أخبار متنوعةمقالات

مدونة السلوك الوظيفي: لحماية الموظفين وتعزيز الصحة النفسية والمهنية … بقلم الدكتورة ابتسام النّومس

إيسايكو: مدونة السلوك الوظيفي: لحماية الموظفين وتعزيز الصحة النفسية والمهنية … بقلم الدكتورة ابتسام النّومس

في ظل ارتفاع معدلات الضغوط النفسية في بيئات العمل، باتت الحاجة ملحّة إلى أطر تنظيمية تحمي الموظف من الانهيار النفسي والاضطرابات السلوكية التي تنعكس سلبًا على الأداء العام للمؤسسة. وهنا تبرز مدونة السلوك الوظيفي، التي أقرّها ديوان الخدمة المدنية، كأداة إصلاحية ومهنية تهدف إلى ضبط السلوك المؤسسي وتوفير بيئة عمل آمنة ومتوازنة نفسيًا ومهنيًا. فهي من وجهة نظري “درع الموظف النفسي وضمانة لأداء مهني مستدام”
هذه المدونة لا تكتفي بوضع تعليمات أخلاقية، بل ترسم خارطة طريق للموظف تحميه من السقوط في فخ الاحتراق الوظيفي، والانفعالات المدمرة، والسلوكيات السلبية التي قد تؤدي إلى مساءلات إدارية أو حتى قانونية.
“مدونة السلوك الوظيفي ليست ورقة، بل منظومة حماية”، بهذه العبارة يصف أحد الخبراء أهميتها، مؤكدًا أن تطبيقها الواعي يساهم في خلق بيئة عمل تحترم الإنسان وتثمّن عطاؤه.
فقد أشارت الأبحاث الحديثة إلى أن غياب الإطار السلوكي يؤدي إلى تفشي التمييز، وسوء التواصل، والمحاباة، وهو ما يضع الموظف تحت ضغط دائم. وعليه، فإن المدونة تضع حدودًا واضحة للانفعالات، وتشجع على النزاهة، والاحترام، والشفافية في العلاقات الوظيفية.
إن تطبيق المدونة لا يكتمل دون دعمها بخدمات الإرشاد النفسي المهني، الذي يساعد الموظفين على، التعامل مع الضغوط اليومية بمرونة، وتفريغ الانفعالات السلبية بطرق بناءة، وبناء وعي ذاتي سلوكي ينسجم مع ثقافة المؤسسة. وهذا يقدم من خلال برامج الإرشاد المهني فهو ضرورة لا ترف؛ ويمارس من خلال التواصل الداخلي من بوابة الاتزان.
فالمدونة تعزز أهمية التواصل المؤسسي الفعّال كوسيلة لحل النزاعات وتحقيق الانسجام بين فرق العمل. فكلما زادت القنوات المفتوحة بين الإدارة والموظفين، كلما تراجعت التوترات وارتفعت معدلات الرضا الوظيفي.
لذلك تطبيق مدونة السلوك الوظيفي ليس مجرد التزام إداري، بل هو استثمار مباشر في جودة الأداء المؤسسي، وصحة العاملين، واستدامة بيئة العمل. لذا، لا بد أن تُفعّل المدونة ليس فقط بالتوجيهات، بل بالمتابعة، والإرشاد، والتدريب. فحماية المؤسسة تبدأ بحماية الموظف، وتعزيز بيئة العمل المستدامة. فهي لا تكتفي بوضع معايير أخلاقية ومهنية، بل تمتد لتكون درعًا واقيًا من الاضطرابات النفسية والسلوكية التي قد تنشأ نتيجة الضغوط أو سوء الإدارة أو غياب التوجيه والدعم المهني.
فقد أشارت الدراسات أيضا إلى أن الاحتراق النفسي، والضغوط الانفعالية، والسلوكيات السلبية تُعد من أبرز التحديات التي تؤثر على الموظفين، وتنعكس بشكل مباشر على إنتاجيتهم، وقدرتهم على الابتكار، واتزانهم النفسي والوظيفي. وهنا تأتي مدونة السلوك الوظيفي لتؤكد على أهمية، ضبط الانفعالات والتعامل باحترام ومهنية. ونبذ السلوكيات المسيئة مثل التسلط، التهميش، أو التمييز المهني. والتحذير من المخالفات السلوكية التي قد تعرض الموظف للمساءلة الإدارية أو القانونية. وتعزيز النزاهة السلوكية، التي ترتكز على مفاهيم أخلاقية أساسية مثل النزاهة، الالتزام، والاحترام المتبادل، وهي دعائم لا تساهم فقط في رفع الأداء، بل تخلق بيئة عمل أكثر أمانًا نفسيًا وارتباطًا وظيفيًا. فكلما شعر الموظف أن الحقوق محفوظة، وأن السلوكيات تُقاس بمعايير عادلة، زاد ولاؤه المؤسسي واستعداده للعطاء. وأيضا نوجة لضرورة الإرشاد النفسي المهني، لكي تؤتي هذه المدونة ثمارها، لا بد من دعمها بأنظمة مساندة، وعلى رأسها الإرشاد النفسي المهني، الذي يساهم في، معالجة الانفعالات والتوترات المزمنة. وتدريب الموظفين على مهارات التكيف والمرونة النفسية. وتعزيز السلوكيات الإيجابية والوعي الذاتي المستمر. والحد من ظواهر التسيب والسلوك العدواني أو الانسحابي.
ولتعزيز الاتصال والتواصل الفعّال، توصي المدونة كذلك بأهمية الاتصال الداخلي الفعّال، كوسيلة لتقوية العلاقات بين الموظفين، وتوضيح التوقعات، وحل النزاعات بشكل سلمي ومنهجي، مما يحفظ كرامة الموظف ويعزز من مكانته ضمن الفريق. ولبيئة عمل سليمة ومستقرة لا بد من تطبيق مدونة السلوك الوظيفي الذي لا يصب فقط في مصلحة الموظف، بل في مصلحة المؤسسة ككل، إذ، تُرفع كفاءة الأداء المؤسسي. وتُقل نسبة الغياب والتسرب الوظيفي. ويُعزز الإبداع والمبادرات الفردية. ويُدعم التميز الإداري وفق مبادئ الحوكمة والنزاهة.
إن مدونة السلوك الوظيفي ليست مجرد وثيقة تنظيمية، بل هي إطار حيوي لحماية الإنسان قبل الوظيفة، وتحقيق الصحة النفسية والاتزان الوظيفي داخل المؤسسات. ومن هذا المنطلق، فإن التطبيق الجاد والمتكامل لبنودها، إلى جانب تفعيل الإرشاد المهني والبرامج النفسية، سيكون مفتاحًا لبناء بيئة عمل صحية، منتجة، ومستدامة.

الدكتورة ابتسام النّومس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى