روسيا وأوكرانيا: ماذا يجري في الخطوط الأمامية من الهجوم الأوكراني المعاكس؟
[ad_1]
- كوينتين سمرفيل
- بي بي سي نيوز – دونباس، أوكرانيا
تحاول القوات الأوكرانية انتزاع زمام المبادرة من القوات الروسية قبل حلول فصل الشتاء. وبدأت هذه القوات بشن هجوم مضاد بالفعل في الجنوب، ويستعد الأوكرانيون الآن للتوسع في الشرق لاستعادة الأراضي التي خسروها في دونباس ومحيط مدينة خاركيف في الشمال.
رافق الصحفي كوينتين سمرفيل والمصور دارين كونواي وحدة من القوات الأوكرانية التي تقاتل على الخطوط الأمامية وعادا بهذا التقرير.
الهواء هنا مشبع برائحة احتراق حقول عباد الشمس، ويمكن سماع دوي القنابل العنقودية الروسية وهي تسقط عبر الحقول، وتشعل النيران بأزهار عباد الشمس التي مالت رؤوسها بفعل ثقل ثمارها في انتظار موسم الحصاد الذي قد لا يأتي.
يزأر مدفع ذاتي الحركة عبر الحقل، وتمزق جنازير عجلاته الثقيلة سهول دونباس الخصبة.
يحتفظ الحرس الوطني بهذه الأرض في شرق أوكرانيا، وهي المنطقة التي ادعى فلاديمير بوتين أنها محورية لعمليته العسكرية وسيتم الاستيلاء عليها “خطوة بخطوة”.
لكن الآن تراجع التقدم الروسي وبات أقرب إلى الحبو. وما بين الدخان والغبار، ثمة شيء آخر يلوح في الأفق، ألا وهو الأمل بتحقيق النصر.
هنا في دونباس وفي أقصى الشمال على مشارف خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، تستعد قوات الحكومة لشن هجوم مضاد.
غادرتُ مؤخراً مواقع للجيش في الجنوب حول خيرسون، إنها المدينة الوحيدة التي استولت عليها القوات الروسية غربي نهر دنيبرو ذات الأهمية الاستراتيجية.
وتشارك نفس الوحدات الآن في المعركة، وتدعم القوات التي اخترقت خطوط الدفاع الروسية في ثلاثة أماكن على الأقل، وكجزء من هجوم مضاد مخطط له منذ فترة طويلة في الجنوب، فُرضت قيود صارمة على التقارير الإخبارية مع استمرار العملية.
هنا في دونباس، ظلوا ملتزمين بالصمت المطلق. لم يتم إخباري بالوجهة مسبقاً، وطلب مني مسؤول الإعلام بالوحدة عدم ذكر إسم الوحدة العسكرية، كما نزع شارات التعريف من بدلات الرجال الذين قمنا بتصويرهم.
وسط هدير القصف المدفعي من قاعدة تحت غطاء من الأشجار، يقول أرتيوم ، 35 عاماً، إننا في شمال مدينة سيفرسك، على بعد حوالي 8 كيلومترات من خط تمركز القوات الروسية.
أسألهم: “ما مدى قربك منهم؟”. فيجيب: “ثلاثون متراً، هل تريد أن ترى؟”.
هذه كلها مواقع دفاعية والنجاح حول خيرسون يقود الكثيرين إلى الاعتقاد بأنه يتم التخطيط لمزيد من الهجمات هنا وفي الشمال.
لقد تم تسليمي إلى مرافق ملتح وبشعر أحمر، يدعى سفاروغ، يبلغ من العمر 26 عاماً.
يقول سفاروغ بابتسامة: “كنت سأبدو في الـ 18 بدون لحية”. لكن بعد قضاء ستة أشهر في المعارك، أصبح متمرساً في القتال.
وشهدت وحدته أشد المعارك في يوليو / تموز، في ليسشانسك وسيفيرودونيتسك المجاورتين، حيث كان عددهم أقل من الجنود الروس بكثير.
