فرسان مالطا: لماذا وضع الفاتيكان الجماعة تحت إدارته؟
[ad_1]
يحمل شهر سبتمبر/ أيلول مفاصل مهمّة في تاريخ منظمة “فرسان مالطا”. ففي مطلع الشهر الحالي، أصدر البابا فرنسيس قراراً تاريخياً بحلّ قيادة الجماعة التي تأسست في القدس منتصف القرن الحادي عشر، وبتغيير دستورها.
وفي 8 سبتمبر/ أيلول عام 1565، نجح فرسان مالطا بفك حصار العثمانيين عن جزيرة مالطا، التي منحت لهم بأمر من بابا الفاتيكان كليمنس السابع، والامبراطور شارل الخامس (شارلكان) ملك اسبانيا.
وصل الفرسان إلى الجزيرة التي منحتهم اسمها، عام 1530، آتين من جزيرة رودس التي استولوا عليها لنحو قرنين من الزمن، ثم خرجوا منها بعدما هزموا في معركة ضد جيش وأسطول السلطان العثماني سليمان القانوني.
تاريخ الجماعة – واسمها الكامل نظام السيادة العسكري لفرسان مستشفى القديس يوحنا الأورشليمي في رودس ومالطة – يختصر الكثير من التحوّلات السياسية والدينية والعسكرية على امتداد نحو ألف عام. فماذا تعني التغييرات الجديدة للمنظمة التي تأسست خلال الحروب الصليبية؟ وكيف ستكون علاقتها بالفاتيكان؟
من دولة إلى منظمة
في 8 سبتمبر/ أيلول من كل عام، تحتفل جزيرة مالطا بذكرى رد الحصار العثماني عنها، على يد “فرسان القديس يوحنا” قبل نحو 400 سنة.
يمثل ذلك التاريخ ذروة العصر الذهبي للجماعة التي نعرفها اليوم باسم “فرسان مالطا”. نشأت المجموعة في القدس، وانتقلت منها إلى قبرص، ورودس، لتحط في مالطا، حيث أسست دولة عاصمتها فاليتا، وتمركزت فيها بأسطول عسكري ضخم، لعب دوراً مهماً في البحر المتوسط لقرون.
نقفز بالزمن إلى عصرنا الحالي، حيث قرر بابا الفاتيكان قبل أيام، تغيير الشرعة الدستورية للجماعة، بعد نزاعات استمرت لسنوات بين قادتها.
صحيح أن الجماعة لم تعد تسيطر على أراض تعطيها، بحسب القانون الدولي، الحقّ، بأن تكون دولة مستقلة، وصحيح أنها منظمة تمتلك قيادات وأعضاء لا يعدّون “شعباً”، إلا أنها تمتعت منذ القرن التاسع عشر بوضع خاص قانونياً، وعرفت بأنها ذات سيادة.
تشتهر المنظمة بالمهام الخيرية في أنحاء العالم كافة، ولكنها في الوقت ذاته، تحظى بصفة عضو مراقب في الأمم المتحدة، كما أنها تصدر جوازات سفر خاصة لأعضائها الذين يبلغ عددهم اليوم نحو 13500 شخص، من بينهم نحو 50 رجل دين، يهتمون بالأنشطة الصحية والخيرية في نحو 120 بلداً.
إلى جانب ذلك، وبعكس المنظمات ذات الطابع الخيري الأخرى، تتمتع جماعة “فرسان مالطا” بصفة دبلوماسية، إذ لديها سفارات في نحو أكثر من مئة دولة. كما أن قيادتها تأخذ هيكلية الحكومة، وتضمّ 13 عضواً بصفة وزراء. كما يرأسها قائد يعرف بالسيد الأكبر أو “غراند ماستر”.
وغالباً ما يشار إلى مقرّ “فرسان مالطا” في روما بأنه أصغر دولة في العالم، أو الدولة الوحيدة من دون شعب أو أرض، ولكن ذلك ليس دقيقاً بحسب المختصين بالقانون الدولي. فبخلاف الفاتيكان الذي يعدّ دولة صغيرة، قائمة على مساحة صغيرة، ولها مواطنون يحملون جنسيتها، فإن جميع فرسان مالطا يحملون جنسيات دولتهم الأم، إلى جانب جواز السفر الذي تقدمه المنظمة.
خط مكاني وزماني لـ “فرسان مالطا” عبر التاريخ
(بحسب الموقع الرسمي للمنظمة)
تأسست مجموعة القديس يوحنا المعمدان للضيافة في القدس، لمساعدة الحجاج الآتين لزيارة الأراضي المقدسة. بعد نحو مئة عام من التأسيس الرسمي، حمل أفرادها السلاح للدفاع المستشفيات التابعة لها والحجاج المسيحيين “وحماية الإيمان”، وتبنت رمز الصليب ذي الرؤوس الثمانية الذي تعرف به إلى اليوم.
بعد سيطرة جيوش المماليك على عكا عام 1291، وطرد الصليبيين، هجّر أفراد الجماعة إلى جزيرة قبرص، حيث واصلوا بناء المستشفيات، ووسعوا من نطاق ممتلكاتهم على شواطئ المتوسط.
سيطر “فرسان القديس يوحنا” على جزيرة رودس، وفيها بنوا أسطولاً ضخماً، أردوا تسخيره للدفاع عن المسيحيين في الحروب. وفي تلك الفترة، نالت الجماعة استقلالها بأمر بابوي، وبدأت بنشر جيوشها وسفرائها حول العالم، وضمت أوروبيين من جنسيات عدّة.
بعد سيطرة العثمانيين على رودس، في عهد سليمان القانوني، بحثت المنظمة عن أرض جديدة لبسط سيادتها، فانتقلت إلى جزيرة مالطا التي نجحت بالاحتفاظ بها رغم الحصار العثماني. وهناك، بنت مدينة فاليتا التي لا تزال عاصمة مالطا إلى يومنا هذا، واتخذتها مركزاً لبسط سيطرتها على المتوسط من خلال أسطولها.
سانت بطرسبرغ – 1799
خلال حملته على مصر عام 1798، سيطر نابليون بونابارت على مالطا، وطرد الفرسان منها، فانتقلوا إلى سانت بطرسبرغ الروسية حيث حظيت قيادتهم بحماية القيصر بولس الأول، الذي أصبح السيد الأكبر أي رأس المنظمة حتى وفاته عام 1801.
روما – 1834 حتى اليوم
استقرّ منظمة فرسان مالطا في روما، وبقوا منظمة ذات سيادة، تصدر جوازات سفر، ولها سفراء حول العالم، وعادوا للتركيز على العمل الخيري ومساعدة جرحى الحربين العالمية الأولى والثانية.
ماذا تضمن “الدستور الجديد”؟
منذ تأسيسها، واعتراف بابا الفاتيكان بها، اتسمت منظمة “فرسان مالطا” بهوية هجينة، فهي جماعة دينية وعلمانية في آن معاً. فضمن آلاف الأعضاء والمتطوعين، هناك عدد قليل من رجال الدين الذين يتبنون نذور الرهبانية، أي أنهم يتعهدون بالطاعة، والعفة، والفقر.
بموجب قرار الفاتيكان الجديد، منحت الغلبة للجناح الديني في الجماعة، على الجناح العلماني، بحسب موقع “كروكس”، مع ربط قادتها الدينيين مباشرة بالحبر الأعظم.
وكانت محكمة الكرادلة في الفاتيكان أصدرت قراراً عام 1953، يشير إلى أن امتيازات المنظمة لا تندرج ضمن “مجموعة الامتيازات والسلطات الخاصة بالدول ذات السيادة”. ورأى البابا فرنسيس استناداً إلى ذلك بأن المنظمة يجب أن تتبع سلطته، كون قادتها من رجال الدين.
وعين الفاتيكان قيادة مؤقتة، بانتظار أن تعقد المنظمة جمعية عامة في يناير/ كانون الثاني 2023، لانتخاب قيادة جديدة. وبحسب الدستور الجديد، لن يتولى السيد الأكبر منصبه مدى الحياة، كما كان سائداً في السابق، بل سيتولاه لمدة عشر سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة، على أن يستقيل حين يبلغ سن الـ85.
وكان السيد الأكبر الأخير على رأس المنظمة الراهب الإيطالي جياكومو دالا توري، قد توفي في أبريل/ نيسان الماضي، وكان القائد رقم ثمانين للجماعة في تاريخها.
كغيره من قادة “فرسان مالطا” يتحدّر دالا توري من عائلة ذات أصول نبيلة، إذ كان يتوجب على قادة الفرسان أن يحملوا “جذوراً نبيلة”. ولكن، بحسب الدستور الجديد، لم يعد هذا الشرط ضرورياً لتولي مناصب قيادية.
وأراد الإصلاحيون المدعومون من قبل الفاتيكان داخل المنظمة أن تحمل التغييرات دماً جديداً يواكب الدور الخيري المتعاظم لها في السنوات الأخيرة. في حين رفض الحرس القديم فكرة التبعية للفاتيكان، خشية التخلي عن استقلالية المنظمة، ما يجعلها كأي جمعية دينية أو خيرية أخرى.
وكانت الخلافات بين أفراد القيادة طفت إلى السطح عام 2016، عندنا انتشرت أخبار عن توزيع جمعية خيرية تابعة لـ”فرسان مالطة”، واقيات ذكرية في ميانمار، ما يعد ّمخالفاً للتعاليم الكنسية التي ترفض استخدام أساليب منع الحمل.
بحسب وسائل إعلام كاثوليكية، توظف منظمة “فرسان مالطا” أكثر من 45 ألف شخص حول العالم، ويتطوع في صفوفها نحو مئة ألف آخرين، كما تبلغ قيمة أعمالها الخيرية نحو 2.3 مليار دولار، وقد نشطت بشكل خاص في مساعدة لاجئي الحرب في أوكرانيا، خلال الأشهر الأخيرة.
[ad_2]
Source link