نتائج الثانوية: “غش عائلي” يثير جدلا في مصر
[ad_1]
- أحمد شوشة
- بي بي سي نيوز عربي – القاهرة
“ابني كان يقطع مسافات طويلة بين مراكز محافظة سوهاج للدروس الخصوصية ويشتري الكتب الخارجية ويسهر للمراجعة”، هكذا بدأ فتحي بنبرة قوية دفاعه عن ابنه محمد من اتهامات الغش الجماعي.
حصل محمد على نسبة 87.7 في المائة في امتحانات الثانوية العامة المصرية في شعبة “علمي رياضة”، وهي ستؤهله على الأرجح لدخول كلية الهندسة، أكثر الكليات طلبا في هذه الشعبة.
محمد ينتمي إلى عائلة أبو ذهاد في الصعيد، وهي من بين عائلات مثل أبو عقيل والضبع والشرقاوي، أثار نشر أبنائها نتائج مرتفعة تتخطى 90 في المائة لعدد كبير من ذويهم جدلًا بشأن الغش الجماعي في لجان امتحانات الثانوية العامة.
حين سألت والدة فتحي عن هذه النسب المرتفعة، ردت باعتزاز يٌعرف به أهل الصعيد في مصر: “عائلتنا كبيرة وممتدة وهذا يجعل فيها كثيرين من المتفوقين، ولا نذكر غير الموفقين”.
وتجري وزارة التربية والتعليم المصرية تحقيقًا في هذا الشأن بعد أن أصبحت تلك النتائج حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، مع انتشار الاتهامات بوقوع حالات غش جماعي.
وتوعدت الوزارة في بيان باتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة إذا ثبت وقوع مخالفات خلال سير الامتحانات أو ترويج معلومات مضللة.
وتعتمد أغلب الأسر المصرية على نتيجة الثانوية العامة في تحديد مستقبل أبنائها، إذ يتنافس طلاب الجمهورية على مقاعد الكليات الحكومية المجانية في تنسيق جماعي، كما تطلب كثير من كليات الجامعات الخاصة حدًا أدنى للقبول بها.
عصبية العائلات
على مقربة من منزل محمد أبو ذهاد في مركز جهينة بمحافظة سوهاج يعيش أحمد الشرقاوي، الطالب الذي جاءت نتيجته 93 في المائة في شعبة “علمي رياضة”.
يحدثني أحمد عن وصية والديه المتواصلة بألا يتفوق عليه أحد من أبناء العائلات الأخرى، قائلًا: “هذا ما تعودنا عليه منذ جدي الشرقاوي، الجد الخامس عشر، ماذا سأقول لأهلي إن لم أكن من المتفوقين؟”.
ويوضح أحمد أن عائلته تنحدر من سلالة تضم عائلات أخرى باتوا هم المنافسين، وأنه لذلك بدأ في تلقي الدروس الخصوصية قبل أشهر من موعد بداية الدراسة في المدارس.
أعد ابن عمه هاشم القائمة التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي لعشرات الطلاب الذين حصلوا على نتائج مرتفعة من عائلة الشرقاوي، كما يخبرنا.
يقول هاشم: “التنافس لدينا ليس في التعليم فقط، بل إنه يصل إلى حد لعب الأطفال”.
ويضيف هاشم بفخر شديد أن عائلته هي الأكبر بين عائلات السلالة التي تضم عائلتي أبو ذهاد وأبو عقيل، مشيرًا إلى أن القائمة التي أعدها تضم طلابًا ليسوا في مدرسة واحدة أو محافظة واحدة، إذ أن عائلة الشرقاوي لا تتوقف في الصعيد، بل تنتشر في القاهرة والإسكندرية، وأنه يحتفظ بأسماء المتفوقين منها منذ عام 1860.
اتهم رواد مواقع التواصل هذه العصبية بين العائلات في صعيد مصر أنها السبب الأبرز لمحاولات الغش، والضغط على المراقبين. ولم تعلن وزارة التربية والتعليم نتائج التحقيقات حتى الآن.
ويتعرض بعض المراقبين الذين يأتون من بلدان بعيدة إلى اللجان التي تشرفون فيها على الامتحانات للابتزاز والعنف أحيانًا، فضلا عن محاولات الترغيب والرشوة.
ويقول مدرس مصري قضى أكثر من 20 عاما في مراقبة الامتحانات لبي بي سي إن معظم أقرانه يرفضون مراقبة امتحانات الثانوية العامة رغم حوافزها المادية، بسبب ضغوط أولياء الأمور، لكنه تكليف لا يمكن الامتناع عنه إلا بعذر طبي.
