غزة وإسرائيل: “أطفال غزة اعتادوا على القتل والموت والقصف”
[ad_1]
- آنا فوستر
- مراسلة الشرق الأوسط- بي بي سي -غزة
لم تكن هالة تعلم أن الخطر قادم عندما قررت اصطحاب أطفالها إلى شاطئ البحر في غزة. كانت طفلتها ليان التي يبلغ عمرها تسع سنوات، قد طلبت أن تلعب على الرمل، وتستمتع برطوبة الأمواج التي تتكسر على الشاطئ.
وبينما كانت العائلة تتجه مسرعة صوب الشاطئ على متن عربة “توكتوك” ، قامت إسرائيل بقصف موقع في غزة، وصفته بأنه معسكر تابع لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، تماما في اللحظة التي كانت العربة تمر أمامه.
اخترقت إحدى شظايا القذائف الإسرائيلية عنق ليان الشاعر، وسقطت الطفلة على الأرض وهي غارقة في دمها. ونقلت إلى مستشفى في القدس للعلاج، لكن إصابتها كانت بليغة، وبعد أسبوع توفيت.
قالت لي هالة “أنا يائسة”، وأضافت “من المفترض أن أكون قوية لأنني أم شهيدة، لكن الحروب التي شهدتها كان لها أثر كبير علي وعلى عائلتي. كل هذا جعلني أكره العيش في غزة.”
وبينما كنا نتحدث، كانت الأم تحمل دمية صغيرة. كانت تلك هدية خاصة تلقتها ابنتها ليان بعد مشاركتها في عرض للدبكة الفلسطينية.
وحين سألتها إذا كانت تعتقد أن موت طفلتها ليان سيحدث أي فرق. أجابت “لا، لا أعتقد ذلك، لأن كثيرين (من الأطفال) قتلوا قبلها ولم يطرأ أي تغيير”.
وأضافت مؤكدة “لم يؤثر هذا أبدا على صناع القرار هنا. كما لو أنه أصبح أمرا طبيعيا.”
بعد التصعيد الأخير، قالت وزارة الصحة في القطاع إن 35 مدنيا قتلوا في القصف الإسرائيلي.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، إن إسرائيل تتخذ احتياطات خاصة لحماية المدنيين، كما أكد أن “دولة إسرائيل لن تعتذر عن استخدام القوة لحماية مواطنيها، لكن موت المدنيين الأبرياء، وخاصة الأطفال، أمر يحطم القلب”.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه “مصدوم لموت (ليان) وموت أي مدني آخر”.
تتبعت موكب جنازة ليان من المسجد إلى المقبرة.
كان هناك حشد كبير من المشيعين يلوحون بأعلام فصائل فلسطينية بينما تتعالى أصوات إطلاق الرصاص. وعندما تم إنزال جثمانها في الأرض، أحاط الرجال بالقبر الصغير، وأهالوا عليه التراب بأيديهم، ثم وضعوا عليه شاهدا بدائيا.
وفي مخيم جباليا في قطاع غزة، حفرت خمس قبور صغيرة جديدة أيضا.
هذه المرة، الضحايا هم خمسة صبية، كانوا يلعبون في مقبرة الفالوجا عندما وقع انفجار أودى بحياتهم.
واتهمت إسرائيل حركة الجهاد الإسلامي بالتسبب بالانفجار، وقالت إن الجماعة أطلقت صاروخا سقط في غزة بدلا من إسرائيل، في حين ألقى الجانب الفلسطيني باللوم على إسرائيل.
وأظهرت مقاطع فيديو تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي الآثار المروعة للانفجار عندما تم انتشال الصبية الذين بدوا أشلاء هامدة، ونقلوا إلى المستشفى على أمل يائس في إمكانية إنقاذهم بطريقة ما.
أحد الضحايا، واسمه محمد، كان في السابعة عشرة من عمره. وقد قالت والدته إنه كان يريد أن يصبح ضابط شرطة.
وأضافت الأم “كانوا مجرد أطفال يلعبون. وفجأة سمعنا صوت الانفجار. هرع الآباء إلى مكان الحادث، وحملوا أجساد أبنائهم القتلى بعيدا عن المكان”.
وتابعت “أطفالنا اعتادوا على القتل والموت والقصف. إنهم مختلفون عن الأطفال الآخرين في جميع أنحاء العالم، والذين يعيشون حياة جميلة، ويذهبون إلى الحدائق – وليس المقابر – للعب”.
وعقب بضع ساعات من الانفجار في المقبرة، بدأ مقطع فيديو ينتشر بشكل واسع على تيك توك. كان خليل الكحلوت قد ركض مباشرة إلى هناك للاطمئنان على أطفاله.
وبينما كانت الجثث تنتشل وتتجمع حوله، أخذ خليل بالصراخ وهو يضرب على صدره. وكان بجواره صديق صور المشهد. كان خليل يصرخ غاضبا وهو يقول “كل هذا من أجل أن تكون الجهاد الإسلامي سعيدة. ولماذا؟ لأنها تريد إطلاق سراح باسم السعدي. هذا يأتي على حساب دماء أطفالنا الصغار”.
وباسم السعدي الذي ذكره خليل، هو قيادي في حركة الجهاد الإسلامي اعتقلته القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية قبل أيام، وكان ذلك الاعتقال شرارة التصعيد الأخير.
وكانت موجة العنف الأخيرة قد بدأت بهجمات شنتها إسرائيل على مواقع في قطاع غزة، والتي قال جيشها إنها رد على تهديدات من حركة الجهاد الإسلامي. وجاءت بعد أيام من التوتر عقب قيام إسرائيل باعتقال باسم السعدي المسؤول البارز في الحركة في الضفة الغربية المحتلة.
وبدأت الإعجابات التي يحصدها فيديو خليل على الإنترنت بالتزايد، لتصل إلى الآلاف.
من النادر للغاية عادة أن يوجه الناس في غزة انتقادات علنية للفصائل المسلحة. ويرى خليل أن الناس أعجبوا بشريط الفيديو لأنه عبر عن مشاعرهم، وقال “أعجب الناس بالفيديو لأنه كان صحيحا تماما. لقد ضربت على وتر حساس لدى الناس. الناس لا يريدون الحرب، لا يريدون الموت، لا يريدون للأطفال أن يقتلوا”.
وأضاف خليل الكحلوت “عندما تحدثت علانية، قلت إن التوقيت والتصعيد لم يكونا مناسبين. (الآن) كل الذين يرونني في الشارع يقولون لي إنني تحدثت عما في قلوبهم، وما لا يمكنهم قوله. يقولون لي ‘أحسنت القول ‘و’أحسنت الفعل'”.
بدأت إسرائيل هجومها على غزة في وقت متأخر من بعد ظهر يوم الجمعة في الخامس من أغسطس/آب الجاري.
وقد قالت إن لديها معلومات بأن نشطاء من حركة الجهاد الإسلامي كانوا يخططون لشن ضربات جديدة على مدنيين إسرائيليين. وقد قتلت القوات الإسرائيلية في غاراتها على غزة اثنين من القادة البارزين في الحركة.
وخلال نهاية الأسبوع الذي تلا ذلك اليوم، أطلق حوالي 1000 صاروخ فلسطيني باتجاه إسرائيل. وأصيب عدد من الإسرائيليين بجروح طفيفة بحسب المصادر الإسرائيلية.
إلا أن كل تصاعد في الصراع يترك في غزة تأثيرات تمتد إلى ما هو أبعد من الوفيات والإصابات.
لكي أصل إلى بيت سمير، وأتحدث معه، كان علي التسلق عبر ركام جدار ما كان يوما مطبخ المنزل قبل تدميره. وبينما كنا نتحدث جاءت حفيدته توتا التي يبلغ عمرها ثلاث سنوات وهي تحمل دميتها (الدبدوب)، وقد شقت طريقها بين الأنقاض.
وأخبرني سمير كيف اتصل به الجيش الإسرائيلي، وأمره بجمع جيرانه ومغادرة منازلهم وإخلاء المنطقة، لأن الجيش كان على وشك تنفيذ هجوم في الموقع.
قال سمير إنهم ساروا باتجاه الشاطئ، ومن هناك سمعوا أصوات تساقط القنابل وانفجارها. وعندما عاد، كانت أجزاء كبيرة من منزله قد دمرت وأصبحت ركاما.
وأضاف “نحن نعاني من أذى نفسي، نريد السلام، لا نريد الحروب”.
ولا يعرف سمير كيف سيتمكن من إعادة بناء ما تهدم من منزله. إنها مشكلة مزمنة ومتكررة في جميع أنحاء غزة. فمن الصعب الحصول على مواد البناء، وهناك قيود على استيرادها، إذ تخشى إسرائيل من استخدامها من قبل الفصائل المسلحة في ما يساعد على شن هجمات على أراضيها.
وقد فرضت إسرائيل ومصر حصارا بريا وبحريا على القطاع منذ أن انتزعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) السيطرة عليه بالكامل من السلطة الفلسطينية بعد معركة داخلية دموية عام 2007، عقب عام من فوز حماس في الانتخابات العامة.
وأصيب الاقتصاد في غزة بالشلل جراء الحصار، لكن إسرائيل تقول إنه ضروري لأسباب أمنية. وهذا يعني أن الندوب المادية التي يخلفها النزاع لا تلتئم غالبا .
