كيف تستغل العصابات الإجرامية في العالم منصات التواصل الاجتماعي لترويج المخدرات؟
إيسايكو: كيف تستغل العصابات الإجرامية في العالم منصات التواصل الاجتماعي لترويج المخدرات؟
تقرير وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن نشاط وأساليب العصابات الإجرامية في العالم واستغلالها منصات التواصل الاجتماعي لترويج المخدرات ضمن الحملة الإعلامية والتوعوية ل(كونا) لمكافحة آفة المخدرات تحت شعار (المخدرات هلاكك).
من الهيثم صالح (تقرير إخباري)
الكويت (كونا): هي ومضة بغير حذر ربما تفتح الباب الافتراضي واسعا في ولوج عالم الجريمة الأسود ومنزلق المخدرات ترويجا وتعاطيا وكله يبدأ من شاشات الهواتف وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي تطالعنا يوميا بعشرات الرسائل والتعليقات تروج عقاقير وأدوية أو مواد منشطة وتطلب منا التواصل معها.
لكن بتحليل معمق من خلال أدوات رصد وتحليل منصات التواصل الاجتماعي يتضح أن الحسابات التي تبث تلك التعليقات ليست في الحقيقة سوى واجهات لعصابات إجرامية عابرة للدول تنشط في ترويج العقاقير والمواد المخدرة عبر الإنترنت وتستغل تطبيقات التواصل الاجتماعي وسيلة للإيقاع بالشباب في تطور جديد لتجارة المخدرات بالعالم.
ويتضح كذلك أن مروجي المخدرات يكثفون نشاطهم على التطبيقات التي تلقى إقبالا كثيفا بين جيلي (زد) و(ألفا) مثل (سناب شات) و(إنستغرام) و(تيك توك) إذ يبثون فيديوهات ويعلقون على المنشورات بكتابات تحمل توصيفات ترتبط بالقوة والنشاط أو بقدرة أدوية مزعومة على زيادة القدرة على التحصيل الدراسي أو التركيز.
ويصنف جيل (زد) بأنه الجيل المولود بين عامي 1995 و2010 بينما جيل (ألفا) هو التالي له ويتسم هذان الجيلان بأنهما الأكثر ذكاء وأتمتة وبراعة في استخدام التكنولوجيا الرقمية منذ الصغر.
ويطلق المروجون على تلك الحسابات مسميات مستوحاة من اللذة أو من أسماء جذابة أو يضعون صورا مخلة بالآداب ويستخدمون رموزا وشيفرات لأسماء الحسابات بلغات غير شهيرة لجذب رواد المنصات الاجتماعية.
ومن بين أهم حيل المروجين أيضا ما يسمى (صيدليات الإنترنت) غير المشروعة التي تروج عقاقير مخدرة أو يغررون بالشباب الساعي إلى تقوية بنيتهم العضلية أو فقدان الوزن دون بذل مجهود.
وبهذا الشأن حذرت الباحثة في علم الجريمة بجامعة (نوتنغهام) البريطانية غراس روبنسون في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الجمعة من خطورة تطبيقات التواصل الاجتماعي في “توريد المخدرات” منبهة إلى أن تلك التطبيقات لا تتيح فقط أسواقا كبيرة أصبح من السهل الوصول إليها بل تتيح أيضا للمتعاملين إخفاء هوياتهم.
وقالت روبنسون التي ترأس مؤسسة (بلاك بوكس لميتد) للأبحاث والاستشارات الأمنية ببريطانيا إن رسائل (سناب شات) مثلا تختفي بسرعة ولا تترك سوى القليل من الآثار أو الأدلة مما يصعب على أجهزة إنفاذ القانون تحديد مصادر الإمداد بالمخدرات مستطردة:”ما رأيته بنفسي خلال العامين الماضيين هو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لجذب الناشئة والشباب لشراء المخدرات”.
ونبهت إلى أن المجرمين باتوا يوظفون أساليب جديدة للتشجيع على ترويج المخدرات ويستهدفون الفئات الأضعف من بينها الأطفال لابتزازهم إلكترونيا ثم تشغيلهم في نقل المخدرات.
واستدلت على ذلك بدراسة أجرتها بالتعاون مع باحثين في جامعة (نوتنغهام) حول تأثيرات جائحة كورونا في “توريد المخدرات” وانتهت إلى أن المروجين يستخدمون تطبيقات مثل “سناب شات” لرسم خريطة رحلتهم لترويج المخدر الجديد والعثور على موزعين محليين لاستخدامهم كمهربين للمخدرات وتحديد أماكن لاستخدامها قواعدا للتزويد بالمخدرات.
وطالبت روبنسون بأن تتولى الحكومات تنظيم منصات التواصل الاجتماعي وتحسين إجراءات التحقق من العمر والهوية مع مزيد من المساءلة لتلك التطبيقات عندما يثبت أنه جرى الترويج للمخدرات على منصاتها.
في السياق أكدت أستاذة علم الجريمة بكلية (رويال هولواي) بجامعة لندن لي مويل أن مروجي المخدرات يوظفون شبكات التواصل الاجتماعي الأكثر شيوعا بين الشباب خصوصا (سناب شات) و(إنستغرام) لافتة في هذا الصدد أيضا إلى دراسة حديثة أجرتها هي بالتعاون مع باحثين آخرين في (رويال هولواي) ونشرتها (المجلة الدولية لسياسة المخدرات) واطلعت عليها وكالة (كونا).
