الحج: ماذا يروي المتطوعون عن تجاربهم في خدمة “ضيوف الرحمن”؟
[ad_1]
- سناء الخوري
- مراسلة الشؤون الدينية – بي بي سي نيوز عربي
حظر السفر، الترتيبات الصحية الصارمة، ارتفاع كلفة الحج، الانعكاسات القاسية على إيرادات السياحة الدينية في السعودية… كلها عناوين شغلتنا خلال العامين الماضيين عن التفكير بتجربة الحج كرحلة روحانية.
الحج إلى مكة من أكبر المناسك الدينية في العالم، التي تحشد أشخاصاً من مختلف الجنسيات والأعراق والطبقات الاجتماعية.
هذا العام، سمحت السعودية لمليون حج بالمشاركة في أداء الفريضة، من بينهم 850 ألف زائر من الخارج، بعدما تقلص العدد إلى 60 ألفاً العام الماضي وبضعة آلاف في عام 2020، بسبب الوباء. وقد تجاوز عدد الحجاج في موسم 2019، قبل تفشي كورونا، نحو 2.5 مليون مشارك، بحسب الإحصاءات الرسمية السعودية.
ارتبط تاريخ الحج عند المسلمين، بصعوبة الرحلة ومشاقها، إذ كان كثيرون يموتون في طريق الذهاب أو العودة، ضمن القوافل الآتية لزيارة الحرمين من بلدان بعيدة.
بالطبع لم يعد الأمر كذلك اليوم، مع تسهيلات النقل والإقامة والسفر، ولكن أداء الشعائر لا يزال حلماً بالنسبة لملايين المسلمين، خصوصاً كبار السنّ، الذين قد يدخر بعضهم الأموال لسنوات طويلة، لدفع ثمن التذكرة.
وإلى جانب الجهد الجسدي الكبير الذي يتطلبه السير حول الكعبة وأداء كافة المناسك، وصولاً إلى صعود جبل عرفات ورمي الجمرات، تمثّل الحرارة العالية وضربات الشمس تحدياً صحياً كبيراً، إلى جانب أخطار التدافع كما حصل في مواسم سابقة.
هكذا، لا يصبح الحج تحدياً بالنسبة للحاج وحده، بل أيضاً لشريحة خاصة من الشبان والشابات السعوديين، الذين يشاركون بالتطوع الميداني والصحي لمساعدة من يصفونهم بـ”ضيوف الرحمن”.
يمكن القول إن هؤلاء يحافظون على مهنة المطوفين بالحجاج، ولكن بنسخة حديثة، إذ لم تعد مهامهم تقتصر على السقاية، والطواف، وغيرها من المهام التي مارسها أهل الجزيرة عبر مئات السنين في استقبال الحجاج، بل باتت تتعداها إلى الترجمة، والاسعافات الأولية، والإعلام، وغيرها…
بالنسبة لكثر قد يكون موسم الحج مناسبة للكسب المادي، خصوصاً لقطاعات الفنادق والشركات السياحية المنظمة لرحلات الحج والعمرة. ولكن، بالنسبة لعدد من الشباب والشابات، هي فرصة لتكوين صداقات، واكتساب خبرات، وعيش تجربة روحانية فريدة، في تسهيل مهمة يراها كثيرون منهم مقدسة.
إبراهيم أبو عرب، من جدة، أحد المتطوعين الذين تحدثت إليهم بي بي سي نيوز عربي، ويشارك في موسم الحج عبر البرنامج الصحي التطوعي الذي تنظمه جمعية “درهم وقاية”.
“برهوم” الذي يوثق تجاربه في التطوع عبر يوتيوب، متخصص في التسويق، لكنه يشارك في مجال التطوع الصحي، ولو بمهام بسيطة، مثل رش المياه على الحجاج أو مساعدتهم في تفادي ضربات الشمس.
يخبرنا: “في نهاية كل برنامج تطوعي أكسب علاقات جديدة وأصدقاء مقربين. تسري بيننا طاقة لطيفة وروحانية، كأنني أعرف هؤلاء المتطوعين منذ زمن. وأكثر ما يؤثر بي، هي دعوات الحجاج حين يقولون لي مثلاً “الله يرضى عليك”. أحياناً ألتقي بحاج لا يتكلم اللغة العربية، ولكن من خلال حركاته أفهم أنه يدعو لي”.
