اقتلوا من قتل الكلب … بقلم الدكتور أحمد الحسيني
إيسايكو: اقتلوا من قتل الكلب … بقلم الدكتور أحمد الحسيني
اقتلوا من قتل الكلب
بمناسبة الحديث عن محاربة الفساد وتطهير الدولة من الفاسدين وسراق المال العام قرأت قصة لأعرابي في مضمونها حكمة تحاكي واقعنا اليوم. «يحكى أن رجلا حكيما أعرابيا يعيش مع أولاده، وبناته لهم إبل وغنم يرعونها، ولهم كلب يحمي الغنم من الذئاب، وفي يوم من الأيام جاء أحد سفهاء الحي وقتل كلب الحراسة، فذهب الأبناء الى أبيهم، وقالوا له ان فلانا قتل كلبنا، فقال اذهبوا واقتلوا من قتل الكلب، فجلس أبناؤه يتشاورون، هل ينفذون أمر أبيهم بقتل قاتل كلبهم؟ فأجمعوا على أن هذا الفعل غير صائب فبدأوا يتساءلون فيما بينهم، كيف لنا أن نقتل انسانا، ونزهق روحه مقابل قتله لكلب فتمنعوا عن فعل ذلك.
وبعد مرور شهرين من حادثة قتل الكلب، أغار عليهم مجموعة من اللصوص وساقوا إبل الرجل وغنمه ففزع أبناؤه، وقالوا لأبيهم ان اللصوص سرقوا الابل والغنم، فسألهم والدهم، هل قتلتم من قتل الكلب، فأجابوا لا لم نفعل، وكيف لنا أن نقتل انسانا لقتله كلبا، فأمرهم بأن يقتلوا من قتل الكلب. فلم يستجيبوا لما أمرهم أبوهم، ولم يقتلوا ذلك القاتل بحجة أن قاتل الكلب ليس له علاقة بسرقة الابل.
وبعد فترة قصيرة هجمت عليهم عصابة وسرقت ما تبقى من أموالهم، فعادوا الى أبيهم مرة أخرى يشكون له الحال، وقالوا له سُرقنا واستُبيحت بيوتنا، فرد عليهم والدهم، هل قتلتم من قتل الكلب، فكانت الاجابة لا ، فقال لهم، اقتلوا من قتل الكلب، فجلس الأولاد يفكرون في أمر أبيهم، لماذا هذا الاصرار على قتل من قتل الكلب؟ فقام ابنه الأكبر وقال سأطيع أبي ولنرَما سيكون، فامتشق سيفه وذهب الى قاتل كلبهم، وقال له أنت قتلت كلبنا وأمرني أبي بقتلك، وفصل رأسه عن جسده بسيفه فطارت أخبار قتلهم قاتل كلبهم، وطافت الآفاق فقال اللصوص ان كانوا قتلوا قاتل كلبهم، فكيف سيفعلون بنا، وقد سرقنا ابلهم وغنمهم، وفي عتمة الليل أعادوا الابل والأموال المسروقة لهم».
بيت القصيد في هذه القصة يمثل حالنا اليوم، وحديث الجميع عن محاربة سراق المال العام وضرورة القضاء عليهم واسترجاع الأموال المسروقة لخزينة الدولة، ولكن العبرة تكمن هنا في بعض التساؤلات التي تُبين مامدى جديتنا في محاربة الفساد وقتل من قتل الكلب لاسترجاع الأموال العامة؟ هل نحن جادون بتجفيف منابع الفساد التي تعاني منها بعض مؤسسات الدولة والانصياع لصوت الحكمة والقيادة العليا بتطبيق القانون على الكبير قبل الصغير قبل فوات الأوان؟
فمن المفارقات التي نعاني منها في هذا الموضوع أن عدد الجهات الرقابية التي تتابع الأداء الحكومي والرقابة المسبقة على الأموال العامة والاجراءات الادارية كثر الا أن ضعفاء النفوس مازالوا ينهجون سياسة «من صادها عشى عياله» وذلك ايمانا من الفاسد بعدم تطبيق القانون عليه، وأنه سيفلت من العقاب على فعلته التي افتعلها في الاستيلاء على المال العام أو التجاوز بالقرارات الادارية التي تكلف الدولة غرامات ومخالفات ترهق الميزانية العامة، فمحاربة الفساد التي ننشدها في هذا المقام لا بد أن تبدأ بإعادة النظر في الاجراءات التي تتخذها الجهات الرقابية بحيث تكون سريعة وأكثر مرونه وأن تتم محاسبة المسؤولين على كل التجاوزات سواء مالية أو ادارية، والذي لايقل أهمية عن سابقه حيث يعد القاعدة الأساسية للتجاوزات المالية. ولا تكتفي بتوجيه ملاحظة لا تغني ولا تسمن من جوع.
وحتى نجفف منابع تلك الفساد بشكل جاد لابد أن ننتهج نهج الرجل الحكيم الذي أمر أبناءه بقتل من قتل كلبهم من خلال محاكمة كل فاسد وسارق مال عام محاكمة علنية تعرض على وسائل الاعلام حتى يشاع بين الناس بأن الدولة جادة في محاربة الفساد والقضاء عليه، فعندما يجد من تسول له نفسه سرقة المال العام سيعيد حساباته ويتذكر أن رؤوساً كبيرة أسقطت بهذا السبب.
نقطة آخر السطر:
على الرغم من التشاؤم الذي يحيط بنا حول جدية الحكومة في محاربة الفساد، الا أننا وجدنا من القيادة العليا توجها جادا لمحاربة الفساد وتأسيس مرحلة جديدة لملاحقة الفاسدين وتجفيف منابعها، اذ يعد هذا النهج خطوات جادة لتغيير معادلة من «صادها عشى عياله»، وأن الفاسد سيعاقب دون النظر لمكانته الاجتماعية ولا قوته السياسية، فالمرحلة المقبلة تتطلب الجدية في محاربة الفساد والاعلان عن محاسبة كل فاسد بشكل علني حتى يشاع لدينا أن حرمة المال العام عقابها سيطول الكبير قبل الصغير، وأنه لن يتم غض الطرف عن الفساد سواء كان ذلك الفساد كبيرا أم صغيرا حتى لا يتجرأ أحد على المال العام واحترام حرمته.
الدكتور أحمد الحسيني