الحجاب: لماذا تراجع ارتداؤه في شمال أفريقيا؟
[ad_1]
- مجدي عبدالهادي
- محلل شمال أفريقيا
عادة ما تنشر صور لنساء يرتدين النقاب جنبا إلى جنب مع صور لنساء يرتدين تنورات قصيرة من الخمسينيات أو الستينيات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط على مواقع التواصل الاجتماعية للتعبير عن رأي بعينه.
الرسالة الضمنية وراء ذلك هي: “انظروا كيف أصبح حال المجتمعات العربية خلال الخمسين عاما الماضية”.
وتعتبر تلك الصور بالنسبة لمن يتداولونها أوضح دلالة على تراجع بلدانهم وتخليها عن مفاهيم التقدم والحداثة التي يرمز إليها تبنيهم نمط الحياة الغربي.
ولكن بالنسبة للتيارات المحافظة التي شكلت المنطقة خلال العقود القليلة الماضية، العكس هو الصحيح: إنه تطور إيجابي يرسخ الهوية الإسلامية في مجتمعات ظلت مستعمرة لفترة طويلة، وفُرض عليها نمط الحياة الغربي، في البداية على يد حكام الاستعمار، ثم على يد النخب المستغربة أو المتفرنجة والتي انقطعت صلاتها بثقافتها المحلية.
من المغرب إلى مصر وما ورائهما، تعتبر قضية “الزي الإسلامي”، ولا سيما الحجاب، واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل.
وتشير كل البيانات المتاحة إلى أن انتشار الحجاب في المنطقة يرجع بالأساس لعامل واحد هو صعود الإسلام السياسي، تلك الظاهرة المعروفة أيضا بمطصلح “الإسلاموية”.
وقد شهدت منطقة شمال أفريقيا بأسرها حركات إسلامية قوية إما تولت السلطة أو كانت قاب قوسين أو أدنى من توليها، كما كان الوضع في الجزائر في بداية التسعينيات.
وحتى بعد الإطاحة بها من السلطة، ظلت تلك الحركات تتمتع بنفوذ كبير في المجتمع.
ولكن يبدو أن ذلك الوضع بدأ يتغير، بحسب العديد من المراقبين. ومن بين أكثر الطرق بديهية لتقييم ذلك التغيير هي النظر إلى واحد من الرموز القوية لتأثير الإسلاموية، ألا وهو الحجاب.
يشير العديد من المراقبين إلى أن الأعوام القليلة الماضية شهدت انحسارا منتظما لتلك الظاهرة في شمال أفريقيا.
في موقع اليوم 24 الإخباري المغربي كتب الصحفي سعيد الزغوطي مقالا عن الحجاب مؤخرا جاء فيه: “قد لا نكون في حاجة لكثير من العناء لنكتشف بأن مساحة ارتداء الحجاب في وطننا العربي، وتحديدا في المغرب، قد قلت بشكل نسبي. ويبدو أن هذا التراجع وفي جزء كبير منه قد نتج عن التراجع والانحسار الذي عرفه ويعرفه التيار الإسلامي عموما”.
وتحدثت شابات مغربيات لوسائل إعلامية عن الضغوط الاجتماعية، بل والمضايقات، التي يتعرضن لها عندما يخلعن الحجاب. ولكن يبدو أن ذلك لم يثنيهن.
في تونس، حيث كان يعتبر ارتداء الحجاب في وقت من الأوقات بمثابة تحد للسلطات – إذ كانت تحظره أنظمة الحكم المطلقة التي تعاقبت على البلاد – اكتسب الحجاب شعبية لفترة وجيزة في أعقاب الربيع العربي عام 2011، ولكنه بدأ ينحسر مرة أخرى في الآونة الأخيرة.
وفي موقع إندبندنت عربية، ألقت الصحفية التونسية هدى الطرابلسي الضوء على الدوافع المعقدة وراء ظهور الحجاب في البلاد وما تلى ذلك من تراجعه.
كان الحجاب يعتبر عملا من أعمال المقاومة والمعارضة للنظام العلماني المفروض من قبل السلطات، إبان فترة الحكم المطلق لكل من الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي في أعقاب استقلال البلاد.
ثم اكتسب شعبية خلال الفترة القصيرة التي تلت ثورة عام 2011 والتي شهدت صعود حركة النهضة الإسلامية إلى الحكم، لدرجة أنه أصبح يُروج للمرأة المحجبة على أنها القدوة التي يجب أن تقتدي بها المواطنات التونسيات.
ثم تراجعت تلك الشعبية مرة أخرى مع إخفاق البرلمانات المتتالية التي هيمن عليها الإسلاميون في حل مشكلات البلاد، ورزحت تونس تحت وطأة أزمة اقتصادية وسياسية عميقة.
في مصر أيضا، التي يُزعم أنها البلد الذي شهد ميلاد الحجاب بالشكل الذي نعرفه اليوم، يرتبط ما يبدو انحسارا نسبيا في شعبيته بالمصير الذي آلت إليه جماعة الإخوان المسلمين.