لا تزال الأبراج السكنية المدمرة ركاما على الأرض، ولم يعد ظاهرا منها سوى أساساتها. وهناك أبنية أخرى تم إخلاؤها وتطهيرها من بقايا القذائف لكنها تركت فارغة وجوفاء مع فرص ضئيلة لإعادة إعمارها. وهذا سبب آخر يجعل سكان غزة يشعرون بالخوف عند كل تصعيد جديد.
تدير حركة حماس قطاع غزة، والحركة مصنفة “إرهابية” من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى. وتقول الحركة إن هدفها هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بأي وسيلة ممكنة، بما في ذلك الكفاح المسلح. ولديها مخزون كبير من الأسلحة، تطلقها بشكل أساسي باتجاه المدن الحدودية في إسرائيل.
لكن حماس هذه المرة لم تنضم إلى القتال، وإن كانت إسرائيل ومراقبون عديدون يقولون إنه لا شيء يحدث في غزة من دون موافقتها.
وتعود جميع الصواريخ التي أطلقت مؤخرا من غزة لحركة الجهاد الإسلامي، وهي مجموعة أصغر وتمتلك معدات أقل تطوراً. وتقول إسرائيل إن العديد من هذه الصواريخ لم تصل إلى الأراضي الإسرائيلية وإنما سقطت في قطاع غزة فوق تجمعات فلسطينية وتسببت في وفيات وإصابات، الأمر الذي تنفيه الحركة.
ومع بقاء حماس خارج القتال فإن احتواء التصعيد الأخير كان ممكنا، إذ لم يستمر سوى ثلاثة أيام قبل التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار. ولو انضمت حماس للقتال لكانت النتائج ستكون أسوأ بكثير، وربما وصلت إلى حد اندلاع حرب جديدة.
فلماذا لم تشارك حماس هذه المرة؟
قال عضو المكتب السياسي في حركة حماس غازي حمد “أعتقد أنه يتعين علينا أخذ بعض الدروس من جولة المواجهة.” وأضاف “أعتقد أن هناك تعاونا جيدا بيننا وبين الجهاد الإسلامي، وقد أجرينا مناقشات عميقة معهم. علينا أن نعمل معا كفصائل فلسطينية. وبهذه الطريقة أعتقد أنه يمكننا تقليل عدد الأخطاء، ويمكننا تقليل الأضرار والخسائر بين الفلسطينيين”.
وعندما ضعطت عليه بالسؤال بشأن الهجمات على المدنيين الإسرائيليين التي تتهم إسرائيل حماس بتنفيذها، وإطلاق الصواريخ العشوائي على المناطق المدنية، والتي تقول إسرائيل إنها يجب أن تدافع عن نفسها منها. وأشرت إلى أن استهداف المدنيين جريمة حرب،أجاب “نحن لا نقاتل أحداً، فقط الاحتلال. إسرائيل تملك القدرة وكان يمكنها تفادي المدنيين، لكني أعتقد أنهم عندما يريدون قتل أحد المقاتلين، فإنهم يقتلون كل من حوله لكي يقتلوه”.
بعد اتفاق وقف إطلاق النار، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد إنه يريد “التحدث مباشرة إلى سكان قطاع غزة، وأن يقول لهم: هناك طريق آخر”. وأضاف “نعرف كيف نحمي أنفسنا من كل من يهددنا، لكننا نعرف أيضا كيف نوفر فرص عمل وسبل حياة كريمة لمن يرغب في العيش إلى جانبنا بسلام”.
ويضم قطاع غزة أحد التجمعات السكانية الأصغر سنا في العالم، مع نسبة كبيرة من الشباب والأطفال، ولم يعرف معظم أطفاله سوى حياة الصراع، ما أثر بشكل عميق ومباشر على حياتهم وأحلامهم.
التقيت الشابة بيسان عبد السلام وهي على وشك التخرج كمهندسة. وعلى غرار كثيرين ممن هم في سنها، تذهب بيسان إلى شاطئ البحر في نهاية اليوم. كانت تشرب عصير المانغو والشمس تختفي عند خط الأفق في البعيد، وتتساءل عما سيكون عليه مستقبلها.
وقالت بيسان “من الصعب أن نتخيل كيف ستكون حياتنا إذا انتهى هذا (الوضع). عندها سيتوقف الناس عن الذهاب إلى الفراش وعيونهم غارقة بالدموع بسبب فقدان الأب أو الأم أو الأخت. ستتغير حياتنا بأكملها”.
وأضافت “لماذا لا نستطيع أن نقوم بما يفعله الناس خارج غزة؟ نشاهد الناس على يوتيوب وهم سعداء ويقومون بأشياء لطيفة. نأمل أن يرفع عنا الحصار، لكي نتمكن من أن نعيش مثلهم”.
[ad_2]
Source link