاطف البشري بسبب استبدال العلاقات الإنسانية بروبوتات اجتماعية.
ويمكن إعادة تعريف “الذات” في عصر الذكاء الاصطناعي
فهو أكبر تحدٍ يطرحه هذا العلم يكمن في إعادة تعريف الهوية البشرية في عالم تُشارك فيه الآلة بقرارات مصيرية، وتُزاحم فيه على مساحات التفكير والإبداع. فهل سنظل نحتفظ بقدرتنا على اتخاذ القرار بمعزل عن التوصيات الآلية؟ وهل سيؤثر الذكاء الاصطناعي في تقديرنا لذواتنا؟
ومن أهمية هذا العلم:
1. تعزيز التفاعل الإنساني-الرقمي: من خلال فهم أفضل لاحتياجات المستخدم النفسية أثناء التفاعل مع الأنظمة الذكية.
2. تطوير واجهات ذكية تتعاطف مع الإنسان (مثل الذكاء العاطفي الاصطناعي).
3. الوقاية من التبعات النفسية الضارة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، كالعزلة الرقمية أو الإدمان على الخوارزميات.
4. مساندة الصحة النفسية عبر تقنيات علاجية مدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل العلاج السلوكي المعرفي الرقمي.
و من ابرز أهداف علم نفس الذكاء الاصطناعي:
• تحليل الاستجابات السلوكية للذكاء الاصطناعي، ومدى ثقة المستخدم في القرارات التي تتخذها الأنظمة.
• تصميم نظم ذكية تراعي الفروق الفردية والانفعالية.
• تحديد معايير السلامة النفسية في بيئات العمل أو التعليم التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
• فهم الأثر الأخلاقي والمعرفي للتفاعل مع الآلات شبه الواعية أو التي تحاكي الإنسان.
ومن الأبعاد النفسية والسلوكية:
يمتد تأثير الذكاء الاصطناعي إلى جوانب متعددة في السلوك الإنساني، منها:
• تغيير أنماط اتخاذ القرار، خاصة حين يتكل الإنسان على توصيات الذكاء الاصطناعي (مثل خوارزميات التوظيف أو التعليم).
• تعديل الذاكرة والانتباه بفعل التعرض المستمر للأنظمة الذكية التي تسهّل التفكير (مثل استخدام ChatGPT أو محركات البحث).
• إعادة تشكيل الهوية والانتماء، لا سيما بين المراهقين الذين يتفاعلون مع شخصيات ذكية رقمية كأنها أصدقاء.
ومن اضطرابات يمكن أن يُسهم في علاجها أو التسبب بها:
يعالج:
• اضطرابات القلق الاجتماعي من خلال المحاكاة التفاعلية.
• الاكتئاب الطفيف باستخدام روبوتات الدعم النفسي.
• الوسواس القهري عبر خوارزميات المراقبة السلوكية.
وقد يُسبب:
• اضطراب الانفصال عن الواقع (Reality Detachment Disorder)، نتيجة التفاعل المفرط مع كيانات غير بشرية.
• الإدمان التكنولوجي، خاصة على الروبوتات الاجتماعية أو الأنظمة التي تعزز المكافأة الفورية.
• ضعف المهارات الاجتماعية نتيجة الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي في التفاعل.
وننبه المختصين بأن علم نفس الذكاء الاصطناعي ليس علم المستقبل فقط، بل هو علم الحاضر الذي نعيشه دون أن نُدرك عمق تأثيره. إن دمج المعرفة النفسية في تصميم وتقييم الأنظمة الذكية بات ضرورة حتمية لبناء مستقبل تكنولوجي إنساني يحترم العقل البشري ويخدم رفاهيته، لا أن يُهيمن عليه أو يُقصيه. وبينما تمضي الآلات نحو الذكاء، علينا أن نمضي نحن نحو الوعي والضبط الأخلاقي والسلوكي في هذا التفاعل الثنائي المعقّد
و يعدّ علم نفس الذكاء الاصطناعي أحد أهم الاستجابات العلمية لتغيرات الثورة الصناعية الرابعة، وهو ليس ترفًا معرفيًا، بل ضرورة سيكولوجية لفهم الجيل الرقمي، وضبط التوازن بين الذكاء العاطفي البشري والذكاء الاصطناعي الخوارزمي.
وإذا كانت الآلة تزداد فطنة، فإن الحاجة اليوم لا تقل عن ضرورة أن يزداد الإنسان وعيًا بها وبنفسه.
الدكتورة ابتسام النومس