ولا يزيد عدد الطلاب الممتحنين في الفصل الواحد الذي ترصده كاميرات المراقبة على 20 طالبًا، وعادة ما تطبع أوراق الأسئلة الموحدة في شتى أنحاء مصر في مطابع “جهات سيادية” خشية تسريبها، وتؤمن الشرطة كل لجنة امتحانية.
ووصلت نسبة النجاح هذا العام 75 في المائة تقريبًا، لطلاب الثانوية العامة الذين بلغ عددهم نحو 650 ألفا، ووصف وزير التربية والتعليم، طارق شوقي، نسب الحاصلين على درجات مرتفعة بينهم بـ”الممتازة”.
“لجان امتحانية متساهلة”
وكانت وزارة التربية والتعليم المصرية قد قررت، قبل أسبوع، منع تحويل الطلاب إلى لجان محددة في عدد من المحافظات مثل سوهاج وقنا وأسيوط وكفر الشيخ، إلا بموافقة الوزير شخصيا، “للاعتقاد السائد بتساهل الرقابة على الامتحانات في هذه اللجان”، بحسب القرار.
وأفادت صحيفة الأهرام القومية بتحويل أكثر من 1800 طالب إلى لجنة دار السلام وحدها في محافظة سوهاج خلال العام الدراسي الجاري، بسبب “سمعتها في الغش الجماعي”.
ويقول الصحفي الذي أعد التقرير، أحمد حافظ، لبي بي سي إن وزارة التربية والتعليم كثفت من أفراد الأمن داخل لجان هذه الإدارة التعليمية، ووزعت الطلاب المحولين في لجان متفرقة، بغرض إفشال محاولات الغش.
ويضيف حافظ أن شبهات الغش الجماعي ليست غريبة على لجان امتحانات الثانوية العامة المصرية، إذ تعددت الوقائع، ومنها ما تسبب في حجب نتيجة عشرات الطلاب في عام 2017.
وحجبت وزارة التربية والتعليم نتيجة لجنتين امتحانيتين هذا العام بسبب شبهة الغش قد يصل تعدادها إلى ألفي طالب، بحسب تصريحات صحفية للوزير، طارق شوقي.
وقال شوقي إن هناك تشابها بين إجابات الطلاب يستدعي التحقيق في النيابة العامة، ومراجعة كاميرات المراقبة خلال الامتحانات، لتحقيق تكافؤ الفرص ومصداقية الشهادة التعليمية.
الغش الحديث
وقديمًا اشتهرت وسائل لغش الامتحانات مثل الاحتفاظ بأوراق مصغرة للمناهج، أو أن يأتي الأهالي بمكبر صوت أمام لجان الامتحان لإذاعة الإجابات، فضلًا عن تحدث الطلاب إلى بعضهم خلال الامتحان.
لكن مع تطور وسائل الاتصالات، بات بعضهم يستخدم الهاتف الذكي أو سماعته الصغيرة في الاتصال بالخارج، وهي وسائل يحظر الدخول بها في لجان الامتحانات، وبات الغش أسهل إذ ألغيت الإجابات المقالية لصالح إجابات الاختيار من متعدد بعد تطوير المناهج.
وظهرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال السنوات الماضية، تنشر أسئلة الامتحانات وإجاباتها، وأحيل بعض القائمين عليها إلى المحاكمة.
“المجتمع والقانون”
وترجع الباحثة التربوية، الدكتورة بثينة عبد الرؤوف، الأسباب إلى ثقافة البعض الذي يعتقد في الغش فرصة، وظنهم أن شهادة التعليم لا تعني النجاح في الحياة، لكنهم يسعون إليها لأنها مطلوبة في سوق العمل.
وتقول بثينة عبد الرؤوف إن أثر انتشار الغش في التعليم هو وجود خريجين ينشرون الفساد في المجتمع ويقتنعون من داخلهم بأن الغاية تبرر الوسيلة.
وتشدد الباحثة التربوية على أهمية توجيه المجتمع إلى قيمة الأمانة، لافتة إلى أن بعض الدول في شرق آسيا يندر فيها الغش بسبب القيم الدينية والاجتماعية، وليس للقانون فقط.
وينص القانون المصري على معاقبة من يساعد على الغش في الامتحانات بالسجن والغرامة، وبرسوب الطالب في جميع المواد خلال العام الدراسي.
[ad_2]
Source link