طالبان تحت المجهر الدولي
إيسايكو: طالبان تحت المجهر الدولي
الكويت (كونا): كما جرت العادة عليه خلال الفترة الماضية فقد شكلت افغانستان محور الاهتمام العالمي نظرا للأحداث المتسارعة التي شهدتها مؤخرا ونتج عنها سيطرة حركة (طالبان) على الحكم في البلاد في ظل استمرار إجلاء البعثات الأجنبية وبعض التطورات الأخرى.
في هذا التقرير سنتطرق الى أهم التطورات التي جرت داخل أفغانستان اليوم الخميس كما سنتابع ردود الأفعال من أبرز عواصم القرار.
ففي كابول أعلنت حركة (طالبان) قيام امارة افغانستان الاسلامية وذلك بعد مرور اربعة ايام من خضوع العاصمة كابول لسيطرة الحركة.
وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد في تدوينة له على موقع (تويتر) ان اعلان (طالبان) انشاء الامارة يأتي تزامنا مع مرور 102 عام على استقلال افغانستان.
وجاء هذا الاعلان بعد أن غادر الرئيس السابق أشرف غني افغانستان الأحد الماضي برفقة مساعديه بعد ساعات من دخول مسلحي حركة (طالبان) العاصمة كابول في خطوة عزاها في حينه إلى رغبته في “تجنب إراقة الدماء”.
وفي الولايات المتحدة وهي البلد المعني أكثر من غيره بالتطورات الأفغانية أعلن مدير الشؤون اللوجستية في هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال هانك تيلور عن إجلاء سبعة آلاف شخص من أفغانستان منذ بدء العمليات السبت الماضي مشيرا إلى أن نحو 5200 جندي أمريكي متواجدون حاليا في العاصمة كابول.
وقال تيلور في إيجاز صحفي بمقر وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) إنه “منذ بدء عمليات الإجلاء في 14 أغسطس (الجاري) نقلنا نحو سبعة آلاف شخص جرى إجلاؤهم جوا” مشيرا إلى أن هذه الزيادة تعكس ارتفاع قدرة الطائرات والجسر الجوي الأمريكي على إنجاز مهام الإجلاء.
وذكر أن عدد القوات الأمريكية الموجودة على الأرض في العاصمة الأفغانية كابول يتجاوز حاليا 5200 جندي وأن مطار كابول الدولي “لا يزال آمنا ومفتوحا”.
وأشار إلى أن القوات الأمريكية في كابول لم تواجه حتى الآن حوادث أمنية لكنه شدد على أن القوات تتمتع بسرعة الحركة والكفاءة العالية “للعمل في بيئة كهذه.. وهم مهيؤون لمواصلة المهمة والرد إذا لزم الأمر”.
وأضاف تيلور “نحافظ على يقظتنا ونجري باستمرار تقييمات متعمقة لحماية سلامة الأمريكيين”.
في السياق ذاته أكد المتحدث باسم (بنتاغون) جون كيربي خلال الإيجار الصحفي بالوزارة أنه لم تحدث أي اشتباكات “حتى الآن” لمسلحي حركة (طالبان) مع القوات الأمريكية أو المواطنين الأمريكيين الذين يعبرون بوابات مطار كابول.
لكن المتحدث أفاد في الوقت نفسه بوجود تقارير عن قيام (طالبان) “بمضايقة بعض الأفغان الذين كانوا يحاولون الانتقال إلى المطار”.
وشدد كيربي على أن القوات الأمريكية تركز حاليا على إجلاء أكبر عدد ممكن بحلول الموعد النهائي لانسحابها في 31 أغسطس الجاري لكنه استدرك بالقول إنه في حالة صدور قرار بتغيير موعد الانسحاب “فهذا سيستدعي محادثات إضافية مع (طالبان)”.
وتابع كيربي أن المحادثات مع (طالبان) “مستمرة” لضمان تمكن الأمريكيين والأفغان “المعرضين للخطر” من الوصول إلى المطار وإجلائهم.
