دور الوالدين في تعزيز الموهبة … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين
إيسايكو: دور الوالدين في تعزيز الموهبة … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين
كان الطفل برفقة والديه في مكة المكرمة حيث اسراب الحمام الجميل هناك اكثر من رائعة وسأل الطفل اباه: لماذا تهرب هذه الطيور حين أقترب منها؟ اريد ان امس واحدة وآخذها اضعها في قفص .. ابتسمت الام والاب وقال الاب: سأشتري لك بعض الحبوب تضعها في كفّك وترمي بعضها حولك، وتجلس بهدوء وستأتي إليك لتأكل ثم ترحل.. لا يجب ان تمسك بها بل اتركها تأكل من يدك وترحل في حرية وهذه اللحظات يا حبيبي تكفي لأن يتكون شعوراً رائعاً في داخلك..
فقال الطفل ببراءة : ولكنني أريد أن تكون هذه الطيور ملكي أنا..
فأجابه الاب بابتسامة: راقب الطيور حين تحلق بعيداً.. ستكتشف أن الجمال احيانا يكمن في ما لا نستطيع الإمساك به .. !
الجمال في أن لا تخنق أحد بمحبتك .. والحب يا ولدي لا يعني التملك والاستعباد والسيطرة بل هو ان تحافظ على حرية الآخرين وحرام عليك يا ولدي ان تحرم صغار الطير من ابوهم .. هل تحب أن يأخذنا انا وامك منك ويضعنا في سجن ؟؟
ابتسم الطفل وفهم الرسالة وحضن والده واشترى له طعام للحمام واستمتع بمشهد جميل في إطعام الطيور
نفس المشهد بذات السؤال تكرر في مكة مع أب آخر وطفل بريء آخر فشتمه الاب بأفظع الشتائم وضربه على وجهه ورقبته لأنه يريد ان يمسك الطيور وهذا في نظر هذا الأب يدل ان ولده عديم التربية وشتم امه لأنها فاشلة في التربية وتصادما امام الطفل في مكان مقدس وبدلا من ان يستمتعوا بالطاعة وقدسية المكان انشغلوا بالصراخ والجدال ..
هذه مشاهد تربوية تحصل في حياتنا وبيوتنا يوميا ونحن فقط المسؤولون عن النتائج التي يصل لها اولادنا في حياتهم ودراستهم لأننا ننسى ان واجبنا هو التربية بالحب والحكمة والحنان وهذه اسس اسلامية في التربية في الأصل لكن كثير من الناس مسلمين بالهوية فقط ولا يطبقوا أي مبدأ من المنهج التربوي الاسلامي الجميل الذي علمه لنا رسولنا محمد ﷺ في التعامل مع الاطفال والشباب .. إن الإسلام يتضمن نظام تربوي إنساني متكامل يغطي جميع العلاقات الإنسانية وكيفية التواصل الإيجابي بين الأفراد، وإن الاسلام يوجّه العلاقة بين الوالدين معاً وأبنائهم منذ الطفولة على شكل مراحل وذلك لأن الإسلام يزخر بالتعاليم والقيم التي توضح كيفية التعامل مع الأبناء، وتوضح أسس تربيتهم وأهمية مساعدتهم في بناء شخصية سليمة قيادية يمكنها العيش في إطار المجتمع واحترام القوانين وتقديس مكانة العلم والمعرفة بشكل مبسط ومقنع للطفل حتى يتلقى الطفل التربية بشكل صحيح يؤدي الى نمو شخصيته وتنمية ذكائه، وهذه الامور هي جوهر تطوير الموهبة ولقد كتبت مقالا بعنوان (كيف نطور الموهبة في اطفالنا؟) وهذا المقال مكمل له وأرجو ملاحظة انني أتكلم عن الدور (المزدوج) للوالدين في التنشئة وتنمية الموهبة اذ لا يمكن للطفل ان يكون مبدعا في ظل المشاكل العائلية وانفصال الوالدين وهذا الامر سأتكلم عنه بالتفصيل على شكل نقاط حتى يكون من السهل فهمها وتطبيقها والمطلوب من الوالدين معاً في تربية الاولاد وتطوير مواهبهم ان يتبعوا الخطوات التالية :
1 – ملاحظة سلوك الطفل وميوله ، واكتشاف موهبته وعدم توجيهه بالقوة إلى نشاط معين بل تركه يختار ما يميل هو له
و إتاحة الفرصة للطفل باختيار الأصدقاء والأماكن والأنشطة التي يحبها ثم تلبية حاجاته المعرفية والعقلية لتطوير
موهبته وذلك وفقا لتخطيط مدروس ومراقبة مدى التطور والتفاعل عند الطفل الموهوب
2 – الحرص على توفير احتياجات الطفل المادية مهما كان الوضع الاقتصادي صعب اذ انه لا يمكن للطفل ان يكون موهوبا ومبدعا في ظل الحرمان والجوع والفقر لكن يجب ان نفصل بين تلبية الاحتياجات وبين الدلال الزائد
3 – تشجيع الطفل على التفكير ومكافأته على الافكار المميزة والسلوك الابداعي.
