ملاحظات تنموية حول عيد الأضحى … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين
إيسايكو: ملاحظات تنموية حول عيد الأضحى … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين
نحتفل كل عام بحلول عيد الاضحى المبارك المتزامن مع موسم الحج والمرتبط في ديننا بذبح الاضاحي تقليدا لسيدنا ابراهيم عليه السلام في القصة الشهيرة بينه وبين ابنه سيدنا اسماعيل وقبل ان اكمل فإن سيدنا ابراهيم كان مسلما ولم يكن يهوديا ولا نصرانيا حيث قال الله على لسانه في القرآن الكريم : ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ سورة الْبَقَرَةِ الآية ١٢٨ وقال الله ايضا : ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚمِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ سورة الحج الآية (78)
إذا سيدنا ابراهيم كان مسلما وهو اول انسان استخدم عقله في التفكير والتحليل المنطقي لظواهر الكون الطبيعية للاستدلال على قدرة الله ووجود الله واقول هذا الكلام لمن يرددون في الشهور الاخيرة مصطلح الديانة الابراهيمية والذي لا وجود له الا في اذهان الصهاينة والماسونيين واذنابهم من الخونة والمطبعين
نعود الى عيد الاضحى المبارك وما يرافقه من مواقف سلبية تضر الانسان والبيئة على السواء ونبدأ بطريقة جلب الأبقار والعجول حيث يتم جلبها من المزارع بطرق بدائية بسيطة في سيارة نقل مثلا وقد يهرب الثور نظرا لعدم خبرة الناقل ونظرا لتجمهر المواطنين وارتفاع اصواتهم حيث يهيج الثور ويرفس ويقفز ويقطع الحبال ويهرب وقد يؤدي ذلك الى اصابات بالغة او الى موت الناقل او احد المتفرجين ولذلك يجب تأمين نقل الابقار والعجول من المزارع الى اماكن الذبح بشكل آمن وبإشراف مختصين في هذا المجال ممن يمتلكون الخبرة والمهارة
ثم اتكلم عن مكان الذبح وطريقة الذبح فإن معظم عمليات الذبح تتم في الشوارع والارصفة وفي احيان كثيرة يتم الذبح بشكل خاطئ نظرا لخوف الجزار من الثور او لقلة خبرته او ارتباكه من التصوير وحرصه على الظهور بمظهر الشجاع فيتأثر عكسيا ويفشل في الذبح ويأتي متطوع اخر ليكمل على الثور وقد يتطوع احد المسلحين من رجال الامن ويطلق النار على الثور في راسه او جسده للمساهمة في اخضاع الثور الهائج او الهارب وهذه عملية تعذيب وليست عملية ذبح وتضحية وقد يؤدي هذا الامر الى ان الاضحية تفقد صفة الحلال وتفقد صفة الاضحية اصلا فالإسلام يعلمنا (اذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ) وما نراه في فيديوهات عمليات الذبح المتداولة لا علاقة له بالإحسان ولا الرحمة ابدا وكأن الناس تريد الانتقام من الثور وليس تقديمه أضحية تقربا الى الله وتقليدا لسيدنا ابراهيم عليه السلام
ثم يرتبط بعملية الذبح ظاهرة همجية تتمثل في تجمهر المواطنين والاطفال والتصوير بكاميرات الهواتف وتلوث الشوارع بكميات كبيرة جدا من المياه المخلوطة بالدماء ومحتويات الامعاء وثلوث اماكن تجمع النفايات ببقايا الاضحية من جلود واطراف وامعاء ورأس ودهون وانبعاث الروائح المقززة خلال ايام العيد نظرا لان معظم البلديات لا تعمل او تعمل بشكل جزئي وبالتالي تتراكم النفايات من كل الانواع والاشكال وهذه امور تتنافى مع جوهر الدين الاسلامي الذي علمنا الحرص على النظافة للجسم والبيت والشارع فالإسلام دين الطهارة والنظافة بلا.منازع لكن بعضنا يتصرف بشكل شخصي همجي يسيء للإسلام ويسيء للبيئة