في موازاة ذلك اجتمع الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس بفريق الأمن القومي لمناقشة المستجدات في أفغانستان وعمليات الإجلاء في مطار كابول.
وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن فريق الأمن القومي أبلغ الرئيس ونائبته أن (بنتاغون) أجلت 12 ألف شخص من أفغانستان منذ نهاية يوليو الماضي.
كما ناقش الاجتماع مراقبة التهديدات “الإرهابية” المحتملة في أفغانستان ومن بينها تهديدات تنظيم (ولاية خراسان) المتواجد في أفغانستان وباكستان ويتبع ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وفي وقت لاحق أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أن ستة آلاف شخص قد أتموا إجراءات المغادرة من مطار كابول الدولي الذي يتوقع أن تقلع منه 20 رحلة هذه الليلة.
وقال برايس للصحفيين “نحن على علم بالازدحام حول المطار ونعمل بشكل وثيق مع وزارة الدفاع (بنتاغون) لتسهيل الوصول الآمن والمنظم للإجراءات القنصلية في مجمع المطار”.
وأشار إلى أن الأولوية في الصعود للطائرات هي للمواطنين الأمريكيين والمقيمين الشرعيين في الولايات المتحدة متوقعا أن تقلع من المطار 20 رحلة هذه الليلة.
في الأثناء أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والأمين العام لحلف شمالي الأطلسي (ناتو) ينس شتولتنبرغ خلال اتصال هاتفي على أهمية التنسيق المشترك للتخطيط لمسار (ناتو) بشأن الانخراط في أفغانستان.
وشدد الجانبان على أهمية الاجتماع الافتراضي لوزراء خارجية (ناتو) المقرر عقده غدا الجمعة لمناقشة التطورات في أفغانستان وجهود الحلف لضمان الإجلاء الآمن والمنظم لأفراد الحلفاء وشركائنا الأفغان وفقا لما ذكره المتحدث باسم الخارجية الأمريكية.
وفي باريس أعلنت فرنسا أنها لن تعترف بنظام حركة (طالبان) بعد سيطرتها على السلطة في أفغانستان كما رأت أن الحركة لا تتبع “نهجا معتدلا”.
وقال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الاوروبية كليمان بون في تصريح لمحطة (فرانس انفو) إن بلاده لن تعترف بنظام (طالبان) في كابول مشيرا كذلك الى عدم وجود أي اتصال سياسي مع الحركة.
وأكد أنه “لن يكون هناك أي تهاون أو مجاملة” مع طالبان مؤكدا “انه لا يوجد نهج معتدل لدى هذه الحركة”.
وأشار إلى ان أفغانستان تشهد الأسوأ الآن مبينا أن “الوضع سيكون أقل سوءا في حال شاركت أطياف سياسية أخرى في حكومة أشمل”.
وفي نيويورك عقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس مؤتمرا صحافيا أكد خلاله أن المنظمة الدولية تتابع الأوضاع في أفغانستان معربا عن الأمل بالتوصل إلى طريقة لإيجاد حكومة شاملة هناك.
وحول تواصله مع حركة (طالبان) قال غوتيريس “لم أتحدث بنفسي لكن بعثتنا في أفغانستان على اتصال وثيق مع حركة (طالبان) وتنقل رسائلنا إليهم وأنا مستعد للتحدث بنفسي عندما يكون واضحا مع من يجب أن أتحدث ولأي غرض وكنت على اتصال خلال اليومين الماضيين مع نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية في قطر” الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.
وعن إدارة مطار العاصمة كابول بعد انسحاب القوات الأمريكية أوضح أنه لم يتم الطلب من الأمم المتحدة القيام بإدارة المطار “وأعتقد أن الوضع الحالي مبهم للغاية ونحن بحاجة إلى توخي الحذر في التقدم بأي اقتراح ليس لدينا القدرة على تنفيذه”.
