الضبط الذاتي … بقلم الدكتور مرزوق العنزي
إيسايكو: الضبط الذاتي … بقلم الدكتور مرزوق العنزي
يعيش العالم أجمع وضعا استثنائيا لم يشهده من قبل بسبب أزمة كورونا التي فرضت على الجميع حظرا جزئيا وأحيانا حظر كلي على جميع المواطنين والمقيمين باستثناء الصفوف الأمامية الذين يستحقون منا كل تقدير واحترام على جهودهم الكبيرة أثناء أزمة كورونا، وإن تأخرت الجهات الرسمية بصرف مستحقاتهم! فنقول لهم: الخير بقبال، وكذلك اضطر البعض وتحديدا القادمين من الخارج إلى امتثالهم للحجر المؤسسي في حال عدم التطعيم أو الحجر المنزلي في حال التطعيم، وقد نتج عن تلك الاحترازات الصحية نتائج سلبية ألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصاد والتعليم فأربكتهما بشكل كبير! وفي مقابل ذلك فقد انتعشت بعض فنادق الكويت اقتصاديا بسبب تطبيق قرار حجر العائدين للبلاد.
واليوم نحن نعيش في شهر رمضان المبارك حظرا جزئيا جاء نتيجة لارتفاع عدد حالات الإصابة بفايروس كورونا بين المواطنين والمقيمين على حد سواء، ومع ذلك فقد جاء قرار الحظر مراعيا لأهمية ممارسة الرياضة داخل المناطق السكنية، ومراعيا للاقتصاد من خلال السماح للمطاعم والصيدليات بتوصيل الطلبات، ومراعيا لحاجة المواطن والمقيم بزيارة الجمعيات التعاونية والأسواق المركزية من خلال الحجز الإلكتروني، وفي المقابل فقد قامت الجهات الأمنية بالتشديد على الجميع من خلال نقاطها المنتشرة على طول الطرق الرئيسة، مع ملاحظة أن البعض يفسر قرار الحظر الجزئي على أنه حظر سياسي جاء لعدة اعتبارات منها حالة الاحتقان القائمة فيما بين مجلس الوزراء ومجلس الأمة، وعلى أي حال فنتائج الحظر واحدة!
ومن الواضح أن الحظر الجزئي الحالي أشبه ما يكون بالحظر الذاتي الذي يعتمد على المواطن نفسه وكذلك المقيم، فالذي يخشى على نفسه وأهل بيته من الإصابة بفايروس كورونا إلى جانب حرصه على سلامة المنظومة الصحية من التدهور بسبب ازدياد حالات الإصابة بفايروس كورونا وحالات دخول بعضهم العناية المركزة، فسيلتزم بعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة المتمثلة في أداء الصلوات اليومية وإسعاف مريض وتشييع جنازة أو غيرها مما يستوجب الخروج القسري، وأما الذي لا يهتم بصحته وسلامة أهله وحماية المنظومة الصحية فسيمارس حياته بشكل طبيعي في حدود منطقته السكنية وأحيانا خارج المنطقة بالتحايل المشروع على النقاط الأمنية من خلال استخراج تصريح خروج لزيارة مستشفى أو جمعية تعاونية.
وإن كان الالتزام بالحظر الذاتي قائم على مدى تمتع المواطن والمقيم بالوعي الصحي، والإحساس بالمسؤولية الشخصية والمجتمعية، إلا أن مسألة احترام رغبة البعض باختيارهم لذلك هي نسبية عائدة على مدى تمتعهم بالذوق والأخلاق.
علما بأن للحظر سلبيات منها العزلة التي من الممكن أن تؤثر سلبا على الصحة النفسية، إلا أن له فوائد عديدة تتمثل في توقف وسائل النقل عن الحركة والاستعاضة عنها بممارسة رياضة المشي وركوب الدراجة مما سيكون لذلك انعكاس إيجابي على تحقيق التوافق النفسي والاستقرار النفسي لدى الفرد، وبالتالي انعكاس هذا الأثر الإيجابي على تحقيق الصحة النفسية لجميع أفراد الأسرة والمجتمع، وكذلك خلق بيئة صحية جيدة.
وهنا يأتي سؤال: هل لقرار الحظر الجزئي دور في منع الجريمة؟ والجواب: لم يمنع الجريمة! وقد حدثت في نهار رمضان، وفي ظل تطبيق القاتل للاحترازات الصحية! فراحت ضحيتها فتاة بعمر الزهور! ومهما كانت الدوافع التي سيتقدّم بها القاتل! فقتل النفس البريئة محرم شرعا وقانونا، والمجتمع المحترم يعيب على الرجل استخدام العنف ضد المرأة، فكيف بقتلها؟ ومن هنا بدأ خوف الجميع على أنفسهم وأبنائهم! ولسان الحال يقول: من هي الضحية القادمة؟
وفي السياق فإنّ منع الجريمة قائم على الضبط الذاتي للشخص نفسه إلى جانب الضبط الخارجي المتمثل في حزم الجهات الأمنية بلا تعسف في تطبيق القرار! فالواقع يقول بأن قرار الحظر الجزئي لم يمنع انتشار فايروس كورونا، وهذا ما كشفت عنه إحصائيات وزارة الصحة التي أثبتت زيادة حالات الإصابة أثناء الحظر الجزئي عن سابقها في حال عدم الحظر! وكذلك الجريمة! فمن يستطيع منعها؟ من دون تطبيق حازم للقوانين! يتمثل بتعاون جميع مؤسسات الدولة لحماية المجتمع.
إن الوضع الأمني بشكل عام يدفعنا للتفاؤل لقلة عدد الجرائم، ولكن نوعية تلك الجرائم في البلاد لا تبشر بخير أبدا، ونذكر منها جريمة المسايل التي راح ضحيتها شاب، وأيضا جريمة ضاحية صباح السالم التي راحت ضحيتها شابة، وتكرار تلك الجرائم نذير خطر! من الممكن أن يكون بداية للانفلات الأمني نسأل الله تعالى أن يحفظ البلاد والعباد من كل سوء، والاعتراف بذلك هو بداية طريق الضبط الداخلي المتمثل في قدرة المواطن والمقيم على ضبط نفسه، والضبط الخارجي المتمثل في قدرة الجهات الأمنية على القيام بواجباتها على أكمل وجه، فمن غير الممكن تجاهل أسباب ودوافع تلك الجرائم التي تدل على غياب الوازع الديني، وقصور الوعي، والاستهتار بأرواح الآخرين، والجرأة على كسر القانون! وفي المقابل نجد هناك عوامل ساعدت على ارتكاب الجريمة منها عدم الحزم بتطبيق الإجراءات القانونية، وعدم التعامل مع البلاغات بجدية، وعدم مراجعة بعض قوانين الأحوال الشخصية، وعدم قيام العقلاء بأدوارهم المنوطة بهم، وعدم وجود مقررات دراسية تعزز الجوانب النفسية لدى الطالب في تفاعله مع محيطه الأسري والدراسي والاجتماعي، وكذلك عدم تفعيل دور الإرشاد النفسي بشكل عام والإرشاد الزوجي والأسري والمهني بشكل خاص.
الدكتور مرزوق العنزي