ان هناك تجارب في دول راقية كثيرة حول الاضاحي سأذكر نموذج واحد منها حيث يتم الذبح في مسالخ نموذجية منشرة في الدولة بإشراف البلديات ووزارة الصحة ووزارة الاقتصاد ووزارة الزراعة ويقوم من يريد ذبح الاضحية باختيار الخروف او الثور الذي يريد ان يشترك فيه ويأخذ موعد دقيق جدا يحضر فيه ليشهد عمليه الذبح حسب الشعائر الاسلامية ويتم الذبح بطريقة حلال بأجهزة حديثة على ايدي مختصين وخلال نصف ساعة بالكثير يتم ذبح وسلخ وتقطيع وتوزيع الثور والأروع في الموضوع ان المضحي يدفع ثمن اللحم فقط ولا علاقة له بالنفايات ابدا واذا اراد شيء من الامعاء يتم تقديمه له نظيفا والعملية تتم بهدوء وفي مواعيد دقيقة لكل مجموعة وخلال اربعة ايام في العيد اذ ليس من الضروري ان يتم الذبح في اللحظة الاولى بعد صلاة العيد وديننا دين يسير وسهل وليس معقدا وهذا النموذج الذي ذكرته مطبق في بريطانيا وسنغافورة والمانيا وماليزيا وغيرها كثير من دول راقية تحرص على النظافة والنظام وسلامة المواطنين والتوفير في استهلاك المياه وهذه الدول تستفيد من الجلود ومن العظام ومن كل النفايات بشكل لا يضر بالبيئة وكأنهم فهموا القرآن الكريم وطبقوه عمليا بشكل افضل منا نحن العرب والمسلمين وليس من الصعب تطبيق ذلك في بلادنا او على الاقل يجب ان يتم الذبح في مسالخ قريبة من مزارع الابقار والخراف بمواعيد دقيقة وحجز مسبق وتنظيم هذه العملية خلال ايام العيد الاربعة دون تصوير ودون تجمهر وازدحام لا داعي له
إن عيد الاضحى وأيام التشريق هي ايام يتم فيها أكبر عملية توزيع طعام مجاني تحصل سنويا في كوكب الأرض حيث يتم توزيع اكثر من 400 مليون طن من اللحم الحلال على الفقراء والمحتاجين في اكثر من 60 دولة عربية واسلامية وهوما يعني اطعام 20 % من فقراء الارض وهي عملية تعجز عنها كل الجمعيات الخيرية المتواجدة في العالم ويجب ان تكون سلوكياتنا راقية مع البيئة والحيوانات حتى نعكس اجمل صورة للإسلام في شعيرة واحدة من شعائر الإسلام علما ان هناك شعائر أخرى رائعة جدا كالزكاة والصدقات لمساعدة الفقراء.
اختم مقالي بالحديث عن مسألة العيديات حيث اصبحت عادة متوارثة ولكن لا يوجد في الاسلام أي نصوص تدل على وجودها اصلا في التشريع الاسلامي ولذلك يجب علينا ان نتراحم في هذا المجال وان نعلم ان مبلغ العيدية لا يدل على المحبة او عدم المحبة فالتواصل مع الارحام وزيارة الارحام يجب ان تكون طوال العام وليس اداء واجب فقط في العيد والحكم الشرعي في العيدية انها حرام شرعا اذا كانت ستؤدي الى قطع الارحام بمعنى ان الرجل اذا لم يكن معه مال للعيدية وشعر بالحرج فإنه لن يزور اخته او ابنته او خالته او عمته لأنه لا يمتلك مال للعيدية وهنا لا يجوز له شرعا قطع الارحام وهنا تكون العيدية حرام شرعا لأنها ادت الى حرام .. وبعض الناس قد يستدين ليدفع العيدية حتى لا يشعر بالحرج امام ارحامه وهنا يكون المال قد تم اخذه بطريق التخجيل والحياء والقاعدة الشرعية تقول :وما اخذ بسيف الحياء فهو حرام ولذلك نرجو من الرجال ان يتراحموا في هذا المجال ولا يحق للرجل ان يحاسب زوجته اذا لم يتمكن اخوها او ابوها من تقديم مبلغ العيدية رغم بساطته وانني اذكر هذا الكلام لان هناك مشاكل مجتمعية تحصل بسبب غيرة بعض النساء وتحريضهن لأزواجهن وشعورهن بالنقص مقارنة بالنساء الاخريات وهذه المشاكل كلها تدخل في دائرة الحرام لأنه لا اصل في الاسلام لفكرة العيدية ويفترض ان لا تستحق الاهتمام لان الاهم هو التزاور والتواصل الاجتماعي الحقيقي والتراحم ولأن الرزق لا يتمثل في مبلغ العيدية فقط
ارجو ان يكون كلامي مفيدا لكم وارجو ان تملأ حياتكم الافراح والاعياد
وكل عام وانتم بألف خير
الدكتور أحمد لطفي شاهين