الشخصية النرجسية … بقلم الدكتور مرزوق العنزي
إيسايكو: الشخصية النرجسية … بقلم الدكتور مرزوق العنزي
لدى أفراد المجتمع قناعة شبه تامة بأفضلية الأزمنة السابقة على التي بعدها! وكان اقتناعهم بذلك عائدا على عدة أسباب منها الاعتقاد بأن الرعيل الأول كان يقدم جوهر الشّخص على مظهره! فهم ينشدون صفاء القلب وعفّة اللّسان ونزاهة الأفعال، وفي المقابل لم يمنعهم ذلك من النظر في المظهر الخارجي لرسم صورة كاملة عن الشخص الذي يتعاملون ويتفاعلون معه، فالمظهر اللائق يُعزّز الثّقة بِالنّفس لدى الشّخص ويساعد على قبول الآخرين له كما يترك انطباعا جيّدا لديهم.
وأما اليوم، فقد اختلفت قناعات بعض النّاس! فأصبحوا يقدّمون مظهر الشخص على جوهره! فبعضهم لا تهمّه أمانة وصدق الشخص! بل ينظرون إلى أناقته! وأسلوبه! حتى أصبحت تلك المظاهر وسيلة للدخول على الإنسان البسيط والسيطرة عليه ثم توجيهه لتحقيق المصالح الشخصية! ويجتمع ذلك في اضطراب الشخصية النرجسية، ومن هنا وجب التعرّف على سمات صاحب الشخصية النرجسيّة المضطربة بهدف الوقاية وحماية النّفس.
وإن كنا لا نستطيع إحصاء جميع خصائص اضطراب الشخصية النرجسيّة في مقال واحد! ولكن ذلك لا يمنع من الوقوف على بعض النّقاط الهامّة في شخصيته، مثل إسهابه في الحديث عن النفس والمبالغة في عرض إيجابياته وإنجازاته الوهمية في مقابل تجريح الآخرين لإثبات أفضليته عليهم! ومحاولة استثارة اهتمام الآخرين! ولفت انتباههم من خلال المُبالغة في الأناقة، واختيار بعض الكلمات الرّقيقة! لعلمه بأن المُبالغة بالمظهر واللسان في التّعامل مع الآخرين تخفي سطحيّته، علما بأنّ ثقافته التي يتغنّى بها ويظهرها للنّاس … كاذبة، وهي في حقيقتها غير مُتوافقة مع تلك الأناقة والمظهر الجذّاب! إلاّ أن صاحب الشخصية النرجسيّة يُجيد إظهار خلاف ما يبطن، فعندما يُحدّث ضحاياه فإنّه يتقرّب إليهم بالخير وعذب الكلام، وفي الوقت نفسه فهو يحمل لهم في قلبه الحسد والشر والحقد! كما أنه مُتكبّر ومغرور ويحتقر الآخرين! ولا يراهم في الوجود شيئا وإن كانوا في المُجتمع أرقى وأفضل منه! فلا يهمّه ذلك! وتكفيه سيطرته التامّة على محيطه الوهمي! مع ملاحظة أنه لا يستطيع السيطرة على مشاعره وسلوكه! مع شعوره الدائم بالاكتئاب وعدم الأمان، وأيضا الغضب في حال لم يحصل على معاملة خاصة تليق بشخصيته المزاجية، والسعي وراء اقتناء أفضل الكماليات للتفاخر بها على الآخرين بأسلوب متكبّر غير لائق، وبسبب تلك النرجسيّة المُفرطة وذلك السّلوك السّلبي فإنه يشعر بالوحدة! فهو ليس لديه صداقات حقيقيّة!
كما أن هناك مضاعفات لاضطراب الشخصية النرجسية تتمثل في سوء العلاقات الزوجية والأسرية والاجتماعية في الدراسة والعمل، وكذلك التفكير في الانتحار إلى حدّ المحاولة! فصاحب الشخصية النرجسية بحاجة إلى علاج نفسي، وتلك مسؤولية أسرته.
ولِمَن أراد السّلامة فليبتعد عن دائرة علاقات الشخصية النرجسيّة، ولا يغتر بجمال ملبس ولباقة لسان صاحبها، فالجمال الحقيقي يكمن في أخلاق الشّخص وسُمُو مبادئه وقيمه التي يتمتّع بها، وأن يكون ظاهره مُتوافقا مع باطنه، وقد جاء في قصيدة عمرو بن معد يكرب رضي الله عنه:
ليس الجمال بمئزر فاعلم وإن رُدِّيت بُردا
إن الجمال معادنٌ ومناقبٌ أورثن مجدا
الدكتور مرزوق العنزي