اسجنوا أُمي وأبي! بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين
إيسايكو: اسجنوا أُمي وأبي! بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين
نحن نعيش في زمن تغيرت فيه الأخلاق والقيم والعادات للأسوأ .. ولا يمكنني تحديد سبب واضح لهذا التغيير السلبي لكن يمكنني القول أن ما يحصل هو نتيجة تراكمات سلبية اجتماعياً وتربوياً وأخلاقياً لأسباب وعوامل كثيرة وسأذكر هنا موقف يكشف مدى الانهيار القيمي في مجتماعاتنا فقد كنت جالسا في مكتب محامي زميلي وجاء شاب برفقة طفله الصغير وكان يعيش في أمريكا وبريطانيا بعد حصوله على البكالوريوس وحاصل على درجة الدكتوراه
.. وجاء يسأل المحامي كيف ارفع قضية حجر على والدي ووالدتي حتى استطيع التصرف في البيت والأرض قبل وفاتهم لأنني عاجز عن التصرف بكامل حريتي ؟ وماهي المستندات والاوراق المطلوبة لرفع هذه القضية؟
سكت المحامي زميلي مستغرباً مذهولاً ونظر لي وفهم نظرتي وقال للشاب :الاجابة عند زميلي ..
نظرت في عيون الشاب وسألته
هل لك أخوة واخوات؟
فقال لا لا لا وحيد لا أخوة ولا اخوات
سألته ماهي وظيفتك طالما دكتوراه؟ فقال انا مستوى تعليمي راقي جداً و لا أحد هنا يعرف قيمتي ولذلك لا أقبل أن اعمل عند العرب …!! وأريد أن احجر على أبي وأمي وأضعهم في دار المسنين وأعود الى أمريكا بعد أن ابيع بيتنا وارضنا حتى ابدأ هناك مشروعي ، ولوسمحت لا تضيع وقتي واكتب لي قائمة بالمطلوب بسرعة .. اعطيته ورقة وقلم وقلت له اكتب انت ما يلي :-
قال انا اكتب؟
صرخت عليه وقلت له بصوت قوي : اكتب:-
1- صورة لوالدك وهو يركض بسرعة إلى المستشفى يوم ولادتك مع صورة أمك وهي تصرخ من اوجاع ميلادك ..
2- صورة لأمك وهي تنظف جسمك تحت البامبرز ثم صورة والدك وهو يحملك نظيفاً متعطراً في يوم ميلادك بكل حب وحنان .
3- صورة لوالدك وهو عائد من عمله مُتعباً من أجل أن يصنع مستقبل آمن لك فضلاً عن تأمين طعامك وشرابك ..
قاطعني الشاب بحدة ووقف وقال : ماذا تقول انت،؟ فأمسكته من كتفه واجلسته بعنف وقلت له إخرس ولا تقاطعني ودعني أكمل ..
جلس الشاب وقد قرأت الرعب في عينيه .. واكملت بصوت مرتفع وحاد ..
4- ابحث عن صورة لوالدك وهو يحملك ذات شتاء في منتصف الليل وفي عز البرد بسبب حرارتك المرتفعة ويسهر هو وأمك لليوم التالي يرتجفان برداً وخوفاً عليك.
5- صورة لامك وابوك بعد عودتهم بك إلى المنزل من المستشفى وهما يجلسان حول سريرك .. هي تتحايل عليك لتأكل.. وهو يضع يده علي جبهتك كل لحظة ليتأكّد من حرارتك
6- صورة لوالدك وهو عائد في عز الظهيرة مُحمَلاً بمستلزمات البيت ومتحمّلاً تعب وقهر العمل من أجل أن يؤمّن لك الّلقمة الحلال حتى تقف على قدميك وتصبح رجلاً يفتخر به أمام العالم ولتكون سنداً لوالديك عند تعبهما وضعفهما وليس لترفع عليهما قضية حجر .
7- صورة لأبوك وامك قبل العيد بشهر وهما ينظمان المصروف ويفكّران كيف يشتريان لك ملابس العيد اللائقة حتى لا تكون اقل من غيرك وصورة لك وأنت تحضن الملابس والألعاب وتنام بها ليلة العيد
8- صورة لأمك وهي تبكي عندما تأخرت ذات يوم في المدرسة وصورة لوالدك وهو يمسح دموعه الّتي اختلطت مع عَرقِه قبل أن يدخل الى المنزل خشية أن تلاحظ امك ذلك.
9- صورة لوالدك وهو يستدين المال من أجل أن يدفع رسوم دراستك الجامعية أو يشتري لك هاتفاً حديثا تتفاخر به وتتواصل به مع أصدقائك وأحبابك بينما والديك هم آخر من تفكّر ان تتواصل معهم.
10- صورة لأمك وهي تبكي عندما ودعتك لتدرس علم النفس بينما ابوك يتظاهر بالتماسك ويخفي وجع قلبه لغياب ابنه الوحيد وهو لا يعلم انك ستعود فاشلاً رغم حصولك على الدكتوراه
11- صورة لوالديك وهما يتناقشان مع اهل زوجتك حتى يخطبوها ثم صورة لأمك وهي تبيع مصاغها لأجلك وصورة لأبيك وهو يستدين ليفرح بك ويرى ابنك الصغير هذا الذي حتما سيطالب محامي بالحجر عليك عندما تكبر فالجزاء من جنس العمل وكما تدين تُدان..
ارجو ان تستوعب كلامي وتبحث عن هذه الصور جيداً واذا لم تجدها ارجو ان تتخيلها.. ثم اذا استمر موقفك تجاه والديك كما هو الآن فابحث عن محامي رخيص ليرفع لك القضية
انتهى كلامي .. وساد صمت في المكتب.. وتأملت طفله الصغير وابتسمت له وقلت له مازحاً : عاجبك كلام ابوك؟
ضحك الطفل البريء وفجأة وقف على الكرسي وضحك مرة أخرى … ثم بصق في وجه ابيه دون سبب!
الدكتور أحمد لطفي شاهين