أخبار عاجلةمقالات

العلاقة بين التعلم والوعي والحكمة … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين

إيسايكو: العلاقة بين التعلم والوعي والحكمة … بقلم الدكتور أحمد لطفي شاهين

هذا المقال كتبته إجابة على سؤال وجهه لي أحد الطلاب حيث كان مصاباً بالاحباط الشديد ويظن أن لا قيمة لكل ما يتعلم في ظل الواقع الحالي وان هناك الكثير من المتعلمين لكنهم حمقى وظالمين وان هناك من الناس من لا يملك مؤهلات ولكنه اكثر حكمة من آخر حاصل على دكتوراه … الكلام يحمل وجهة نظر واقعية نسبياً لكن الأصل باختصار ان يكون هناك تكامل بين التعلم والوعي وصولا لتحقيق الحكمة لأنه لا قيمة للعلم والمعرفة اذا لم يكن صاحبهما واعياً وحكيماً
حيث تكتمل حكمة الإنسان عندما يعترف بأن هناك من هو أكثر علما منه .. عندما يستطيع أن يشير بإصبعه إلى فلان ويقول هذا أفضل مني … وحين يجد في قلبه تواضعًا للتعلّم من الآخرين دون تذمُّر… ووقتها فقط يؤمن أن للحكمة عدة أوجه، أجملها رؤية الحكمة فيمن حوله..
وأن السعداء الحقيقين هم أولئك الذين تعلّموا كيف يعيشوا مع الأشياء البسيطة من حولهم و يقتنعوا بها بأحاسيس و مشاعر جميلة تجعلهم يبتسمون دائماً
مع ادراكنا أنه لا يوجد حياة خالية من المصاعب و العثرات.
لقد وردت كلمة الحكمة في القرآن الكريم 20 مرة وهي كلمة جامعة تحمل معاني كثيرة كلها إيجابية وهي هدف من أهداف الله تعالى من إرسال الأنبياء والرسل عبر التاريخ … وحتى نحقق الحكمة في حياتنا ونستفيد مما نتعلم في واقعنا فهناك عدة قواعد مهمة يجب علينا تطبيقها فورا :-
– لا تسمح لأحد أن يأخذ الأولوية المطلقة في حياتك عندما تكون أنت خياراً ثانوياً في حياته .. إن تحقيق الكرامة اول خطوة في طريق الحكمة

– لا تبكي على أي علاقة في الحياة لأن الذي تبكي من أجله لا يستحق دموعك والشخص الذي يستحق دموعك لن يدعك تبكي أبداً والا تكون احمق ولا يمكن أن تلتقي الحكمة مع الحماقة

– عامِل الجميع بأدب حتى لو كانوا وقحين معك، فلا تنزل انت إلى مستوياتهم بل ارتقي بألفاظك وسلوكك لأن قلبك نظيف وسيخجلون من أنفسهم ويتغير سلوكهم وهنا جوهر الحكمة

– لا تبحث عن سعادتك عند الآخرين وإلا ستجد نفسك وحيداً وحزيناً… بل ابحث عنها داخل نفسك وستشعر بالسعادة حتى لو بقيت وحيداً .. لأن الاكتفاء بالذات من أرقى درجات الحكمة
– السعادة تكون دائماً قليلة عندما نحتفظ بها لأنفسنا فقط
لكن عندما نتعلم كيف نشاركها مع الاخرين سندرك كم هي ممتعة وكبيرة وثمينة …!

