هل تلعب الدراما في مصر دورا في تصاعد جرائم العنف في المجتمع أم أنها تنقل الواقع؟
[ad_1]
- عاطف عبد الحميد
- صحفي بي بي سي عربي
شهدت مصر في الفترة الأخيرة جرائم قتل بشعة تتسم بقدر غير مسبوق من العنف والوحشية، وهو أمر غريب على المجتمع المصري، ويثير تساؤلات بشأن العوامل التي تسهم في زيادة حوادث العنف والقتل في المجتمع، وليست أعمال الدراما بعيدة عن هذه التساؤلات.
وشهدت مصر في الفترة الأخيرة حوادث عنف وحشية، كان أبرزها مقتل طالبة في جامعة المنصورة على يد زميل لها ذبحها أمام بوابات الجامعة بدافع الانتقام منها لرفضها الارتباط به، كما نقلت صحف محلية.
كما شهد الشهر الماضي العثور على جثة الإعلامية المصرية شيماء جمال في مزرعة بمحافظة الجيزة بعد 20 يوما من اختفائها، وذلك بعد أيام قليلة من حادث مقتل طالبة جامعة المنصورة.
وكشفت النيابة العامة في مصر، في بيان لها، أن المتهم بقتل المذيعة هو زوجها، وأصدرت أمرا بضبطه وإحضاره بعد رفع الحصانة عنه، لأنه عضو في جهة قضائية.
ويرى البعض إن نسبة جرائم العنف في الأعمال الدرامية والسينمائية بشكل عام تزايدت في الفترة الأخيرة، مما قد يلقي باللوم على صناع هذه الأعمال وأبطالها في نشر العنف في المجتمع.
وقد بلغ الأمر حد اعتماد بعض نجوم التمثيل في مصر على العنف كوسيلة لتحقيق الشهرة، بغض النظر عما إذا كانت مشاهد العنف موظفة لخدمة الدراما والمحتوى الفني أم مقحمة على الأعمال بهدف إحداث ضجة على نطاق واسع.
لماذا نلوم الدراما وحدها؟
لكن هل أعمال الدراما وحدها المتهمة بالترويج للعنف، أم أنها تنقل صورة حقيقية لما يحدث بالفعل في المجتمع من أعمال عنف، وتحذر منها؟
يقول محمد عبد الرحمن، الناقد الفني ورئيس تحرير موقع إعلام دوت كوم، لبي بي سي: “نحن أمام قضية جدلية يبدو أنه لم تبذل جهود بحثية حقيقية من أجل التعامل معها، فلا يمكن القول إن الفن وحده محرك للجريمة، ولا يمكن أن يتحول الشخص إلى قاتل لمجرد أنه يشاهد الكثير من الأعمال التي تتضمن مشاهد العنف”.
ويضيف: “المجتمع نفسه هو الذي يخلق هذا العنف من داخله؛ بسبب توافر بعض العوامل فيه، مثل نقاط ضعف في التربية، أو مشكلات في سيادة القانون”.
وعلى مدار سنوات عدة، سيطرت على الساحة أعمال درامية ذات طابع عنيف، استخدم العنف فيها من قبل صناعها كوسيلة لتحقيق نجاح جماهيري في الموسم الأكبر للدراما المصرية في شهر رمضان.
ويقول محمود عزت، وهو ممثل مصري، لبي بي سي: “الفن هو الذي يتأثر بالمجتمع، وهذا لا ينفي أنه يؤثر فيه أيضا، لكن الاعتقاد بأن الفن هو المسؤول عن نشر ظاهرة العنف في المجتمع المصري اعتقاد خاطئ من وجهة نظري”.
ويضيف: “يقدم الفن محتوى ينطوي على عنف، ويجسد أعمالا مستقاة من المجتمع الذي أرى أنه أصبح يحتاج إلى علاج تربوي وعلاج نفسي من خلال مؤسسات أكثر مباشرة في التأثير على المجتمع وأكثر إدراكا لمشكلاته ومعاناته”.
لكن عبد الرحمن يستدرك بالقول: “إن فكرة تفاخر المجرم بما يرتكبه من جرائم وتحوله إلى بطل شعبي في المسلسل أو الفيلم هي فكرة مرفوضة قد تساعد ضعاف النفوس على تكرار تلك الممارسات الإجرامية”.
وأشار إلى أن وصف الجريمة وتناول تفاصيلها في الأعمال الفنية قد يكون من العوامل التي تساعد على تجسيدها على أرض الواقع في المجتمع.
لكنه رفض أن يتحمل الفن المسؤولية وحده عن نشر العنف في المجتمع وأن تكون الدراما هي المتهم الأول في انتشار العنف في المجتمع المصري.
تشكيل السلوك الجمعي
على النقيض من ذلك، ترى هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع، أن للدراما دورا كبيرا ومؤثرا للغاية في تشكيل ملامح السلوك الجمعي للمجتمع، خاصة بين فئات معينة.
وتقول هدى زكريا لبي بي سي: “الدراما لها أثر كبير في المجتمع، خاصة في الفئات الأقل تعليما وثقافة؛ لأن أفرادها ليس لديهم القدرة على معارضة ما يرونه في الأعمال الدرامية، على عكس من يتمتعون بمستويات مرتفعة من التعليم ولديهم الكثير من الوعي الذي يمكنهم من مناقشة ما تطرحه الأعمال الدرامية”.
لكن عبد الرحمن يقول: “لا يمكن تحميل الفن وحده مسؤولية نشر العنف لأن ذلك هو الحل الأسهل لتحميل كل ما يشهده المجتمع من عنف على شماعة الدراما”.
ويقول عزت: “منذ بدء الخليقة، هناك عنف وجريمة، ولا يمكن أن نقول مثلا أن قابيل تأثر بمسلسل ‘عبده موتة’، عندما قتل أخيه هابيل”.
وكان مسلسل “عبده موتة” الذي لعب فيه الممثل المصري محمد رمضان دور البطولة، قوبل بانتقادات بسبب ما تضمنه من “أعمال عنف ومشاجرات”، كما يقول نقاد فنيون، كما وصف بأنه تضمن قدر كبير من مشاهد العنف المجتمعي.
وتساءل عزت عن السبب وراء إلصاق تهمة نشر العنف بالدراما فقط، قائلا: “لماذا لا يكون تراجع التعليم أو انعدام التوعية المجتمعية هما السبب وراء انتشار العنف؟ لماذا نركن إلى إدانة الفن بينما يمكن أن تكون المسؤولية الحقيقية ملقاة على عاتق مؤسسات تعليمية أو تربوية، أو المؤسسات المسؤولة عن الصحة النفسية”.
وركز خبراء على أهمية مستوى الوعي والتعليم والثقافة لمن يتابعون الأعمال الدرامية، كأحد العوامل الأساسية المهمة، بالإضافة إلى البحوث الاجتماعية التي يمكن أن تسهم في معرفة ما إذا كانت الدراما التلفزيونية تلعب دورا مؤثرا في نشر العنف في المجتمع أم لا، وما مدى قوة هذا الدور إن كان موجودا.
وقالت ريهام الهواري، أخصائية علم النفس المؤسسي وتحليل السلوك، لبي بي سي: “الدراما وحدها ليست المتهم الأول في نشر العنف في المجتمع، فهناك عوامل تتعلق بالفرد الذي قد يكون في معاناة نفسية تدخل به في حالة نفسية غير طبيعية نتيجة التعرض للتنمر، أو أي تجربة سيئة أخرى، في المنزل أو المدرسة، أو مكان العمل، ما يجعله مهيئا للتأثر بمشاهد الدراما وتقليدها”.