بدأت النساء المصريات في خلع أغطية الوجه التقليدية قبل نحو قرن من الزمان، وبحلول منتصف القرن العشرين، كان الحجاب قد اختفى تقريبا في البلاد.
لكنه عاود الظهور في منتصف السبعينيات عندما أعطى الرئيس المصري آنذاك، محمد أنور السادات، الضوء الأخضر لجماعة الإخوان المسلمين كي تنشط داخل الجامعات لمحاربة خصومه السياسيين من تيار اليسار العلماني، الذين اكتسبوا قدرا هائلا من النفوذ داخل المجتمع خلال العقود السابقة.
وتواصل انتشار الحجاب بشكل مستمر حتى عام 2013 عندما أطيح بالرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي من السلطة.
كان العداء للرموز الإسلامية – وعلى رأسها الحجاب – واضحا في تلك الفترة.
وكانت هناك تقارير إعلامية متواصلة تتحدث عن رفض بعض المطاعم تقديم الطعام للمحجبات، أو حظر بعض حمامات السباحة دخول النساء اللاتي يرتدين البوركيني، وهو لباس البحر الذي يفترض أنه يتوافق مع الشريعة الإسلامية.
واليوم، هناك تراجع ملموس للحجاب يصعب قياس حجمه بسبب غياب استطلاعات الرأي الموضوعية. فالأدلة في معظمها قصصية .
ومع هذا، ما فتئ الحجاب يمثل واحدة من أكثر القضايا التي ينقسم حولها الرأي العام – فهو بمثابة خط صدع ثقافي وسياسي لا يختلف كثيرا عن ذلك الناتج عن قضية الإجهاض في الولايات المتحدة، حيث تتفجر الخلافات السياسية والثقافية حولهما على فترات منتظمة.
وفي مصر مؤخرا، كانت ردود الفعل على طعن شابة جامعية حتى الموت في وضح النهار على يد شخص كانت قد رفضت طلبه الزواج منها صادمة، بقدر ما كانت الجريمة نفسها صادمة.
ما حدث كان جريمة بشعة برأي الجميع، لاقت ما تستحق من إدانات. ولكن بمجرد ما تبين أن الضحية لم تكن محجبة، بدأت ردود الفعل تتنوع وتتفاوت.
فقد حث واحد ممن يطلق عليهم دعاة التلفاز في مصر النساء على تغطية أجسادهن كما ينبغي لكي لا يلاقين مصيرا مماثلا. ما قاله في واقع الأمر هو: “عاوزة تحافظي على نفسك، ألبسي قفة (سلة) وأنت خارجة”.
وعندما حاولت جامعتها تأبينها، طبعت صورة لها تم تعديلها على ما يبدو لكي تبدو وكأنها ترتدي الحجاب.
ردا الفعل كلاهما قوبلا بوابل من الردود الغاضبة من قطاعات المجتمع العلمانية.
الشاب المتهم بقتل الطالبة الجامعية صدر ضده حكم بالإعدام شنقا. ولكن سرعان ما هبت حملة للدفاع عنه، عن شخص مدان بجريمة القتل العمد.
لا أحد يعلم على وجه التأكيد من يقف وراء تلك الحملة، لكن هناك الكثير من الشكوك في أن أثرياء إسلاميين يعيشون في المنفى وكّلوا المحامي الأعلى أجرا في البلاد للدفاع عن المدان في جلسات الاستئناف.
تداول مستخدمو وسائل الإعلام تصريحات سابقة للإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر – المؤسسة الدينية الرسمية في مصر – يقول فيها إن المرأة المسلمة التي لا ترتدي الحجاب تعتبر عاصية ولكن من الخطأ تصويرها على أنها خارجة عن الإسلام.
وبدلا من أن تهدئ هذه التصريحات القطاعات العلمانية في المجتمع، فإنها أثارت حفيظة نشطاء حقوق المرأة وغيرهم من الجماعات ذات الفكر العلماني.
مرة أخرى، فاضت مواقع التواصل الاجتماع بآراء حماسية مؤيدة للحجاب بوصفه فرضا إسلاميا، وأخرى لا تقل حماسة تعرب عن إدانتها ورفضها له.
وعلى الرغم من أن تأييد الحجاب يبدو آخذا في التراجع في المنطقة، ولا سيما بين الشباب، فإن مفهوم كونه جزءا لا يتجزأ من الهوية الإسلامية أصبح مترسخا في شتى أنحاء العالم، لدرجة أنه عندما تفرض أي حكومة – ولا سيما في أوروبا – قيودا على ارتدائه في المؤسسات العامة، تُدان هذه الخطوة باعتبارها حربا على الإسلام ذاته.
كما أن مجرد انتقاد الحجاب في الديمقراطيات الغربية أضحى الآن شبه مرادف لمفهوم “الإسلاموفوبيا”، أو الهجوم على حقوق الأقليات.
ولكن في المجتمعات ذات الأغلبيات المسلمة، ما زال هناك من يعتبر هذه الانتقادات جزءا من حملة مشروعة تهدف إلى تحرير المرأة من التقاليد الخانقة.
[ad_2]
Source link