– لا تبرر افعالك للآخرين ولا تدافع عن نفسك لان من يحبك لا يريد منك أعذارا بل سيبرر هو لك وسيعذرك ومن لا يحبك لن يصدق كلامك وسوف يخلق الذرائع ليصنع لك مشكلة ومن الحكمة ان تثق في نفسك وتترك امر الدفاع عنك لله جل جلاله
‌‌‌
‌‌‌‏- إن أحسنت للناس وقابلوا إحسانك بالنُكران فلا تندم على فِعل جميل قدّمته، مهما خابَت
ظنونك فيما بَعد، لانك تتعامل مع الله الكريم وأن تكون يدًا عُليا تمتَدّ بالعطاء خيرٌ من أن تكون
يدًا سُفلَى تتسول ، وإنّ ما تُقَدِّمهُ
من خيرٍ يعود إليك مُضاعفًا
بعد حين ولو طالَ الزمن
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌�‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌
– اسمع من الناس ولا تسمع عنهم لان كل مشاكل الحياة في تناقل الكلام والزيادة والنقصان فيه ولذلك لابد من الوعي والحكمة في هذا الجانب في التواصل الاجتماعي الواقعي واللفظي والتقني

– إن المعلم والمؤلف والصحفي والممثل … الذي لايرتقى بوعي الشعوب ولايحمل مبادئ وضمير الإنسانيه وهموم الناس ونصرة المظلومين وجوع الفقراء وأنين الأوطان لايصلح لان يقول عن نفسه إنسان ولا متعلم وبالتالي سيكون بعيداً عن الوعي والحكمة

– إن من أروع القصص التي تتعلق بالحكمة والتخطيط لحياة هادئة واعية أن المعلم سأل طلابه يوماً وقال : إذا كان معكم 86,400 دينار ، وسرق أحدهم منكم 10 دينار، هل ستلاحقونه وأنتم تحملون في يدكم 86,390 دينار، أم ستتركونه وتكملون طريقكم؟
‏جميع الطلبة أجابوا: بالطبع سنتركه ونحتفظ بالـ 86,390 دينار .
لكن المعلم قال: في الواقع كثير من الناس يفعلون العكس تماماً، وجميعهم يفقدون الـ 86,390 دينار مقابل الـ 10 دنانير.. !!
قالوا: هذا مستحيل..كيف ؟
فقال: الـ 86,400 هي في الحقيقة عدد الثواني في اليوم الواحد، ومقابل كلمة مزعجة يقولها لك أحدهم، أو موقف يغضبك في 10 ثوانٍ، .. تبقى تفكر في ذلك الموقف لبقية اليوم، و تجعل الـ 10 ثواني تُفقدك متعة الـ 86,390 ثانية .!
لذا من الحكمة ان لا تجعل موقفاً أو كلمة سلبية تستنزف طاقتك وتفكيرك وتحبط عزيمتك لبقية اليوم بل استمر واكمل تنفيذ حياتك واستمتع بوقتك كما تريد

– ان افضل طريقة للاستفادة مما نتعلم في حياتنا العملية وتعزيز الوعي وصولا إلى الحكمة هي : تعليم وتطبيق قواعد الأخلاق الإنسانية المستمدة من الدين الاسلامي منذ الطفولة كثقافة راقية ينشأ عليها الاطفال وتنمو معهم في تعاملاتهم وسلوكهم لأن الإسلام يتضمن أرقى المباديء الأخلاقية الإنسانية التي تعتمد على الوازع الأخلاقي الداخلي عند الإنسان

-إن العالم اليوم وبسبب غياب الوعي والحكمة أصبح مثل الغابة تحركه الأطماع والغرائز .. وتحكمه المصالح المادية فقط
وهذا هو التحدي الاعظم الذي يواجهنا حاليا.. أضف إلى ذلك اختلاف وجهات النظر والعناد المصاحب للتمسك بوجهة النظر
لكن الحكمة تقتضي ان تتفهم رأيي.. حتى أحترم رأيك و من هنا يبدأ تبادل الثقة .. وتبادل العلم والوعي والمعرفة
علماً ان الثقة من الصعب اكتسابها ومن السهل فقدانها..
ولو فقدت ثقتك في شخص فلن تأتمنه أبدا.. وأن اكثر ما يدمر الثقة هو الجدال وكلنا نعلم أن الإسلام يحظر الجدال لشدة خطورته..
إنك أحيانا تظن أنك عرفت.. بينما أنت لا تعرف..
واحيانا تحب ما لا يستحق الحب.. وتكره ما لا يستوجب الكراهية .. وتتخيل أنك فهمت.. بينما أنت لم تفهم.. لكن بالعلم والوعي فإن ما لا تفهمه اليوم.. يمكنك فهمه مستقبلاً .. ولذلك لاتحكم على شيء حتي تعرف أبعاده.. ولا على شخص حتى تراه من الداخل.. ولن تراه من الداخل الا اذا فهمت ما يفكر فيه من خلال استماعك الجيد له ووقتها تكون قد استطعت توظيف المعرفة والوعي لتحقيق الحكمة التي هي من أهداف وجودنا في هذه الدنيا