وأضافت أن “أغلب الدراسات التي أُجريت في هذا الشأن ترجح أن التأثر بالعنف الذي تنطوي عليه الدراما وترجمته إلى عنف في المجتمع الحقيقي غالبا ما يكون بين الأطفال وعلى المدى القصير…”.
وقالت الهواري إن “العنف قد ينتقل من الدراما إلى سلوك الناس في المجتمع عن طريق آلية المحاكاة، وهو ما يلقي الضوء على أهمية دور الآباء والأمهات في تهيئة الأطفال وتزويدهم بمهارات التحليل والنقد التي يمكنهم من خلالها التفريق بين الواقع والخيال، وتقييم ما يعرض عليهم من محتوى درامي، وتقبل ما هو صحيح منه ورفض ما يتناقض مع قيم المجتمع داخل العمل الدرامي”.
أحلام المجتمع وعلاج مشكلاته
ورأت هدى زكريا، التي كانت عضوة في لجنة الدراما في المجلس الأعلى للإعلام المصري، أن الدراما المصرية كانت رائدة في المنطقة العربية وكانت لها أثر كبير في المجتمع من خلال الرسائل التي كانت تتبناها والتي كانت تحاول دائما ربط الناس بالمجتمع وأهدافه.
وقالت “كانت الدراما الأمريكية، والأعمال الفنية في الولايات المتحدة تستهدف في المقام الأول ربط الناس بالحلم الأمريكي، وهو ما يتضح من خلال أعمال درامية وسينمائية كثيرة علاوة على كتب ومؤلفات لها نفس الهدف أيضا”.
وِأشارت إلى أن “الدراما المصرية فقدت الريادة نظرا لتغيرات سياسية واقتصادية مثل إطلاق سياسات الانفتاح الاقتصادي التي وضعت رأس المال في أيدي فئات جديدة أعادت صياغة المحتوى الدرامي ليتناسب مع أهدافها”، وهو ما نتج عنه ما قالت عنه زكريا إنه “تجفيف لوسائل التجانس الاجتماعي”.
وسيطرت مشاهد العنف على كثير من الأعمال الدرامية في الفترة الأخيرة، ويكاد يكون موضوعها الرئيسي، الذي يعتمد على الظلم والانتقام، من الموضوعات الثابتة في الوجبة الدرامية التي يحصل عليها المصريون في شهر رمضان تحديدا، وقد ارتبطت تلك الأعمال الدرامية في الفترة الأخيرة بعدد من نجوم الفن في مصر، وفقا لزكريا.
وأشارت هدى زكريا إلى أن ذلك التحول أدى إلى نقض الاتفاق المجتمعي على القضايا المتعارف عليها، من قيم وأخلاقيات وصواب وخطأ، قائلة: “عندما كنا نتحدث عن حق المواطن المصري في دراما أخلاقية تحض على الالتزام بالقيم، كنا نواجه الكثير من الانتقادات من جانب الكثير من نجوم الفن والدراما، حتى أن أحدهم وصف لجنة الدراما ذات مرة بالفاشية، مما أدى إلى استقالة المخرج الكبير محمد فاضل من رئاسة اللجنة احتجاجا على ذلك الوصف”.
ويسيطر على سوق الدراما التلفزيونية عدد محدود من شركات الإنتاج الفني مثل المتحدة للخدمات الإعلامية، التي أنتجت في موسم دراما رمضان الماضي 14 مسلسلا، ومن قبلها شركة سينرجي، وهما شركتان تشير تقارير مختلفة إلى أنهما مقربتان من النظام.
وتبقى الدراما في دائرة الاتهام من حين لآخر، وخاصة مع ظهور قضية من قضايا العنف المجتمعي أو حوادث اجتماعية من تلك التي تثير ضجة وجدلا في مصر.
ويظل الخلاف قائما حول ما إذا كانت الأعمال الدرامية تزيد من نسبة جرائم العنف في المجتمع أو تجسد الواقع الحقيقي الذي يعيشه أفراد هذا المجتمع.
[ad_2]
Source link