وقالت مويل إن الدراسة خلصت إلى أن نحو 80 في المئة من مشتري المخدرات الذين التقهم أكدوا أن سهولة التنظيم والتوزيع والنقل هي الميزة الأساسية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضحت أنه على الرغم من أن الحصول على المخدرات من خلال الاشخاص المحيطين لا يزال مفضلا فإن التطبيقات أصبحت بسرعة خيارا قابلا للنمو للحصول عليها وأرجعت السبب في ذلك إلى أن الكثيرين يعتقدون بأنه يمكنهم الإفلات من سلطات إنفاذ القانون من خلال استخدام التطبيقات.
وأضافت مويل” نتائجنا تظهر أن شراء المخدرات من شخص معروف وموثوق لا يزال هو الطريقة المفضلة لمعظم متعاطي المخدرات لكن استخدام التطبيقات سيواصل النمو في هذا السوق خصوصا بين الشباب”.
وتابعت أنه وسط شعبية التطبيقات الاجتماعية وقدرتها على إتاحة الوصول إلى سوق المخدرات الواسعة “يبدو أن توعية الأشخاص بالمخاطر المحتملة لشراء مواد غير معروفة من الغرباء على منصات التواصل الاجتماعي باتت أمرا مهما وعاجلا”.
في موازاة ذلك حذرت الأمم المتحدة من أن وسائل التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل المشفرة من شأنها المساهمة في زيادة ترويج المواد المخدرة.
وجاء في تقرير “المخدرات العالمي 2022” الذي يصدره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن “الأبحاث تظهر زيادة ملحوظة في الأشخاص الذين أبلغوا عن شراء المخدرات على الإنترنت المظلم خلال الفترة من يناير 2014 إلى يناير 2021 تبعه خفض حتى يناير 2022 غالبا بسبب تفكيك السلطات أسواق الشبكة المظلمة لكن المنصات البديلة كوسائل التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل المشفرة ربما كان لها دور في ذلك”.
كما أعلنت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات (وهي منظمة مستقلة تدعمها الأمم المتحدة) في تقريرها السنوي الأخير عن وجود “أدلة متزايدة” على الصلة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتعاطي المخدرات.
وشددت الهيئة -التي تتخذ من فيينا مقرا لها- على ضرورة إدارة المنصات الاجتماعية وتنظيمها ذاتيا والحد من الإعلانات التي تروج لاستخدامات العقاقير غير الطبية.
وطالبت الهيئة الدولية حكومات العالم ببذل مزيد من الجهد لتنظيم منصات التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الإعلام الرقمي التي تستغلها عصابات ترويج المخدرات في “إضفاء رونق” على السلوكيات السلبية المتعلقة بالمخدرات وزيادة بيع المواد الممنوعة.
وحذرت بشدة من أن مروجي المخدرات لا يكتفون باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي فقط بل إنهم باتوا يستغلون الأدوات المالية الرقمية مثل منصات الدفع بالهواتف المحمولة والعملات الرقمية وخدمات المحافظ الإلكترونية وغيرها من وسائل التكنولوجيا المالية فأصبح تحويل الأموال دوليا أسرع وأسهل علاوة على إمكانية حجب هويات عمليات الاتجار بالمخدرات والمستخدمين مما أوجد سبلا جديدة للتدفقات المالية غير المشروعة.
وعلقت رئيسة الهيئة الدولية جاغجيت بافاديا على ذلك بالقول إن “التدفقات المالية غير المشروعة جديرة باهتمام وتدقيق خاصين لأن الاتجار بالمخدرات نشاط مربح جدا لجماعات الجريمة المنظمة ولأن هذه الجماعات تعتمد على التدفقات المالية غير المشروعة لتوسيع أنشطتها الإجرامية ودعم استمراره”.
وفي أحدث نشراتها شددت الإدارة الفيدرالية لمكافحة المخدرات بالولايات المتحدة على وجود “علاقة مباشرة” بين مبيعات المخدرات على وسائل التواصل الاجتماعي والوفيات بسبب الجرعات الزائدة من المخدرات مؤكدة أيضا أن مروجي المخدرات يستغلون سهولة نظم التحويلات المالية لتوسيع نطاق نشاطهم واستهداف أسواق جديدة وعملاء جدد.
وأوضحت أن المشترين المحتملين للمخدرات يتواصلون مع البائعين عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي ردا على إعلاناتهم التي تبث إما من خلال الرسائل المباشرة إلى هواتفهم أو التعليقات على منشور ما وبمجرد الرد يتحول التواصل إلى تطبيقات الرسائل المشفرة مثل واتساب وسيغنال وتلغرام لتنظيم صفقة البيع ثم يطلبون الدفع عبر تطبيقات الدفع الالكترونية.
وأشارت إلى أن المخدرات لم تعد محصورة في أركان الشوارع أو حتى في غرف الإنترنت المظلم بل أصبحت شبكات المخدرات الإجرامية الآن في كل منزل ومدرسة في أمريكا بسبب التطبيقات الإلكترونية على هواتفنا الذكية”.