اذا كنت إنسانا عاقلاً فإنك كلما تقدمت في العمر يزداد وعيك وتزداد حكمتك وبطريقةٍ ما ستدرك أن الطريق الذي اختاره الله لك، كان أفضل ألف مرة من الطريق الذي كنت تريده لنفسك، وأن الباب الذي أُغلِق في وجهك ألف مرة، كان وراءه شرٌ محض، وأن اليد التي أفلتتك، لم تكن تناسبك منذ البداية، وأن البلاء الذي أنهكك لم يكن سوى رحمةٌ مُهداة لك من الله ، وأن انهيار الأسباب من حولك لم يكن بالقسوة التي ظننت، وإنما هي سنة الله في خلقه، وأن الأمر الذي جفاك النوم من أجله لم يكن يستحق كل هذا، وأنك قلقت أكثر مما ينبغي، لأنك لم تكن واعيا ولا حكيما ولا تعلم حكمة الله في كل ما يحصل لك ومعك

إن الطريق من العلم مرورا بالوعي وصولا إلى الحكمة طريق سهل وفي نفس الوقت صعب ..
هو سهل اذا كنا نتعلم لأنفسنا و للرقي بأنفسنا وللتطبيق المنهجي العملي لما نتعلم
وهو صعب اذا كنا مثل الشياطين نتعلم للافساد والمجادلة والتخربب لأن الشياطين هي أكثر أهل الأرض علما ومعرفة لكنهم لا يرضخون لقواعد الحكمة ولا يستوعبوها بسبب عصيانهم المستمر لله وحرصهم المستمر على الحرب مع بني آدم بهدف اغراقه في جهنم دنيا وآخرة
ختاما.. وعلى سبيل الحكمة يجب تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة في المجتمع ومن ابرزها : أن المرأة الشجاعة امرأة بألف رجل ؛ بينما الصحيح ان المرأة الشجاعة هي الأنثى الناجحة الشريفة صاحبة الأخلاق والادب والحياء. فهي أنثى تحترم أنوثتها وتنجح في شق طريق النجاح لأن الرجل كرجل ليس معيارًا للشجاعة
والرجل الضعيف والجبان هو ليس رجل كما لا يحق لنا ان نقول عنه امرأة ،فالمرأة ليست
معياراً للجبن والضعف ..
هذا نموذج اذا تعاملنا معه بوعي وعلم وحكمة نكون استفدنا من تجارب حياتنا واذا تعاملنا معه بحماقة وعنصرية فكأننا لم نتعلم اصلا والكلام موجه للرجال اكثر
هل نستوعب الفكرة مما نقرأ؟
هل نطبق ما نتعلم في حياتنا؟
هل نتعلم فقه المعرفة؟
هل نفهم أنفسنا وواقعنا؟
هل نسعى نحو الحكمة وصولا إلى الكمال الأخلاقي والانساني؟
اكتفي بهذه الأسئلة وأرجو أن تجيبوا عنها لأنفسكم بأنفسكم وان تحاولوا ان تتغيروا وترتقوا بأنفسكم عن القاع … فالقاع مزدحم ..والواقع خانق
وانت من يقرر مكانك ومكانتك

الدكتور أحمد لطفي شاهين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى