القرم: قصة حرب شاركت فيها مصر وتونس ضد روسيا
[ad_1]
في مثل هذا الوقت من عام 1853 أمر قيصر روسيا نيكولاي الأول جيشه المكون من 35 ألف جندي بالهجوم على إمارتي الدانوب “مولدافيا ووالاشيا” (رومانيا الحالية) في البلقان، وهي مناطق كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية حينئذ، وعلى أثر ذلك اندلعت حرب القرم التي استمرت حتى فبراير/شباط من عام 1856.
وقد هُزمت الإمبراطورية الروسية في هذه الحرب أمام تحالف ضم الإمبراطورية العثمانية وفرنسا وبريطانيا ومملكة سردينيا، وشاركت قوات من مصر وتونس في هذا التحالف.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 25 ألف بريطاني و 100 ألف فرنسي وما يصل إلى مليون روسي لقوا حتفهم في تلك الحرب ومعظمهم مات من المرض والإهمال.
فما هي قصة تلك الحرب؟
في نهاية الحروب النابليونية، اجتمعت القوى العظمى في فيينا لاستعادة النظام الأوروبي الذي يقوم على توازن دقيق بين مختلف القوى الكبرى والصغرى، وهو النظام الذي “حد من عدوان الأقوياء، وأيد حقوق الضعفاء”.
وكانت تلك القوى تأمل في بناء سلام دائم من خلال قمع الجمهوريات الثورية ودعم الملكيات المستقرة. وعلى الرغم من الأهداف والطموحات المتباينة لروسيا وبروسيا والنمسا وبريطانيا وفرنسا فقد تم التوصل إلى تسويات.
وبعد معاهدة فيينا تمتعت القوى العظمى في أوروبا بثلاثة عقود من السلام، وهي سنوات تم فيها قمع الضغوط الصناعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والقومية. لكن في النهاية انهار نظام فيينا، وكانت المشكلة الأولى هي ضعف الإمبراطورية العثمانية التركية، والفرص التي أتاحها ذلك للتدخل الأوروبي لدعم رعايا الإمبراطورية العثمانية المسيحيين.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن تلك الحرب اندلعت بسبب صراع القوى العظمى في الشرق الأوسط وكان سببها بشكل مباشر مطالب روسيا بممارسة الحماية على الرعايا الأرثوذكس للسلطان العثماني، والخلاف بين روسيا وفرنسا حول امتيازات الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية في الأماكن المقدسة في فلسطين.
وقد استغل الرئيس الفرنسي، لويس نابليون بونابرت، الضعف التركي لتأمين تنازلات للكنيسة الكاثوليكية في فلسطين، على أمل الحصول على دعم التيار المحافظ لانقلابه المزمع.
وحينئذ قام القيصر الروسي نيكولاي الأول بإرسال مهمة لاستعادة الحقوق الأرثوذكسية، وقد فتح الأتراك الطريق للطرفين على أمل تسوية القضية.
وبعد تأسيس الإمبراطورية الفرنسية الثانية في عام 1852، فقد لويس نابليون الثالث اهتمامه بالدولة العثمانية، لكن القيصر الروسي نيكولاي قرر تسوية مسألة “رجل أوروبا المريض” مرة واحدة وإلى الأبد، وتوقع الدعم من بروسيا والنمسا وبريطانيا، فقد خطط لتقسيم الجزء الأوروبي من تركيا.
لكنه كان مخطئا، فلا بريطانيا ولا النمسا تريدان رؤية روسيا تسيطر على الدردنيل، وقد انضمت فرنسا إلى بريطانيا في دعم تركيا.
في يوليو/تموز من عام 1853، احتلت روسيا إمارتي الدانوب (مولدافيا ووالاشيا) للضغط على إسطنبول، لكن ذلك هدد شريان الحياة الاقتصادي للنمسا، وهو نهر الدانوب.
وبالنسبة إلى “الرجل المريض”، أثبتت تركيا حنكتها بشكل ملحوظ، إذ تجاوزت موقف النمسا وبريطانيا وفرنسا، وهي دول كانت تفضل حينئذ التسوية الدبلوماسية، وأعلنت الدولة العثمانية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1853 وهاجمت الروس.
