العنصرية: هل عطلت أزمة تونس السياسية المعركة ضد التمييز؟
[ad_1]
- عبد الرحيم سعيد
- بي بي سي نيوز عربي
قالت أول نائبة سوداء تصل إلى البرلمان التونسي لبي بي سي نيوز عربي، إن تعليق عمل البرلمان العام الماضي أدى إلى دخول المعركة ضد التمييز العنصري في البلاد في حالة من الجمود.
وأكدت النائبة جميلة كسيكسي أن المشرعين لم يعد بإمكانهم أن يثيروا في البرلمان قضايا الناخبين الذين يعانون من العنصرية، ولا أن يدققوا عن كثب جهود الحكومة في التصدي للتمييز.
وأوضحت أن “الشعب التونسي ليس له صوت من دون البرلمان”.
وجاءت تصريحات جميلة كسيكسي خلال تصوير فيلم بعنوان “العنصرية ضد السود: واقع مغيب”، وهو فيلم وثائقي جديد من إنتاج وثائقيات بي بي سي نيوز عربي.
وقالت النائبة التونسية “أتلقى يوميا تقريبا رسائل من المواطنين، وخاصة السود. أتلقى رسائلهم. أتلقى شكاويهم”.
ومنذ يوليو/ تموز الماضي، تفاقمت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المستمرة في تونس بعد أن أصدر الرئيس قيس سعيد قرارا بتعليق البرلمان، وأقال الحكومة.
وكان الرئيس سعيد دافع عن قراره، معتبرا أنه السبيل الوحيد لإصلاح البلاد، وإخراجها من حالة الشلل السياسي.
وأصدر الرئيس البالغ من العمر 64 عاما قرارا بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، بعد أن منحته نتيجة الاستفتاء على دستور جديد للبلاد مزيدا من السلطات الشاملة، وعززت سيطرته.
مستقبل القانون 50
وفقا للنائبة كسيكسي، كان للبرلمان التونسي دور رئيسي بخصوص التدقيق في تنفيذ “القانون 50” الصادر عام 2018، والذي يهدف إلى القضاء على كافة أشكال ومظاهر التمييز العنصري.
وهي تقول “بإقرار هذا القانون، أعطي للبرلمان الحق في الإشراف على الحكومة (في تطبيقها للقانون 50)”.
وأشارت كسيكسي أنها تخشى من أن تستغرق قضايا المحاكم التي تنظر في التمييز العنصري وقتا أطول في حسم القضايا أو معالجتها في ظل الأزمة السياسية في تونس.
وقالت “لا يوجد الآن كيان يساعد في دفع القضايا إلى الأمام أو السؤال عن الأسباب التي تكمن وراء مثل هذه التأخيرات. وأضافت “حل البرلمان شكل عقبة كبيرة أمام الناس لنيل حقوقهم”.
كما قالت النائبة إنه لا يوجد وضوح في ما إذا كان الدستور التونسي الجديد سيحافظ في بنوده على التشريعات الحالية الخاصة بحقوق الإنسان، لا سيما “القانون 50”.
وتواصلت بي بي سي نيوز عربي مع المتحدث باسم الحكومة الجديدة، التي عينها الرئيس قيس سعيد، إلا أنها لم تتلق أي رد حتى الآن.
لكن سياسية تونسية وحليفة بارزة للرئيس سعيد، نفت أن تكون المعركة ضد التمييز العنصري بحق السود قد همشت بسبب الأحداث الأخيرة.
وقالت أمل الحمروني من حزب التيار الشعبي لبي بي سي نيوز عربي إن “عمل القضاء لم يتوقف أبدا، وما زالوا يطبقون القانون 50”.
وبخصوص التدقيق في عمل الحكومة من قبل البرلمان، قالت الحمروني إن الرئيس “اضطر” إلى تعليق عمل البرلمان.
وأضافت أن “المجلس التشريعي لم يكن يقوم بعمله. وكان غارقا في صراعات داخلية”، معتبرة أن الرئيس سعيد “كان محقا في تعليقه”.
تشريع رائد
دخل “القانون 50” حيز التنفيذ في البلاد عام 2018، لتصبح تونس أول دولة في شمال أفريقيا والعالم العربي تصدر قانونا يحظر التمييز على أساس عنصري على وجه التحديد، ويعرّض من يمارسه إلى عقوبة ومساءلة قانونية.
وكان صدور هذا القانون تتويجا لسنوات من النضال من قبل النشطاء، الذين شعروا أنهم أقوى حضورا بعد الاحتجاجات والمظاهرات وثورة عام 2011.
وقالت سعدية مصباح، رئيسة جمعية “منامتي” المناهضة للعنصرية، لبي بي سي نيوز عربي “لطالما كنا مدركين أننا بحاجة إلى قانون صارم يمنع جميع أنواع التمييز”.