يقول سفاروغ: “القتال هنا مختلف. الروس لا يهاجمون بأعداد كبيرة، لم يعودوا يتقدمون في مجموعات من الكتائب بل في فصيلة أو مفرزة”.
وأوضح أحد قادة الوحدات أنه لديهم في ساحة المعركة مقاتل واحد مقابل كل ثلاثة من جهة “الأعداء”.
في سيفيرودونيتسك، كان هناك رجل واحد مقابل سبعة، تم اصطحابي إلى النقطة الأكثر تقدماً.
كان القصف مستمراً على بعد مسافة منا، لكن كان التهديد المباشر الأكثر خطراً ، الألغام المضادة للأفراد. عثرت على خمسة منها بينما كنا نسير على طول طريق موحل باتجاه النهر.
عند ضفة النهر، سرنا داخل شبكة من الخنادق وطُلب مني أن أتحدث همساً فقط. كانت عبارة عن نقطة مراقبة لكنها مليئة بالأسلحة.
سألتُ أحد الحراس “أين الروس؟”.
أشار إلى الضفة الأخرى من النهر، وقال: على بعد 30 متراً أو نحو ذلك.
في الجوار، هناك حفر خلفتها قذائف المدفعية وبقايا صاروخ روسي. قيل لي قبل كل شيء هذه نقطة مراقبة وليست موقعاً قتاليا متقدماً.
وقال الحارس: “لكن إذا كان هناك تهديد بأنهم سيعبرون النهر، سنفتح النار عليهم”.
في قرية مجاورة، بدت كغيرها من قرى أوكرانيا الأخرى التي مزقتها الحرب، وهجرها سكانها في الغالب، قابلت سيرغي، 65 عاماً، الذي كان برفقة كلبه موخا.
سألته لماذا لم يغادر، فأجابني: “عاش والداي في هذا المنزل وماتا فيه… لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان. لقد أرسلت زوجتي بعيداً وأعيش هنا بمفردي. كل شيء على ما يرام، لدي طعام ومزرعة صغيرة، وكلبي ليس جائعاً”.
ويفتخر سيرغي بكونه أوكراني، ويقول “لست قومياً”، لكنه يؤمن بأوكرانيا وقواتها المسلحة.
لكن البعض الآخر هنا لديهم مواقف متباينة.
تقول وحدة سافروغ إن مواقف السكان من الحرب كانت مختلفة عندما قاتلت في المناطق المحيطة بكييف، حيث كان ولاء السكان متبايناً.
سرتُ مع رجاله داخل قرية مدمرة أخرى. كان الجميع يحمل السلاح، وكنا نرتدي الدروع والخوذات.
حلق فوق رؤوسنا سرب من الأوز الذي كاد الضجيج الصادر عنه يغطي على صوت القصف المدفعي.
دُعينا إلى فناء مليء بأشجار العنب والورود، حيث تمارس الأسرة حياتها وكأن الحرب لا تدور رحاها حولهم.
ضحكت جوليا، معلمة الحضانة البالغة من العمر 35 عاماً، عندما سألتها عن كيفية العيش في ظل هذا التهديد، وقالت: “تخيل وصول الحرب إلى مدينتك، هل ستضطر إلى حزم أمتعتك ومغادرة منزلك في غضون 24 ساعة، بالتأكيد لا، ستفعل مثلي تماماً وستتمسك بما قضيت حياتك في بنائه”.
شقيقتها ليليا تقف في مكان قريب. كان عيد ميلادها التاسع عشر في اليوم الذي زرتهم فيه. كان معصمها يحمل وشماً مكتوباً باللاتينية معناه “الفرح يأتي بعد الشقاء”.
يلقي والدهما باللائمة على الحكومة الأوكرانية لفشلها في التفاوض مع روسيا، ويقول: “إنهم بحاجة إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق. ليس من الصواب الاستمرار في هذا الأمر”.