وقد أرسل السلطان العثماني عبد المجيد الأول إلى كل من خديوي مصر عباس باشا الأول، وكانت مصر في ذلك الوقت تابعة اسميا للدولة العثمانية، والمشير أحمد باي بن مصطفى، باي تونس، طالبا الإمدادات العسكرية، وقد استجاب الاثنان لطلب السلطان، وأرسلا قوات حاربت إلى جانب الأتراك ضد الروس.
وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، أباد أسطول البحر الأسود الروسي الأسطول العثماني في سينوب.
وقد اعتبرت بريطانيا، التي كانت حريصة على تأمين تجارتها مع تركيا والوصول إلى الهند من خلال الحفاظ على النظام العثماني، أن ما لحق بالعثمانيين من هزيمة في سينوب بمثابة إهانة.
كما كانت الإمبراطورية الفرنسية في حاجة ماسة إلى المجد العسكري والانتقام لهزيمتها على يد روسيا في عام 1812.
مهلة نهائية
طالبت بريطانيا وفرنسا روسيا بالجلاء عن إمارتي الدانوب، وحددتا مهلة نهائية تنتهي في أواخر مارس/آذار من عام 1854، وقد تم تحديد هذا التوقيت الذي يتزامن مع تفكك جليد البلطيق قبالة ريفال (الاسم السابق لتالين عاصمة أستونيا) حيث كان البريطانيون يأملون في القضاء على جزء من أسطول البلطيق الروسي هناك.
ولطالما رأت بريطانيا أن أداتها الرئيسية للضغط على روسيا هي القوة البحرية في الشمال. وفي النهاية، كانت عاصمة روسيا على ساحل بحر البلطيق بالقرب من بولندا التي تمثل أيضا مصدر قلق أمني كبير للندن.
وانتهى الإنذار دون إذعان روسيا فقام الأسطول الأنجلو-فرنسي القوي في بحر البلطيق بتدمير القلعة الرئيسية في بومارسوند في أغسطس/آب من عام 1854.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 1854، كان للحلفاء بالفعل جيش قوامه 60 ألفا في تركيا للدفاع عن إسطنبول. ثم انضمت النمسا إلى المطالب الفرنسية والبريطانية بأن تقوم روسيا بالجلاء عن إمارتي الدانوب، وهو ما وافق عليه القيصر نيكولاي الأول كي يتجنب دخول النمسا الحرب.
ومع انسحاب القوات الروسية من الإمارتين احتلتهما النمسا. وبحلول أوائل أغسطس/آب، أقامت القوات النمساوية حاجزا محايدا بين الطرفين المتقاتلين.
وقد أجبر ذلك جيش الحلفاء، الذي انتقل إلى فارنا على الساحل البلغاري، على تغيير استراتيجيته.
وتبنى الحلفاء في ذلك الوقت خطة بريطانية للإنزال في شبه جزيرة القرم في شمال البحر الأسود، ومهاجمة القاعدة البحرية في سيفاستوبول وتدمير الأسطول الروسي وحوض بناء السفن هناك.
وتوقع الحلفاء أن يستغرق هذا الأمر 12 أسبوعا، لكنه استمر لمدة عام شهد معارك برية كبرى واشتباكات عديدة بين جيشين كبيرين ومجهزين تجهيزا جيدا.
وكانت معركة ألما في 20 سبتمبر/أيلول من عام 1854 هي الأولى التي تم فيها استخدام البنادق الجديدة من قبل البريطانيين والفرنسيين، وهو الأمر الذي مكن الحلفاء من إخراج الروس من موقع قوي شمال سيفاستوبول.
لكن الحلفاء فشلوا في مهاجمة سيفاستوبول مباشرة، وساروا حول المدينة لبدء حصار منتظم من الجنوب، وقد أتاح ذلك للروس وقتا لتحصين المدينة وشن هجمات على الحلفاء من جيشهم المتمركز في شبه جزيرة القرم، وقد انتهت الهجمات الروسية بالفشل ولحقت بهم خسائر فادحة.
في ربيع عام 1855، بدأ الحلفاء في شق طريقهم إلى سيفاستوبول، وقطعت الزوارق الحربية البريطانية خطوط الإمداد الروسية عبر بحر آزوف.
وبعد هجوم مضاد يائس أخير في أغسطس/آب من ذلك العام، قام الروس بالجلاء عن المدينة وإخلائها بعد اقتحام القوات الفرنسية لمعقل مالاخوف الحيوي في 9 سبتمبر/أيلول من عام 1855.
وقد شرع الحلفاء في تدمير الموانئ في أطراف الإمبراطورية الروسية.
