التوازن البشري … بقلم الدكتور مرزوق العنزي
إيسايكو: التوازن البشري … بقلم الدكتور مرزوق العنزي
تختلف سمات الشخصية من فرد لآخر بما يشكّل أنماطا خاصة لكل شخص، ومرورا بمجمل تلك الأنماط الشخصية فيما يسمى بالشخصية السوية والنرجسية والهستيريَّة والساديَّة والمازوخيَّة والسيكوباتيَّة وغيرها كثير، ووصولا إلى العوامل الخمسة الكبرى للشخصية التي اجتمعت بها آلاف السمات والخصائص الشخصية قد تبيّن بأن من أسوأ الشخصيات تلك التي تقترب من النمط السلبي، ومن أفضلها تلك التي تقترب من النمط الإيجابي، فالتباين سنة إلهية وضرورة لِخَلْق توازن بشري يهدف إلى ضمان استمرارية الحياة بأقل دور ممكن تقوم به تلك الشخصيات السلبية، في مقابل أكبر دور تفاعلي إيجابي ممكن تقوم به الشخصيات الإيجابية.
ومن هنا جاء عنوان المقال (التوازن البشري) الذي اجتهدت في تعريفه ليكون مفهوما جديدا، وهو كالآتي: استمرار الحياة بتعايش الأخيار والأشرار معا، وعدم تمكّن أحد الفريقين من القضاء على الطرف الآخر، فصراعهما دائم ومستمر، وفي حال انتصر الأشرار فسيتبعهم الجهّال والإمَّعُونَ، وسيتكاثرون أشرارا، وسيصبح المجتمع مكانا غير آمن للأخيار، وستسفك فيه الدماء، وسينتشر فيه الظلم والفساد والرشوة والكذب والزور والبهتان، وانتهاك جميع المحرمات، وأما في حال انتصار الأخيار فستصبح الحياة ملاذا آمنا، وسينعم أفراد المجتمع بالعدالة الاجتماعية، والمساواة، بل سينعم الجميع بالأمن والأمان بما فيهم الأشرار، ومن هنا جاءت ضرورة قيام أفراد المجتمع بدورهم الفطريّ المُتمثِّل بالإصلاح والمبادرة بالخير وتعزيز دور تلك الشخصيات الإيجابية لتمكينهم من تولي زمام الأمور ثمّ إيجاد بيئة حياتية مناسبة يهنأ ويسعد بها الجميع.
وهذا مثال لتوضيح المقال: لو نظرنا إلى الشخصية المطمئنة لوجدناها أقرب الشخصيات المتمتعة بسمة القيادة، ومن هنا تأتي حاجة المجتمع إليها لامتيازها بالجاذبية التي تدفع فريق العمل للاجتماع عليها والالتفاف من حولها، وبالتالي تمكينها من تحقيق المصلحة العامة اعتمادا على ذلك التوافق المجتمعي.
ولكن … مع جميع تلك الامتيازات التي يتمتع بها صاحب الشخصية المطمئنة إلا أنه لا يستطيع العيش منفردا في هذه الدنيا، فعلى قدر تمتعه بالاطمئنان إلا أنه سيحتاج لبعض الشخصيات من حوله!
وهنا توضيح أدق، تحرص الشخصية المطمئنة على وجود شخصية قلقة في مجال عملها! لاستثمارها في بعض الأعمال المساعدة على تحقيق جودة الأداء، فصاحب الشخصية القلقة جيد في أداء المهام المنوطة به، وشخصيته من أفضل الشخصيات التي تتمتع بقدرة عالية على أداء العمل بدقة! بسبب سماتها الشخصية المتمثلة بالقلق الدائم وشعور صاحبها بأنه يواجه تحدي وبالتالي يدفعه ذلك التحدي لإتقان عمله أكثر وأكثر.
فصاحب الشخصية القلقة يعاني من عدم ارتياحه لأدائه، وتردّده في قراره، وخوفه من النتائج! وذلك يدفعه إلى تجويد أداءه بدرجة عالية، وبذلك يتحقق الهدف.
وأما في حال كان الشخص القيادي قلقا والشخص التابع له مطمئنا، فسيختلف الأمر تماما، وللقارئ الكريم أن يتصور كيف تكون نتائج تلك الانتكاسة؟ فالشخصية القلقة لا تستطيع اتخاذ القرار ويغلب عليها الروتين والعناد وتسفيه الرأي الآخر والمبالغة بحب وجمع المال.
وَعَودٌ على بَدءٍ، فلكل من الظلم و العدل، والخير والشر .. أهل، وصراعهما أزليّ حينما ابتدأ الظلم والبغي والحسد في عهد سيدنا آدم عليه السلام عندما اقتتل أبناؤه قابيل وهابيل، واستمرت الفتنة إلى عصرنا هذا الذي اجتمعت به جميع أنواع الشرور حمانا الله وإياكم منها، والحقيقة المرّة أن الشر سيستمر معنا إلى ما شاء الله تعالى، وبذلك أصبحت الشخصية السلبية شرّ لا بدّ منه!
ولن يعفي ذلك أهل العدل والخير من الاستمرار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، فالأشرار يتكاثرون بالظلم، ويقتاتون على الشر! وهم أعداء الحياة، ونظرتهم تقف عند حدّ مصلحتهم الشخصية الضيّقة! وفي حال تقلّدهم زمام الأمور، وطغيانهم على الأخيار، فسيركن إليهم كل جانح إلى الشر، وسينحسر الخير، وسيقنع الأخيار بأقل درجات العيش الكريم! وعندها ستختلف الحياة عن المقصود التي خلقت من أجله، والنتيجة الحتمية لذلك هي انتكاسة في جميع المجالات، وهنا يتجلّى دور الأخيار الإيجابي في تحقيق التوازن البشري من خلال قدرتهم على مواجهة الأشرار وصمودهم وصبرهم على الأذى وتحجيمهم للشرّ بصورة تدريجية، وبالتالي استثمار أهل الخير لأهل الشرّ فيما يخدم المصلحة العامة من دون إيذائهم ومن دون خسائر تؤثر سلبا على استمرار الحياة البشرية.