الأجهزة الإلكترونية وتأثيرها على أطفالِنا … بقلم الأستاذة ياقوت توبة

إيسايكو: الأجهزة الإلكترونية وتأثيرها على أطفالِنا … بقلم الأستاذة ياقوت توبة
جميع ما نقوم بِهِ في هذِهِ الحياة له تأثيرات إيجابية وسلبية، كالقرارات التي نتخذها أو الأحداث التي نمُرُّ بها، لكنْ يتمثل دورُنا في كيفية استثمار الجانب الإيجابي وتعزيزه والحد من الجانب السلبي والتقليل من تأثيراته الجانبية بِقدر الإمكان تدريجياً.
ففي ظِلّ عصرِنا الحديث عصرِ التكنولوجيا الذي يُسبب قلقًا وإرباكًا للعديد من الأسر فيما يجول بداخلهم من صراعٍ فكريٍّ حول منع الطفل من استخدام الأجهزة الإلكترونية أو اعطائه الجهاز، فكل الأطفالِ أصبحوا يستخدمون الأجهزة وأصبحت فكرة الانخراط لساعات طويلةً على الأجهزة فكرة مُعتادة لسرعة الانتشار الفائقة لاستخدامها ولقول كثيرٍ بأنّ هذا عصرهُم وفُرِضَ عليهم أن يكونوا هكذا. ومع شديد الأسف، فإن تعميم فكرة كهذِهِ ينجُمُ عنه عواقب وخيمة، لا سيما أننا لا نستطيع منع أو ترك الطفل كامل الوقت على الأجهزة الإلكترونية، ولا محاولة حرمانه منها دون إيجاد البدائل المُلائمة له.
كما ويكمُنُ دورنا كتربويين أن نلفت الانتباه للتوعية بهذا الجانب المُربك للكثيرين بأنه علينا أن نُخرِجَ جيلًا قادرًا على إدارة وقته، لديه وعي بالمسؤولية تجاه ما يقوم به وما يترتب عليه، بدءًا من المهام الصغيرة التي ستكبُرُ معهم كلما تقدم بهم العمر، بدلًا من الخوض بفكرة العصر وفُرِضَ عليهم.
ونعمل على إشراكهم بالمهام، الروتينات اليومية، والفعاليات العائلية، ووضعهم في مواقف تجعلهم يندمجون ويتفاعلون مع الأشخاص والبيئة المُحيطة بِهم، وخلق الأنشطة التعليمية، التثقيفية، والاجتماعية، والترفيهية وغيرها من الأنشطة التي تساعد على تطورهم ونموهم في مختلف المجالات، فعند إشراكهم، وبحسب اهتماماتهم وميولهم، وبتواجدك معهم ستجعلهُم أكثر ميلًا لك من الجهاز الإلكتروني، مع التأكيد على أن أطفالنا يتعلمون بالنمذجة؛ أي بتقليد كل سلوك أو تصرف نقوم بِه، فيجب علينا الحِرص والانتباه على عدم منع الطفل من القيام بشيء وأنت تفعل عكس ما تقوله، فهم بِكُلِّ بساطة يتعلمون، وبنحو أسرع، بتقليد ما تفعله وليس ما تقوله.
ولا شك بأننا اليوم نُعِدُّ جيلاً من الأطفال يعيشون حياة تعتمد على الأجهزة الإلكترونية في كثير من تعلمهم، وفي حين أصبحت هذِهِ الأجهزة والأجهزة المحمولة من الضروريات أكثر من كونها كماليات، فلا ينبغي لنا أن نجعل أطفالنا منفصلين عنها تمامًا، ولا جَعلهم يعتمدون عليها اعتمادًا كليا، حيثُ إننا قادرون على إكسابهم المهارات التي ذكرتها سابقًا، لذلك لا نغفل جوانب الاستفادة منهامع الرقابة من قِبَل الأسرة ومعرفة ماذا يشاهدون ويتعلمون وضمن قواعد وضوابط مُحددة، منها الوقت.
فبالنسبةِ للوقت، بحسب الفئة العمرية للطفل، أكدت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أنّ الأطفال (منذ الميلاد الى عمر السنتين) يجنبون الأجهزة، وألا يكون هناك وقت للجلوسِ أمام الشاشات، وبالنسبةِ للأطفال من (سن 3 إلى 5 سنوات)، فساعة واحدة فقط لمشاهدة التلفاز وبتواجد الوالدين وان يتجنبون الأجهزة الإلكترونية، وللأطفال من (سن 6 سنوات فما فوق) على الآباء وضع حدود ثابتة للوقت بحيث لا يتجاوز ساعتين يوميًا American Academy of Pediatrics (APP).
حيثُ أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن المهمة الرئيسة للدماغ خلال السنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل هي إحداث المزيد من الروابط العصبية بين خلايا الدماغ والإبقاء على ما هو موجود منها من خلال تعريض الطفل إلى الخبرات المُبكرة، لأن دماغ الطفل في هذا العمر في أوجِ تطوره، كما وأكدت أنّ 90% من تطور دماغ الطفل يحدث قبل سن الخامسة من العُمر، وبالتالي فإن تعريض الطفل للشاشات ما قبل سن 3 سنوات سيؤدي إلى زيادة فرص حدوث مشكلات في الانتباه والتركيز واضطرابات في النوم، والسلوك وغيرها.
ولا نغفل جانب التساؤل الدائم لدى كثيرٍ حول أن الأجهزة الإلكترونية (الشاشات أو الآيباد تحديدًا) يسبب اضطراب طيف التوحد؟ قطعًا لا، ولا يوجد أي دراسات أو بحوثٍ علمية تُثبت صحة هذِهِ الأقوال المُتناقلة، لكنها تعتبر عاملا مُحفزًا لظهور الأعراض واستمراريتها عندما يتم استخدامها بطريقة غير صحيحة.
وفي الختام، أنوه على إيلاء الاهتمام بأطفالنا، تحديدًا في مرحلة الطفولة المبكرة، لما لها من تأثيرٍ مهم ودورٍ كبيرٍ في نمو الدماغ وتطوره، ففي كثير من الأحيان نسمع القول: “عندما لا تتفتح زهرة، عليك إصلاح البيئة التي تنمو فيها وليس الزهرة ذاتها“. فالبيئة والتنشئة الأسرية كلتاهما مسؤولتان عن نمو دماغ الطفل بوقت مبكر من عمره. فمن هنا، يمكن القول إن كل تجربة أو قرار نحياه يحملُ في طياته فرصة للنمو والتعلم، إلى جانب التحديات التي يمكن أن تواجهنا، إلا أن السر يكمُنُ في التعرف على هذه الجوانب المختلفة والاستفادة منها بأفضل طريقة ممكنة لتحقيق التوازن والازدهارِ في حياتنا.
أ/ياقوت توبة.