4 – إقناع الطفل بأنه قادر على حل ومواجهة المشاكل التي تعترضه لوحده والسماح له بخوض التجربة لوحده .. ثم بعد ذلك مساعدة الوالدين له اذا لم يتمكن من اتمام الحل.
5 – تعليم الطفل ان يتقبل الاختلاف واحترام وجهات النظر المختلفة حتى لا يكون أنانيا لان الأنانية تدمر الموهبة.
6 – سرد القصص التاريخية والدينية البطولية في جلسات حرة فردية، او جماعية ثم مناقشتها للاستفادة
7 – تعليم الطفل حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية وشرحها له وهذا الأمر مفيد للذاكرة ورفع مستوى الوعي وزيادة رصيد الطفل اللغوي وكل ذلك يعزز نمو الموهبة عند الطفل لأنه كالمغناطيس القوي يلتقط كل المعلومات.
8 – تعليم الطفل كلمات من لغات اجنبية وذلك لتنمية الثروة اللغوية لدى الطفل وتعزيز ثقته بنفسه وقدراته وتنشيط جانبي المخ وبالتالي تطوير الموهبة عنده.
9 – تعويد الطفل على التأمل في خلق الله وإخباره بأنها من صنع الله والإكثار من ذكر أسماء الله وصفاته وشرحها
مع الاعتدال في التربية الدينية وعدم تحميل الطفل فوق استطاعته، لأن الإسلام دين الاعتدال والوسطية.
10 – عدم حرمان الطفل من اللعب بل يجب ان يتعلم في ظل اللعب بشكل بسيط وفيه تسلية فاللعب يغذي التفكير الإبداعي لدى الطفل حتى تتعزز موهبته فاللعب اصبح في اليابان مثلا جزءاً لا يتجزأ من المناهج الدراسية
11 – توفير مكتبة سمعية وبصرية وورقية و(حسية) تحتوي على كتب وصور وفيديوهات ومجسمات في مجالات متنوعة تعزز خبرة ووعي الطفل في الحياة والعلم عموما
12- توفير ألعاب ذهنية تساعد في تطور مهارات التفكير لدى الطفل وتحفز سرعة البديهة لديه، وتقوي ذاكرته وهذه الألعاب متوفرة على شكل مجسمات ومكعبات تعتمد على استعمال الخيال والإبداع لعمل أشكال هندسية مركبة
13 – توفير أدوات الرسم بجميع تقنياته المائي، والزيتي، والفحمي وتوفير مقص وكرتون ولاصق بحيث يرسم الطفل ويصنع ما يريده وما يراه في خياله لأن تحقيق الخيال اصل في تطوير الابداع والموهبة.
14 – مساعدة الطفل على التكيف والتواصل الاجتماعي مع الآخرين ومنع او تخفيف الانترنت حتى لا يصاب الطفل بالتوحد والانعزال عن البيئة الاجتماعية لأن التواصل الواقعي مهم جدا لتنمية مهارات الطفل وتطوير ذكائه وموهبته.
15 – الاستماع الجيد لمخاوف وشكاوى وقلق الطفل والتعامل معه بحنان واهتمام ومساعدته على تجاوز مشاكله خصوصا لو كانت بنت لأن الخوف والقلق يؤديان الى اعدام الموهبة.
16 -. تعزيز ثقة الطفل بنفسه من خلال استشارته و منحه هامش من الحرية في اتخاذ القرارات ومن خلال الاتفاق الكامل بين الوالدين في كل امور وتفاصيل الحياة لأن الاختلاف التناقض بين الوالدين يدمر الاطفال والاسرة.