تعارضه ابنته جوليا وتقول بهدوء: “ندرك ذلك. أعتقد أنه في نهاية المطاف، سيسود العقل، لننتظر شهراً أو اثنين ريثما تتعدل خطوط جبهات القتال وستكون الأمور جيدة هنا مرة أخرى”.
بعد أيام، سافرت نحو الجنوب وقابلت رئيس وحدة طبية ميدانية يدعى رسلان، الذي على الرغم من رؤيته للمآسي الإنسانية اليومية لهذه الحرب، إلا أنه لا يزال ينبض بروح الدعابة والمرح ويقهقه ضاحكاً.
عندما كنا نستعد للذهاب إلى قرية لم تكن بعيدة عن ساحات القتال لمقابلته، سألته كيف سأعثر عليك؟
قال: “ابحث عن سيارة الإسعاف المزركشة بالريش، لن تضيعها”.
وصلت السيارة إلى محطة حافلات القرية وهي مغطاة بشباك مموهة محلية الصنع. سرنا خلفه بسرعة إلى “النقطة الطبية الأولية ” في الخطوط الأمامية، حيث يتلقى الجنود المصابون رعاية فورية لإنقاذ حياتهم.
إن سلوك وموقف الأطباء الميدانيين أسطوري، لذلك لم نشعر بالاندهاش لدى وصولنا إلى النقطة الطبية ومشاهدة يوري، جراح النقطة، وهو يرتدي سروالاً قصيراً مموهاً وفي يده جهاز للكشف عن المعادن.
يقول رسلان ممازحاً: “إنه يبحث عن الذهب”.
بعد فترة، ترن سماعات يوري، وبمجرفة حربية صغيرة، يخرج كتلة سوداء من الخام من الأرض، ويقول بخجل: “إنها مجرد هواية”.
العيادة مليئة بالإمدادات الطبية. يقول رسلان: “نريد أن نشكر مانحينا الأجانب، لم نخرج الإمدادات من الصناديق بعد، أحياناً لا يتوفر لدينا الوقت لتفريغها بالكامل”.
أطلعني من خلال دفتر ملاحظات مكتوب بخط اليد على جميع الإصابات التي عالجوها خلال الشهر الماضي، تضمنت معلومات مثل الاسم ووقت الوصول ونوع الإصابة.
يقول رسلان: “كلما كانت الكتابة على الصفحة كثيرة، يعني ذلك صعوبة الحالة”.
قتل حوالي 9000 جندي أوكراني منذ بداية الحرب كما يقول القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية الجنرال فاليري زالوجني.
تعتبر الخسائر البشرية في صفوف كل وحدة مسألة في غاية السرية.
في دفتر رسلان السميك كان عدد الوفيات أقل مما كنت أتخيله.
يقول: “لقد قطعنا شوطاً طويلاً منذ عام 2014” ، في إشارة إلى التحديث السريع للقوات الأوكرانية، بما في ذلك الخدمات الطبية الميدانية .
تقصف المدفعية الأوكرانية من كل مكان حولنا. تقصف مدفعية هاوتزر M777 القوية من مكان قريب من هنا، وفي الليل نسمع أصوات إطلاق الراجمة هيمار قذائفها بعيدة المدى.
ساعدت هذه الأسلحة الجديدة في تمهيد الطريق للهجوم الأوكراني في الجنوب، ويتطلع الأوكرانيون إلى تحقيق ذلك في الشرق أيضاً.
جلست مع فلاد، البالغ من العمر 26 عاماً، سائق سيارة الإسعاف في الوحدة.
كان فلاد يعمل مهندساً بحرياً حتى بداية الحرب، أُغرقت فرقاطته هيتمان ساهيداتشني عمداً لكي لا تقع في أيدي الروس.