إبراهيم واحد من مئات المتطوعين ضمن مبادرات مختلفة، تتوزع بين عدة هيئات ووزارات سعودية من بينها وزارة الصحة ووزارة الحج والعمرة إلى جانب “جامعة أم القرى” والهلال الأحمر السعودي والدفاع المدني وغيرها من الجمعيات الأهلية.
تنسق تلك الجهود المنصة الوطنية للعمل التطوعي، التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، إذ تضمنت “رؤيـة 2030” هدف رفع عـدد الـمتطوعـين مـن 11 ألـف فـي عـام 2016 إلـى مـليون مـتطوع بحـلول عـام 2030.
وتشارك المتطوعات بكثافة في برامج التطوّع كافة، وبحسب مجلس شؤون الأسرة فقد بلغت نسبة المتطوعات في برنامج “كن عونا” التابع لوزارة الحج والعمرة، نحو 59 بالمئة من إجمالي المتطوعين.
يشارك المحاضر في جامعة الفيصل عمر حسن غزاوي، منذ 38 عاماً، في موسم الحج كمطوف لحجاج الدول العربية، ومدرب متخصص في أعمال الحج والعمرة.
ويقول غزاوي لبي بي سي إن مجالات العمل التطوعي خلال موسم الحج كثيرة جداً، إذ يتوزع “المتطوعون بين المشاعر ومراكز تفويج الحجاج وصالة الحجاج، والأعمال الميدانية ما بين إرشاد وسقاية وتوزيع هدايا على الحجيج وإسعافات أولية”.
ويرى أن العمل الميداني “يعد أصعب وأهم أنواع العمل التطوعي، لأنه يتطلب من المشاركين بذل جهود كبيرة، ويعتبر أهم مرحلة يخوضها المتطوع بعد أن يخضع إلى الدورات وورش العمل، وخاصة في مجال توجيه الحجاج في الطرق وأماكن التوقف، والانطلاق للمشاعر المقُدسة والعودة منها، ويزيد هذا العمل مشقة في المواسم الحارة وساعات الذروة، وصعوبة التخاطب بلغة الحاج الأصلية”.
يشير غزاوي إلى أن العمل التطوعي في الحج بات له أهمية كبيرة بالنسبة للشباب، لأنه “أصبح يُسجل رسمياً في سجل الشخص عمله التطوعي ويُحسب له عدد الساعات التطوعية”.
تتنوع البرامج التدريبية للمتطوعين، وتركز كلها على ميثاق أخلاقي يساعد المتطوعين في أداء مهامهم، ومن أبرز بنوده الحفاظ على خصوصية المستفيدين من العمل التطوعي، والتقيد بهيكلية العمل والمرجعيات المعتمدة في منظمته لضمان جودة العمل، وتقديم الخدمات بطريقة حيادية من دون تمييز بين عرف أو لون أن جنسية.
شاركت إيمان أحمد، وهي صيدلانية وطالبة طب، من المنطقة الشرقية في التطوع خلال موسم الحج مرتين: المرة الأولى كانت قبل تفشي وباء كوفيد – 19 عام 2019، والثانية هذا العام.
وثقت إيمان تجربتها في الاستعداد للتطوع وتجربتها الميدانية في كتيب نشرته على الانترنت بعنوان “مذكرات متطوعة في الحج”.
تقول لبي بي سي نيوز: “الدافع الأساسي لمشاركتي هو دافع ديني، وهو ابتغاء الأجر عن طريق خدمتي لضيوف الله أثناء أفضل أيام العام وفي أطهر بقاع الأرض، مكة المكرمة. الدافع الأخر هو حبي للثقافات والشعوب الأخرى. على الرغم أنني لم أسافر حول العالم لكني أقابل العالم بأسره بشعوب الأرض من مشرقها إلى مغربها أمام عيني اثناء التطوع في الحج”.
تخبرنا إيمان أنه رغم المشقة في حرارة الجو المرتفعة، وأعداد الحجاج الكبيرة، فهي تشعر أنه هناك “رحمة ربانية” نعين المتطوعين، وتجعلهم يشعرون بالرضا.
وتماماً مثل إبراهيم، أكثر ما يترك أثراً عند إيمان، قدرتها على التواصل مع الحجاج، خارج حواجز اللغة. تقول: “حين يأتي إلي حاج أو حاجة، بمشاكل في القدم أو ضربة شمس، وأتولى رعايتهم، فيرفعون أيديهم كمن يهم بالدعاء وعلى محياهم ابتسامة شكر ورضا. قد لا أفقه ما يدعون به لكن لغة جسدهم وتعابير وجوههم توحي بالشكر الجزيل”.
[ad_2]
Source link