المسؤولية المجتمعية تقلل الاضطرابات النفسية وتعزز الصحة النفسية … بقلم الدكتورة ابتسام النّومس

إيسايكو: المسؤولية المجتمعية تقلل الاضطرابات النفسية وتعزز الصحة النفسية … بقلم الدكتورة ابتسام النّومس
في عصر تتسارع فيه وتيرة التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، برزت أهمية المسؤولية المجتمعية كركيزة أساسية لتحقيق التوازن بين التطور المادي والارتقاء بالوعي الجماعي، لاسيما في ظل التحديات النفسية والثقافية التي رافقت دخول الإنسان إلى الفضاء السيبراني. فالمسؤولية المجتمعية لم تعد خيارًا تطوعيًا، بل ضرورة تفرضها معطيات العصر للحفاظ على صحة المجتمعات واستدامتها.
اثبتت الدراسات وجود علاقة بين المسؤولية المجتمعية والصحة النفسية، حيث تتجلى أهمية المسؤولية المجتمعية في دورها الفعّال في تقليل الاضطرابات النفسية التي بدأت تتزايد بفعل الانعزال الرقمي والتفاعل غير المتزن في البيئات الافتراضية. ومع انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، برزت مشكلات مثل القلق الاجتماعي، اضطرابات الهوية، العزلة، الاكتئاب، والتنمر الإلكتروني، وكلها ساهمت في تعميق الفجوة بين الفرد ومحيطه الواقعي.
إن تحمل الفرد لمسؤوليته تجاه ذاته ومجتمعه، ومشاركته الإيجابية في الأنشطة الاجتماعية، يساهم في بناء توازن نفسي ويدعم الشعور بالانتماء والأمان. كما أن الالتزام بالقيم والسلوكيات الإيجابية داخل المجتمع، سواء في الواقع أو في الفضاء السيبراني، يحمي الأفراد من الانزلاق إلى مساحات من التفكك الذهني والاجتماعي. لذلك تُعد المسؤولية المجتمعية وسيلة لتعزيز الثقافة المجتمعية، من خلال نشر الوعي والسلوكيات التي تحترم القيم المشتركة وتحفّز على التعاون والتعاضد. عندما يدرك الأفراد أن سلوكهم له تأثير مباشر على الآخرين، يتولد لديهم وعي جماعي يشجعهم على التصرف بإيجابية والتفاعل بمسؤولية، مما يرفع من جودة الحياة المجتمعية ويعزز من مستوى الوعي الثقافي.
وفي الفضاء السيبراني، تتجلى أهمية هذا الوعي في مكافحة الشائعات والمعلومات المضللة، واحترام الخصوصية، ومواجهة خطاب الكراهية. إن الثقافة المجتمعية لا تُبنى فقط في المدارس أو المؤسسات، بل أيضًا من خلال الممارسات اليومية على المنصات الرقمية التي أصبحت امتدادًا لحياتنا الواقعية.
المسؤولية المجتمعية تعزز أيضًا من فعالية الاتصال والتواصل داخل المجتمع، وهو ما يُعدّ من أسس الاستدامة الاجتماعية. فكلما ازداد وعي الأفراد بأهمية التواصل الهادف والبنّاء، قلّت فرص النزاعات وسوء الفهم، وازدادت فرص التفاهم والتكامل بين مختلف مكونات المجتمع. فالاتصال والتواصل يعد جسر الاستدامة• وفي هذا الإطار، يصبح التفاعل الإيجابي سواء في العالم الواقعي أو الرقمي، جزءًا من السلوك المسؤول الذي يراعي مشاعر الآخرين، ويحترم التنوع، ويسهم في بناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات النفسية والثقافية التي قد تعترض طريقه.
إن ظهور الفضاء السيبراني قد غيّر مفهوم المواطَنة التقليدية، وفرض على الأفراد مسؤوليات جديدة تتجاوز حدود الجغرافيا. فالمواطَنة اليوم لا تعني فقط احترام القانون في الشارع أو مكان العمل، بل تشمل أيضًا احترام القوانين الرقمية، وممارسة الحرية الإلكترونية دون الإضرار بالآخرين، والتفاعل الأخلاقي على المنصات.
ومن هنا، فإن تبني مفهوم “المواطَنة الرقمية المسؤولة” يُعدّ خطوة حاسمة نحو تحقيق الصحة النفسية المتوازنة في الفضاء الافتراضي، ويعزز الاستدامة من خلال خلق بيئة سيبرانية آمنة تحترم الكرامة الإنسانية، وتُشجّع على التفاعل المثمر والواعي. نحو مواطَنة رقمية مسؤولة.
الخاتمة:
إن المسؤولية المجتمعية ليست مجرد شعار، بل ممارسة يومية تنعكس في سلوك الأفراد داخل المجتمع وخارجه، في الواقع والفضاء السيبراني. وهي حجر الأساس في بناء مجتمع سليم نفسيًا وثقافيًا، متماسك اجتماعيًا، ومتين في وجه التحديات الرقمية. إن التزام الأفراد بالقيم المجتمعية، والتفاعل الواعي، والاحترام المتبادل، كلها مفاتيح لتعزيز الصحة النفسية وتحقيق استدامة حقيقية في مجتمع متغيّر.
الدكتورة ابتسام النّومس