الروائية “الأرستقراطية” التي اكتشفت ماضي عائلتها المتواضع
[ad_1]
- هيو شوفيلد
- بي بي سي – باريس
لطالما كانت الروائية الإنجليزية دافني دو مورييه، التي توفيت عام 1989، مفتونة بتراث عائلتها الفرنسي.
وقد نشأت مؤلفة رواية “ريبيكا وجامايكا إن” على حكايات عن سلفها الأرستقراطي، إذ جاءت عائلتها إلى لندن خلال الثورة الفرنسية، هربا من المقصلة ومن المتشددين المعروفين باسم سان كيلوت (وهم مجموعة من الطبقات الدنيا برزوا في أواخر القرن الثامن عشر في فرنسا، وأصبح عدد كبير منهم من أنصار الثورة الفرنسية).
ولكن عندما بدأت تبحث في تاريخ عائلتها، اكتشفت أن الأمر أكثر تعقيدا. وأن عائلتها أبعد ما تكون عن طبقة النبلاء، إذ كان أسلافها في الواقع حرفيين برجوازيين وكانت تجارتهم صناعة الزجاج.
ولم تكن العائلة التي هاجرت إلى بريطانيا عام 1790 هاربة من الغوغاء الثوريين، بل جاءت هربا من السجن بسبب تراكم الديون.
من الممكن اليوم اقتفاء أثر خطى دافني دو مورييه، حيث أجرت أبحاثها في فرنسا في الخمسينيات من القرن الماضي، أثناء قيادتها للسيارة حول منطقة بيرش، على بعد 120 ميلا (190 كلم) جنوب غرب باريس، حيث زارت المزارع والقصور ومصانع الزجاج التي تحدثت عنها في قصة عائلتها.
وقد جعلت من عائلتها موضوعا لروايتها التاريخية “صانعو الزجاج” The Glass-Blowers، التي صدرت عام 1963 وتحدثت فيها عن جدها الأكبر روبرت بوسون، وعن جذوره المتواضعة إذ كان يصنع زجاجات العطور في الغابات بالقرب من لومان، وكيف جاء ليكون عراب سلالة دو مورييه الفنية في لندن.
وبدأت دو مورييه أسفارها انطلاقا من المنزل الواقع في قرية “لو غيه دي لونيه” Le Gué de Launay الذي كان في يوم من الأيام منزل أخت جدها، وهي امرأة تدعى صوفي دوفال.
كانت رسائل صوفي، المكتوبة في أربعينيات القرن التاسع عشر والمحفوظة الآن في جامعة إكستر ببريطانيا، هي التي شكلت نواة وأساس جميع الاستقصاءات المستقبلية، لأن صوفي استعرضت في تلك الرسائل الكثير من جوانب حياتها الطويلة. وقد ولدت صوفي في ستينيات القرن الثامن عشر، وكان والدها وأخوها وفيما بعد زوجها، جميعهم صانعي زجاج.
وقد اختارت دافني دو مورييه المشهد الافتتاحي لروايتها ( صانعو الزجاج) The Glass-Blowers ليكون على شرفة ذلك المنزل الذي ما زال كما كان دوما، مخبأ وسط الوديان والمراعي المليئة بالأشجار.
تقول ماري بويسون، المالكة الأنجلو-فرنسية الحالية للمنزل، وهي من أشد المعجبين بدو مورييه: “أتت دافني دو مورييه إلى هنا بهدف الشعور بروح المكان الذي سيكون افتتاحية روايتها”.
وتضيف “اعتدنا في صبانا على قراءة كتبها تحت أغطية الأسرة في الدير الذي كنت أعيش فيه، والآن أتساءل: من كان ليظن أن المطاف سينتهي بي في منزل جدها؟”.
لا يزال هذا الجزء من فرنسا مليئا بالغابات، إلا أن وضعه الحالي لا يقارن بما كان عليه في القرن الثامن عشر حيث كانت الغابات موجودة بشكل أكبر. هذا العامل بالإضافة إلى وصول الحرفيين الإيطاليين للمنطقة في وقت ما من العصور الوسطى، غير محدد على وجه الدقة، أدى إلى أن تصبح هذه المنطقة واحدة من المراكز الرئيسية في البلاد لصناعة الزجاج في عصر ما قبل الثورة الصناعية.
يقول برنارد مالكور، الخبير في مصانع الأواني القديمة والزجاج: “لصنع الزجاج، تحتاج إلى ثلاثة أشياء: الخشب والطين والرمل.. وهنا كانت جميعها متوفرة بكثرة”. تعيش عائلته في قرية لو بليسيه دوران Le Plessis-Dorin القريبة منذ عام 1803.
وفي تلك القرية بالتحديد كان يوجد أحد المصانع التي أدارها أسلاف دافني في السنوات التي سبقت الثورة الفرنسية. في الواقع، أثناء وجوده هنا، بدأ سلف دو مورييه، روبرت بوسون، نشاطه التجاري الذي انهار في النهاية، مما دفعه للمغادرة بأقصى سرعة ممكنة.
استمر المصنع الأصلي في العمل حتى الخمسينيات من القرن الماضي، حيث قام بتوظيف المئات من العمال المحليين وتوفير القوارير لصانعي العطور مثل غيرلان وكوتي Guerlain و Coty. ولكن بعد ذلك، وكما هو الحال بالنسبة لجميع الحرفيين المتخصصين بصناعة الزجاج، كان عليهم مواجهة أوضاع اقتصادية صعبة، إذ باتو غير قادرين على التنافس مع المصانع الجديدة الكبيرة، وجراء ذلك اضطروا للإغلاق.
لكن الغابات والحقول لها ذكرياتها.. وهناك عشرات من أسماء الأماكن التي تحمل كلمة الأواني الزجاجية، ولا يزال السكان المحليون يكتشفون كتلا مما يشبه الصخور الزجاجية: وهي رواسب منصهرة من الأفران، وقد تم استخدامها لتحديد الممرات الموحلة.
يقول فريديريك دي مونتالمبير الذي يمتلك قصر شاتو دو لا بيير Château de La Pierre: “على مر القرون، كان هناك مئات من مصانع الزجاج في الغابات، وكانت تستهلك الخشب في منطقة معينة، ثم تتبعها بأخرى”.
أدار ماثورين بوسون، أعمال الزجاج في منطقة دولا بيير عندما كان روبرت صبيا. خلال تلك الفترة مُنحت العائلة التي كانت تنتمي لطبقة الحرفيين العليا، الإذن بالعيش داخل القصر.
هل أعطى هذا لروبرت بوسون أوهام العظمة؟ كل ما نعرفه هو أنه بعد أن غادر إلى لندن، اتخذ من دو مورييه كنية له، مما يعطي انطباعا بأنه يحمل لقبا ارستقراطيا.
ومن روبرت بوسون دو مورييه انحدرت السلالة التي تصل إلى دافني.
وينحدر من تلك السلالة عدد من المشاهير في مجال الفن، كان ابن روبرت مخترعا، وكان ابنه – جد دافني – الروائي ورسام الكاريكاتير جورج دو مورييه.
وقد كان جورج مشهورا في عصره كما دافني في عصرها. ويعزى الفضل لرسومه الكرتونية في خلق روح الدعابة البريطانية الحديثة، في حين أن روايته ( Trilby:apart from indirectly giving the name to the hat) تعد من أوائل الروايات التي حققت نجاحا جماهيريا واسعة عندما حُولت إلى فيلم سينمائي.
أما ابنه، الممثل والمدير جيرالد دو مورييه فهو والد دافني.
هل آمنت كل هذه الأجيال من دو مورييه بماضيها الأرستقراطي المفترض؟ أم أنها قد راودها الشك في زيف هذا الماضي؟
في الواقع لا توجد إجابة واضحة، لكن يبدو أن دافني قد اقتنعت برواية والدها عن أنهم ينتمون لطبقة “النبلاء”، لذلك بدا اكتشافها لجذور العائلة المتواضعة بمثابة مفاجأة.
تقول الأكاديمية الأمريكية آن هول، التي تعيش في منطقة بيرش وقد أجرت دراسة حول أصول دو مورييه الفرنسية: “لم تكن مغرورة على الإطلاق..لذلك كانت فخورة جدا عندما اكتشفت أن أسلافها كانوا حرفيين”.
لكن آن هول تقول إنه ربما كان هناك القليل من نسج الأساطير العائلية أيضا، فقد اكتشفت أن جورج دو مورييه، المولود في باريس عام 1834، أمضى إجازاته عندما كان صبيا مع خالته الكبرى صوفي دوفال.
وبما أن دوفال كانت تجسيدا حيا للارتباط مع الماضي المتعلق بصناعة الزجاج، فمن المؤكد أنه كانت لديه فكرة ليست بالبسيطة عن تاريخ العائلة.
بالنسبة إلى دافني دو مورييه، فإن نهاية الرحلة كانت في منطقة تبعد ساعة بالسيارة إلى الجنوب من مصانع الزجاج في لا بيرييه ولو بليسه دورين، في مصنع زجاج مهجور آخر، يسمى شيريني Chérigny.
في ستينيات القرن الثامن عشر، كان ماثورين بوسون يعمل في هذا المكان كما أنه أسس عائلته فيه.
كانوا يعيشون في مزرعة صغيرة، في كوخ اسمه لو مورييه، وفي عام 1747 ولد روبرت بوسون، الذي هاجر فيما بعد إلى إنجلترا، وقد أخذ “لقبه” على ما يبدو، من ذلك الكوخ حيث أبصر النور لأول مرة.
لا تزال تلك المزرعة موجودة، وهي واحدة من بين مليون مزرعة فرنسية تحتاج أن تقود سيارتك لمسافة ميل عبر مسار متعرج للوصول إليها.
تعيش عائلة ليون Léons وتعمل في تلك المزرعة منذ 80 عاما، وغالبا ما يستقبلون سياحا مهتمين بعائلة دو مورييه.
يتذكرون أن دافني نفسها جاءت لزيارتهم، وفي الكوخ هناك تذكار يثبت ذلك.
إنها نسخة فرنسية ذات غلاف ورقي من رواية صناع الزجاج The Glass-Blowers، تحمل إهداء شخصيا بخط يدها.
[ad_2]
Source link