معاهدة باريس
مع حرص فرنسا على إنهاء الحرب وجني ثمار النصر، احتاجت بريطانيا إلى استراتيجية لضمان قبول الروس لنزع السلاح من البحر الأسود والتسوية الأوروبية للمسألة التركية.
ودعم حشد القوات البحرية لشن هجوم على كرونشتاد – سان بطرسبرغ مطالب الحلفاء، وفي أوائل عام 1856 قبلت روسيا المبادرة النمساوية الفرنسية.
ولم تقتصر العمليات العسكرية للحلفاء على شبه جزيرة القرم والبلقان، بل هاجم الحلفاء روسيا أيضا في البحر الأبيض والمحيط الهادئ، لكن كانت البطولات والخسائر الفادحة في شبه جزيرة القرم جنبا إلى جنب مع العمل التمريضي الرائد للممرضة البريطانية فلورانس نايتنغيل هو ما سيطر على الأعمال الأدبية.
وتم تجاهل ما حدث في بحر البلطيق، حيث وقعت العديد من الأحداث الرئيسية، لأن الخسائر هناك كانت ضئيلة.
وبموجب معاهدة باريس الموقعة في 30 مارس/آذار من عام 1856 أعادت روسيا جنوب بيسارابيا ومصب نهر الدانوب إلى الدولة العثمانية، ووُضعت مولدافيا ووالاشيا وصربيا تحت ضمان دولي وليس روسي، كما وعد السلطان العثماني باحترام حقوق رعاياه المسيحيين، وتم منع الروس من الحفاظ على أسطول بحري في البحر الأسود أو إعادة تحصين بومارسوند.
الخسائر البشرية
من الناحية العسكرية، مثلت هذه الحرب منتصف الطريق بين معركة واترلو والحرب العالمية الأولى حيث استخدمت الجيوش الزي والتكتيكات النابليونية لكنها حسنت الأسلحة، وشددت على الأهمية القصوى للوجستيات، والتحصينات، والقوة النارية.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت هذه الحرب أول استخدام عسكري للعديد من الابتكارات مثل السفن الحربية المدرعة، والتلغراف الكهربائي العابر للقارات، والألغام البحرية، والتصوير الفوتوغرافي للحرب.
وسارع الخبراء الأمريكيون إلى زيارة شبه جزيرة القرم ونشروا تقريرا كاملا عن “فن الحرب في أوروبا” في عام 1861 قبيل اندلاع الحرب الأهلية في بلادهم.
وكانت الخسائر البشرية هائلة حيث لقي 25 ألف بريطاني و100 ألف فرنسي وما يصل إلى مليون روسي حتفهم وكلهم تقريبا بسبب المرض والإهمال.
التغطية الإعلامية
شهدت هذه الحرب أول تغطية إعلامية ميدانية مثلها مراسل صحيفة التايمز ويليام هوارد راسل الذي أرسل برقيات مباشرة من الخطوط الأمامية.
وقد استحوذت تقاريره، التي غالبا ما كانت مبالغا فيها أو متحيزة، على انتباه الجمهور، ولعبت دورا كبيرا في إسقاط حكومة رئيس الوزراء اللورد أبردين في يناير/كانون الثاني من عام 1855.
وأعادت صور روغر فينتون الحياة إلى ساحات القتال في القرم، بينما مكن التلغراف الكهربائي الأخبار من السفر عبر القارة في ساعات وليس أسابيع. وكان ذلك بمثابة قفزة هائلة إلى الأمام في طريقنا إلى عصر التغطية العالمية الفورية بواسطة الأقمار الصناعية.
وأعرب العديد من الضباط عن أسفهم لوجود المراسلين العسكريين، معتبرينهم مصدر تسريبات أمنية، وحاولوا دون جدوى السيطرة على الأخبار.
وألهمت التقارير التي تتحدث عن معاناة المرضى والجرحى، عددا من المنظمات والأفراد للتوجه إلى منطقة الحرب لتقديم المساعدة للجنود.
وأصبحت الممرضة البريطانية فلورنس نايتنغيل بطلة وطنية على الرغم من أن عملها كان في الأساس في إدارة مستشفى. وبحلول عام 1856، اهتمت بريطانيا بصحة جنودها وواصلت فلورنس نايتنغيل حملتها بلا كلل لتحسين ظروفهم.
[ad_2]
Source link