تحديات أبرزت غنى اللغة العربية في الفضاء الافتراضي
إيسايكو: تحديات أبرزت غنى اللغة العربية في الفضاء الافتراضي
الكويت (كونا): ابتعدت كثير من المنصات الرقمية في الفضاء الافتراضي العربي عن استخدام اللغة العربية في صياغة المحتوى المنشور سواء المقروء والمرئي والمسموع واستبدلتها بلهجات محلية تبدو ركيكة وغير مفهومة لدى معظم المتابعين في أنحاء الوطن العربي.
وتعتبر العربية من أكثر لغات العالم مرونة وثراء وغنى في المعاني والمصطلحات وهي قادرة على مواكبة واحتواء التطور السريع في الإعلام الرقمي الذي بات يزاحم الإعلام التقليدي في كثير من دول العالم بل أقصاه في أغلب الأحيان معلنا تحولا مفصليا في صناعة الإعلام والصحافة العالمية.
ويرى كثير من المتخصصين والمهتمين باللغة والثقافات المحلية أن التحول الرقمي والثورة التكنولوجية الحاصلة اليوم في العالم بمنزلة خطر على الشعوب غير المستعدة له من خلال برامج جادة تهدف إلى المحافظة على هويتها ولغتها في محيط كبير متلاطم الأمواج الحاملة لثقافات كثيرة ومختلفة تهدد الثقافة المحلية بالذوبان والانصهار.
وقال رئيس تحرير (مجلة العربي) إبراهيم المليفي لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الثلاثاء إن الكويت ليست بمعزل عن الوطن العربي لناحية ضعف الإقبال على القراءة مما انعكس على ضعف اللغة العربية واستخدامها في وسائل الإعلام المختلفة سواء التقليدي منها أو الرقمي.
وأضاف المليفي أن التحول الرقمي الذي شمل شتى مناحي حياة الناس والأفراد في العالم بات تحديا جديا يحتم على الدول شعوبا وحكومات العمل على “تكييفه وغربلته” من خلال أدوات فاعلة وملموسة للحد من خطورته على هوية وثقافات الشعوب المحلية مشيرا إلى إشراك المنظومة التعليمية في صياغة إطار واضح للمحافظة على الهوية واللغة بما يستوعب التطور التكنولوجي.
وأوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي جذبت الكثير من المهتمين باللغة العربية لسهولة استخدامها والوصول إليها إضافة إلى سرعة انتشارها من خلال صناعة محتوى يهتم باللغة وتراثها وتاريخها.
وبين المليفي أن اللغة العربية غنية وثرية ومرنة بالدرجة الكافية على التكييف والملاءمة مع أي وسيلة أو خطاب إعلامي كان علاوة على قدرتها على الوصول إلى الناس دون النفور منها مضيفا أن الدستور الكويتي ينص على أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد والمستخدمة في المراسلات.
وذكر أن مؤسسات ودور النشر العربية تستطيع بطرق ذكية ومدروسة إيصال رسائلها باستخدام اللغة العربية والحث عليها من خلال صناعة محتوى (فيلم مثلا) بمدد قصيرة لا تتجاوز الدقيقة مع المحافظة على الاستمرارية وعدم التوقف في النشر.
ولفت إلى أن وسائل الإعلام الرسمية ودور النشر والمطبوعات التقليدية بدأت في التحول الرقمي من خلال إطلاق منصات رقمية لها في وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة حضورها في الفضاء الافتراضي للوصول إلى شرائحهاالمستهدفة دون الإخلال بخطابها ورسالتها الإعلامية.
وبين أن مسؤولية تبسيط اللغة العربية وجعلها سهلة الاستخدام تلائم جميع الفئات العمرية والمستويات العلمية تقع على عاتق من يكتب الرسالة الإعلامية معربا عن القلق إزاء الأجيال القادمة وقوة دخول التكنولوجيا الرقمية في جميع مناحي حياتهم اليومية.
وأشار المليفي إلى أن مسؤولية ضعف استخدام اللغة العربية في كثير من مناحي حياة الأفراد تقع على عاتق المؤسسة التعليمية بالدرجة الأولى إضافة إلى الأسرة ومدى اهتمام الأبوين بالقراءة والتشجيع عليها وغرس حبها وتعلم جمالياتها في نفوس الأبناء منذ مرحلة التأسيس.
واعتبر أن تهميش اللغة العربية يعتبر تهميشا لهويتنا العربية فهي مكون أساسي من مكونات الحضارة العربية والإسلامية ولا توجد حضارة على مر التاريخ من دون لغة وهوية وهي أداة التواصل الإنساني مع الشعوب والحضارات الأخرى.