وأضاف غوتيريس أنه “من المهم ضمان السلامة الفعالة في المطار وأن يتم العثور على طريقة للانتقال إلى الوضع الطبيعي في المستقبل ولكن هذا جزء من الحزمة الكاملة من المناقشات التي يجب أن تتم بالضرورة بين المجتمع الدولي وحركة (طالبان)”.
وتابع “لا أعتقد أن الأمم المتحدة لديها القدرة على إدارة المطار ويمكننا أن نتعاون بالطبع مع جميع الأطراف إذا اعتبر وجودنا مفيدا لكن الاعتقاد أن الأمم المتحدة يمكنها إدارة المطار في الظروف الحالية ومعرفة ما طبيعة وجودنا على الأرض فإن هذا اعتقاد غير واقعي”.
وفيما يتعلق بتوسيع جهود الأمم المتحدة في أفغانستان أفاد غوتيريس بأنه “لدينا ولاية يتعين مراجعتها ومن الواضح أن هذه العملية تعتمد على نوع الوضع الذي سيتوفر لدينا وأنا طلبت من مجلس الأمن أنه من المهم جدا أن يتحد المجتمع الدولي وجميع أعضاء المجلس”.
وأشار إلى أن “حركة طالبان لديها النفوذ الوحيد الموجود على الأرض ومن مصلحتها الحصول على الشرعية من أجل الاعتراف الدولي ولكي يصبح ذلك ممكنا أعتقد أنه من المهم أن يتحدث المجتمع الدولي بصوت واحد أو ينظر أو يوضح أنه من الضروري وجود حكومة شاملة تمثل مختلف المجموعات العرقية الموجودة في البلاد”.
وشدد غوتيريس على أهمية أن يكون هناك احترام كامل لحقوق الإنسان في أفغانستان ولا سيما مسألة حقوق المرأة وهو “أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلينا”.
ولفت إلى أنه ستكون هناك إمكانية لإجلاء الأشخاص المعرضين للخطر دون مشكلات حتى يتمكنوا من المغادرة مشددا على أنه “يجب ألا تستخدم المنطقة مرة أخرى أبدا من قبل أي منظمة إرهابية أينما كانت منطقة العمل”.
ونوه الأمين العام إلى “أهمية أن يتحد المجتمع الدولي وأن تكون له جبهة مشتركة في النقاش مع حركة (طالبان) من أجل تحقيق هذه الشروط وإذا نجحنا في ذلك أعتقد أن هناك منظورا لتجديد ولاية الأمم المتحدة في أفغانستان بنوع واحد من الخصائص وإذا ساءت الأمور بالطبع سيتعين علينا النظر في ولاية تتكيف مع كل ما سيأتي”. من جهتهم دعا وزراء خارجية مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (جي 7) عقب اجتماع عن بعد ترأسه وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب حركة (طالبان) إلى الالتزام بحماية المدنيين والأقليات وحقوق الإنسان في أفغانستان لا سيما حقوق المرأة إلى جانب الاستمرار في التعاون في إجلاء الرعايا عبر مطار (كابول).
وأكد وزراء خارجية الدول السبع في بيان صحفي على ضرورة وقف جميع أشكال العنف في أفغانستان والتزام الحركة بالشمولية في المفاوضات السياسية الجارية لتحديد مستقبل البلاد.
كما شددوا على ضرورة التزام جميع الأطراف الأفغانية باحترام القانون الإنساني الدولي لا سيما فيما يتعلق بموظفي الإغاثة الدوليين مشيرين إلى أهمية ألا تتحول أفغانستان مرة أخرى إلى “مركز للإرهاب الذي يهدد الأمن العالمي”.
ودعا وزراء الخارجية المجتمع الدولي إلى المشاركة في جهود منع حدوث أزمة إنسانية في أفغانستان من خلال مضاعفة المساعدات الإنسانية ودعم المبادرات السياسية بين الشركاء الدوليين والفاعلين الإقليميين.
وفي تطور متصل اتفقت روسيا وفرنسا على العمل المشترك من خلال مجلس الأمن الدولي ومجموعة العشرين (جي 20) من أجل تحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان.