الشخصية السوية … بقلم الدكتور مرزوق العنزي
إيسايكو: الشخصية السوية … بقلم الدكتور مرزوق العنزي
مع بالغ الأسى نعيش اليوم في عصر أصبحت فيه الشخصية السوية عملة نادرة جدا! كما أصبحت عرضة للسخرية والاستهزاء والاستغفال والاستغلال والاستضعاف الذي بدأ واضحا فيما بين الأفراد في العلاقات الزوجية والأسرية والدراسية والاجتماعية والمهنية! حتى قام بعض الأشرار ببخس الأخيار حقوقهم، والتعدّي والتنمّر عليهم، وفي المقابل تجدهم يحترمون من لا يحترمهم! ويخضعون له! وينذرون أنفسهم لخدمته، ويمنحونه ما لا يستحق اتّقاء شرّه وبطشه وتنمّره.
إن الشخص السوي يقف شامخا بوجه جميع الأشخاص غير الأسوياء، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: الشخصية المضادة للمجتمع (السيكوباتية) التي يخطّط صاحبها ضدّ الآخرين بلا إنسانيّة ويعتدي عليهم بلا رحمة بالهمز واللمز والقول والفعل ويستخدمهم كأدوات لتحقيق أهدافه المشبوهة، وكذلك الشخصية السادية التي يتلذذ صاحبها بتعذيب ضحاياه واستغلالهم لتحقيق شهواته وملذاته.
إن الشخصية السويّة تواجه وحيدة تلك الشخصيات الشرّيرة منطلقة من وازعها الديني وتربيتها ومبادئها وقيمها التي لا يفهمها من لا قيمة له، فالخصوم يواجهونها بكل ما يملكون من أسلحة شرعية وغير شرعية! فالشرّير يرى وجود الإنسان السوي في المجتمع تحدياً كبيراً له! ولذلك لا يقبل بوجوده أبدا، كما أنه يرى ثبات الإنسان السويّ على مبدأه هي بداية لنهاية دوره السلبي في المجتمع وبالتالي تجريده من أدواته ثم هلاكه، ومن هنا تتولّد مع الأشرار شراسة المواجهة! والفجور في الخصومة! لإرهاب المستضعفين، وإحكام قبضتهم على دائرتهم المحيطة! فإما أن يكون الجميع تبعا لهم؟ أو سيقضون عليهم! ويحرمون المجتمع من خيريّتهم!
وإن كانت هذه النظرة نتيجة لاستمرار الحرب الأزلية بين الخير والشر منذ عهد أبونا وسيدنا آدم عليه السلام حينما اقتتل أبناؤه قابيل وهابيل .. وحتى يومنا هذا، إلا أن هناك أغلبية مستضعفة صامتة لو أنهم وقفوا مع الحق واجتمعوا على الخير لرجّحوا كفّته، ولكن الأشرار تمكنوا من الوشاية فيما بينهم وتفرقتهم وتسخيرهم لخدمتهم! لاستدامة سيطرتهم!
إن قلوب الأغلبية مع الحق، يدعمونه بقلوبهم، ويتعاهدونه مع خاصتهم، ولكنهم يكتمونه في العلن خوفا من بطش الأشرار، ومن هنا تولّد لديهم السُّكون! فهم يرون الخنوع سلامة! اعتقادا منهم بأن الدفاع عن المبادى والقيم مصيره التنكيل والتشهير، وإن كانوا يعدّون موقفهم السلبي حياديّة! إلاّ أنّه في حقيقته نكوص تنقبض منه صدور الأسوياء، وتنطفئ به شعلة الأحرار.
إنّ الأسوياء يتمتّعون باستقرار نفسي ينتج عنه التصالح مع النّفس، والاتّزان في المواقف الضاغطة، والمرونة في معاملة الآخرين، واحترام إنسانيتهم بعيدا عن حظوظ النّفس والمصالح الشخصية، إنّهم يتميّزون بتوافق نواياهم مع أقوالهم وأفعالهم، ولذلك تجدهم يُضحّون بِالغالي والنّفيس انتصارا للحق، وبتواجدهم وتكاثرهم يتحقق استقرار المجتمع وسلامة الأسوياء والأشرار على حدّ سواء (لو كانوا يعلمون)، وهذا ما لا يستوعبه المضطربين المتزعزعين الذين يظهرون للناس خلاف ما يبطنون! المتسلحين بالكذب والافتراء والخداع، الذين لم يشعروا يوما بالإحساس بالمسؤولية الأخلاقية، ولم يعتادوا على العطاء غير المشروط، ونتيجة لتلك الانحرافات قد تبلورت لديهم فكرتهم الشيطانية: (إنّ وجود الأخيار يهلكنا، كما أنّ الحياة تتحقّق بهلاكهم! ومن هنا وجبت علينا التضحية بهم من أجل سلامتنا وضمان مصالحنا واستمرار حياتنا).
الدكتور مرزوق العنزي