17 – معاملة الطفل بعقلانية وتوازن والبعد عن السخرية وأيضا عدم المبالغة الزائدة في مدح كل تصرفات الطفل حتى لا يشعر بالغرور والتكبر ويصبح متعاليا بدلا من ان يكون موهوبا
18 – البعد عن استخدام العنف في العقاب حتي لا يتم التأثير على نفسية الطفل .. مع مراعاة ان يلتزم بالواجبات الدينية وأن يحترم القانون والعادات والتقاليد السائدة وأن يعلم ان هناك عقوبات صارمة قد تصيبه اذا خالف متعمدا( تهديد مبطن)
19 – تعزيز العمل الجماعي المشترك وروح الفريق داخل الأسرة وهنا يجب ان يكون الوالدين قدوة لأولادهما في التعاون وعدم وجود المشاكل الاسرية وهذا الجو الاجتماعي السليم يؤدي الى الاستقرار النفسي للطفل وبالتالي تطوير الذكاء والابداع والموهبة.
20 – البعد عن المفاضلة والتمييز بين الأبناء و تقبل أوجه القصور في كل طفل ومراعاة الفروق الفردية بينهم
كانت هذه نقاط مهمة وهناك نقاط اخرى لكن نكتفي بهذا القدر
ان أخطر ما يمكن ان يؤذي الطفل هو مشاعر اللامبالاة التي يبديها والديه تجاه موهبته وعبقريته ، مهما كانت مشاغل ومشاكل الحياة ، يجب ان يعطي الوالدين أنفسهم فرصة للتعرف على ابنائهم وعدم اهمالهم في ظل وجود الهواتف الحديثة كما ان هناك خطورة اخرى عند بعض الآباء والامهات هي نقيض اللامبالاة تتمثل في المبالغة في الاحتفاء بذكاء اطفالهم ويدفعونهم دفعا نحو ممارسة بعض المسائل العقلية للتباهي بهم امام الآخرين مما يتعب عقلية الطفل ويفسد عليه نموه الطبيعي لأنهم لا يعرفون أن نـمو الطفل الاجتماعي والعاطفي قد لا يكون على مستوى نـموه العقلي ، ويجب ان يعلموا ان النـمو المتكامل في الطفل الموهوب هو سبيله إلى الإبداع والعبقرية
ومن أخطر المشكلات التي تواجه الموهوب ، استهانة معلمه به ومعاملته دون اهتمام واحيانا احتقاره دون سبب ودون أن يحاول تحري مدى ذكاؤه واستثمار طاقاته العقلية ، وهذا يسبب للأطفال خيبة أمل وانطواء اكثر خصوصا ان كثير من الموهوبين عندهم ميل للسلبية والانطواء وعدم الرغبة في التعامل مع المجتمع لأن عقولهم مشغولة بعمليات عقلية لا يعلم عنها المحيطين بهم شيئا لذلك قد يبدو عليهم الخجل والتردد والارتباك وهنا يأتي دور الوالدين بالتكامل مع المعلمين والمعلمات ومتابعة اطفالهم بشكل دوري حتى يضمنوا الاهتمام بهم من طرف المدرسة وحتى يتحقق لدى الطفل التوافق النفسي والاجتماعي والعقلي ويشعر بالمتعة في وجوده في المدرسة وتتطور موهبته اكثر واكثر
ارجو من كل الاباء والامهات والمهتمين في مجال التربية ان يدققوا جيدا في قراءة المقال فهو خلاصة عملية تطبيقية لأبحاث ونظريات كثيرة يهمنا منها التطبيق العملي لتنمية الموهبة لدة الاطفال والتي يبدأها الوالدين منذ اليوم الاول للولادة ويستمر دورهما بالتكامل مع الحضانة والروضة والمدرسة والبيئة والمجتمع كله بهدف تطوير موهبة الاطفال او على الاقل الحفاظ على مستوى عالي من الذكاء عسى ان يخرج من بيننا علماء يعيدوا لهذه الأمة مجدها
لأن التخلف الدراسي والتأخر العلمي في واقعنا ليس الا نتيجة حتمية لإهمال الوالدين من الاساس في تربية الطفل.
الدكتور أحمد لطفي شاهين