ويبدو أن “القانون 50” يعكس أيضا الاستعداد الواضح لدى التونسيين لمواجهة تحيزاتهم العنصرية.
ووفقا لاستطلاع رأي أجرته شبكة الباروميتر العربي للأبحاث لصالح بي بي سي نيوز عربي، فإن 80 في المئة من التونسيين يعتقدون أن التمييز العنصري يمثل مشكلة، وهي النسبة الأعلى في مناهضة العنصرية في المنطقة العربية.
وتشكل نسبة السود في تونس 10-15 في المئة من مجمل السكان، وهم موجودون في الغالب في جنوبي البلاد.
وبموجب “القانون 50” يمكن أن يُعاقب من تثبت إدانتهم باستخدام لغة عنصرية أو ارتكاب أفعال عنصرية بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. كما يمكن للسلطات أن تفرض على المدان غرامة تصل إلى 3000 دينار تونسي (950 دولارا).
قضايا في المحاكم
خلال العام الأول الذي أعقب دخول “القانون 50” حيز التنفيذ، سجل نشطاء 76 حالة تمييز عنصري.
وفي العام التالي، قفز هذا الرقم إلى 285 حالة، أي بزيادة تقارب 400 في المئة.
أما أول إدانة قضائية بالتمييز عنصري بموجب “القانون 50″، فقد كانت عام 2019 في صفاقس، ثاني أكبر المدن التونسية.
وأدانت المحكمة امرأة بتهمة ارتكاب إساءة عنصرية بحق مدرس ابنتها، وهو من أصل أفريقي-عربي. وحُكم عليها بالسجن ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة 300 دينار.
لكن هذه النتائج الإيجابية للقضايا المرفوعة بموجب أحكام “القانون 50” لم تكن مشتركة بين جميع الضحايا.
وتجربة لسعد كريم كانت مختلفة تماما. كان كريم موظفا جديرا وموثوقا به، وكان يحب وظيفته. وقد أمضى 12 عاما في العمل في الشركة نفسها.
ولكن قبل ثلاث سنوات، أصبح لديه مديرة جديدة، وتغير كل شيء.
وأخبرنا كريم أن شخصا جديدا في قسم الموارد البشرية، مارس التمييز العنصري ضده.
وقال “كنت أحب الخروج، والذهاب هنا وهناك، والآن فقدت الرغبة في الذهاب إلى أي مكان أو الخروج من باب بيتي”.
وفي المحكمة، أنكرت المديرة ممارسة أي عنصرية بحق كريم، أو طرده تعسفيا.
وفي وقت لاحق تم رفض القضية بسبب نقص الأدلة.
ورفعت محامية كريم القضية إلى محكمة العمل على أساس فصله التعسفي لأسباب عنصرية. لكن القضية خسرت هذه المرة أيضا.
إرث من العبودية
يذهب “القانون 50” إلى ما هو أبعد من مكافحة التمييز العنصري في تونس في الوقت الحالي. إذ أنه يتعلق أيضا بمحاربة إرث طويل من العنصرية، ويمكن لهذا الإرث أن يتمظهر في تفاصيل شخصية مثل اسم الشخص نفسه.
كمال عتيق زيري، سائق سيارة أجرة أسود البشرة، عانى من العنصرية طوال حياته.
وقد أوضح لنا قائلا “اسمي كمال وكنيتي عتيق زيري. أرغب في إزالة كلمة ‘عتيق’ (باللجوء إلى القانون 50)”.
كانت تجارة الرق رائجة في المنطقة، وخلال قرون طويلة تم بيع ملايين الأفارقة السود كعبيد في جميع أنحاء العالم العربي.
وفي عام 1846 أصبحت تونس أول دولة عربية تمنع هذه التجارة.
لكن لا يزال اسم كمال الكامل يظهر أن أسلافه كانوا مستعبدين. إنه تذكير دائم وغير مرحب به بالنسبة له.
فكلمة عتيق في العربية معناها “عبد محرر”، وعندما يلحق بها اسم فهي تعني أن صاحب الاسم المذكور هو الذي حرر العبد.
والآن، يمنح “القانون 50” لكمال حرية إزالة هذه الكلمة من اسمه، من الناحية النظرية على الأقل.
وتقف المحامية ابتسام جببلي مع كمال وابنته لينا في معركتهما من أجل شطب هذه الكلمة المهينة من اسم العائلة.
والمحامية جببلي ذات بشرة فاتحة، على غرار كافة المحامين التونسيين المتخصصين في قضايا التمييز العنصري الذين قابلناهم.
وقد أبلغت المحامية كمال أن المحكمة قررت شطب كلمة “عتيق” من لقب لينا.
إلا أن كمال لا يزال ينتظر موافقة المحكمة على الطلب الخاص به.
[ad_2]
Source link