قبل أن يجلس خلف مقود سيارة الإسعاف، كان رجل مدفعية وكان بإمكانه تمييز دوي كل انفجار، بالإضافة إلى تاريخ إنتاج كل دبابة ومدرعة تمر بجانب العيادة ونوعها.
سألته ما مدى حبه لأداء هذا الواجب مقارنة بما كان يقوم به عندما كان يخدم في سلاح المدفعية.
قال لي: “هناك الكثير من الانتظار حالياً”. لكن ليس عليه الانتظار طويلا.
وصلت فجأة شاحنة إلى العيادة، مع صراخ قادم من الخلف. تعمل العيادة دون أجهزة لاسلكي وأول ما يعرفونه عن الضحايا يكون عادة عند وصولهم إلى الباب.
كان الرجل الأول قادراً على السير نحو الداخل، لكن ذراعه اليمنى كانت تتدلى، إلى جانب جرح عميق في كتفه.
قوة الانفجار بالقرب منه كسرت ذراعه. ودخل رجل آخر كان يتأوه ويصرخ من إصابته بشظايا في مختلف انحاء جسمه، كان محملاً على نقالة العيادة، من قبل فلاد ومسعف آخر.
أصبحت غرفة الطوارئ الميدانية مسرحاً للنشاط الهادئ المكثف.
كان يوري يعالج الرجل المصاب بجروح خطيرة والمحمول على نقالة بمساعدة طاقم التمريض أما الملازم الأول فيكتور، فكان يساعد المصاب في ذراعه بشدة.
تم تضميد المرضى وتغطيتهم ببطانيات حرارية فضية على وجه السرعة، ثم أرسلوا لتلقي المزيد من العلاج بعيداً عن خطوط القتال.
“لدينا حوالي ساعة لتقديم المساعدة الطبية بسرعة قبل إرسال المصاب إلى المستشفى حيث يقوم أخصائي الإصابات والعمليات وفريق الصدمات النفسية بالعناية بالمريض”.
كلاهما سيتعافى ولكن من غير المرجح أن يعود الجندي المصاب بجروح خطيرة إلى الخدمة.
يجلس رسلان ويضيف إسمين آخرين إلى دفتر ملاحظاته. الشروحات بجانب اسمي المصابين مختصرة وقصيرة.
وصلت إلى هناك أربع إصابات أخرى في وقت لاحق من ذلك اليوم. أخذنا رسلان إلى الخنادق حيث يتم استقبال الضحايا في بداية الأمر.
بدأت قذائف الهاون بالسقوط على صف الأشجار الواقع خلف المكان الذي نقف فيه. “من الجيد أنهم لم يصيبوا الهدف” يضحك رسلان وهو يرتدي الآن ملابس قتالية كاملة. “هذه هي الدقة الروسية بالنسبة لك”.
سألته كيف يتم إخلاء المصابين تحت القصف المستمر.
“لن يُعرض أحد للخطر، لذا، مهما بدا الأمر صعباً، لا يمكنك أن تفقد القوة والوسائل والموارد البشرية والمركبات”.
يقول: “عندما يسود الهدوء أو تتوقف المعركة أو تنفذ ذخيرة العدو، يتم الإخلاء على الفور”.
“حتى يتيسر ذلك، نحاول إنقاذ حياة المصابين بشتى الوسائل المتاحة لدينا. لقد خسرنا بالفعل عدداً كبيراً جداً من المسعفين الميدانيين”.
عندما نغادر الجبهة، يصبح لون السماء داكناً ويظهر البرق في الأفق.
الصيف ينتهي والطقس السيء على الأبواب، ستزداد ظروف القتال صعوبة. ستصل ثلوج الشتاء الغزيرة التي تهدد بتجميد خطوط المعركة في مكانها.
لكن في الوقت الحالي، يوجد شيء آخر يلوح في الأفق هنا، إنه الأمل بأن تكون أوكرانيا قادرة على رد الصاع لروسيا مرة أخرى بعد أشهر من الجمود.
[ad_2]
Source link