من جانبه قال رئيس مجلس إدارة اتحاد الإعلام الإلكتروني فيصل الصواغ ل(كونا) إن حضور اللغة العربية عبر وسائل الإعلام الرقمي لا يرقى إلى المستوى الذي يعبر عن مكانتها مبينا أن الاستخدام المفرط لمفردات أجنبية “في محاولة لإبراز الثقافة” أصبح سمة مميزة لبعض المنصات الرقمية.
ونبه الصواغ إلى أن لجوء بعض المنصات الرقمية إلى استخدام مفردات عامية في محاولة للتقرب من المتلقي وإيصال المعنى بسهولة هي ممارسة خاطئة مشيرا إلى أن اللغة العربية غنية وقادرة على مواكبة التطور وإيصال المضمون بسهولة.
وأوضح أن استخدام مفردات عربية فصيحة دارجة ومألوفة لدى القارئ والمستمع أفضل من استخدام كلمات عامية أو أجنبية تؤدي إلى احلالها مع مرور الوقت مما سيضر باللغة العربية ويؤدي لإضعافها.
ودعا القائمين على صناعة المحتوى في المنصات الإعلامية والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي إلى دعم اللغة العربية الذي يسهم مباشرة في تمكينها واستخدامها بشكل أساسي في صناعة محتوى قيم.
وأكد ضرورة رعاية اللغة العربية وجعلها جزءا أساسيا من الخطاب الإعلامي وإبراز مواطن الجمال فيها مشيرا إلى أن اتحاد الإعلام الالكتروني لديه خطط وبرامج تهدف إلى الحفاظ على اللغة العربية في محتوى الإعلام الرقمي الكويتي.
بدوره قال أستاذ الاتصال الاستراتيجي والعلاقات العامة في جامعة الكويت الدكتور حسين إبراهيم ل(كونا) إن العربية هي لغة ملائمة لكل وسيلة في أي زمان ومكان وسميت بالعربية لقدرتها على الإعراب وهذا ما يميزها عن بقية لغات العالم.
وأضاف إبراهيم أن الاهتمام باللغة العربية يعود إلى جودة التعليم في المراحل التأسيسية “لأنه عندما يبلغ الإنسان مرحلة عمرية متقدمة لن يتأقلم مع لغة لم يستخدمها” مشيرا إلى أن استخدام الإعلام الرسمي للعربية بشكل مكثف يجعلها مألوفة على مسامع المتلقي.
وبين أن معظم المحتوى المنشور في الإعلام الرقمي يتسم بالضعف من الناحية اللغوية موضحا أن هذا عائد إلى القصور من المتخصصين في اللغة وعدم خوضهم مجال العالم الافتراضي ودعم المحتوى اللغوي والثقافي فيه.
وأوضح أن من أهم أسباب تراجع اللغة العربية مما سبق يعود إلى عدم اعتماد العلوم الطبيعية والإنسانية على النشر في المجلات العلمية المحكمة باللغة العربية مستخدمين اللغة الإنجليزية معتبرا “أن المحافظة على اللغة واجب وطني وديني”.
من ناحيته قال الأديب والباحث السياسي الكويتي محمد البغيلي ل(كونا) إنه بالنظر إلى مشاركة عدد كبير من المثقفين والأكاديميين والأدباء ومختلف النخب في المجتمع الافتراضي يجعل حضور اللغة العربية أمرا حتميا وطاغيا على العامية.
وأضاف البغيلي أن تقنيات البرمجيات التواصلية وفرت كل ما يلزم لكتابة لغة عربية صحيحة نحويا وإملائيا إضافة إلى توفر التصويب التلقائي وحركات التشكيل وعلامات الترقيم التي تساعد على الفهم العام.
وشدد على ضرورة الالتزام بخطاب سياسي وثقافي واجتماعي لا يخرج عن إطار قواعد اللغة وتحقيق ما يستوجب هذاالمطلب من خلال تدريب الكوادر الإعلامية على القراءة الصحيحة والكتابة الخالية من الأخطاء.
وأوضح أن رهبة اللغة العربية لا تزال موجودة عند فئة الشباب مما يدفعهم إلى الكتابة بمفردات عامية خشية الوقوع في الأخطاء اللغوية حتى بين حملة الشهادات العليا مما يمثل حاجزا يمنعهم من المشاركة في عالم التواصل الاجتماعي باللغة الفصيحة.
وأعرب عن الأسف للجوء المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي إلى استخدام ” لغة الصورة على حساب الخطاب اللفظي” إضافة إلى اتجاه الجهات المعلنة في الإعلام الرقمي إلى استخدام مفردات عامية للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المتابعين.
وبين أن اللغة العربية لم تمت رغم الثورة التكنولوجية المتقدمة التي حصلت في العقدين الماضيين معتبرا أنها أعطت اللغة زخما أكبر مقابل تراجع اللهجات المحلية التي لم تجد أي منفذ لها في عالم البرمجيات الحاسوبية.