التثقيف الجنسي في العالم العربي: فقر في المحتوى وهالة من العيب والعار
[ad_1]
- جوليان الحاج
- بي بي سي نيوز عربي
في استديو صغير شرق لندن التقينا شبانا وشابات عرب لنتحدّث معهم عن الجنس والتثقيف الجنسي. لم يكن سهلا الوصول إلى أشخاص يقبلون الحديث حول الموضوع بشكل منفتح.
تجلس هالة، من مصر، أمام خلفية صفراء كبيرة، نسألها إن كانت بخير وهل هي مستعدة للإجابة عن أسئلتنا.
“أنا بخير، إلى أن يرى والدي هذه المقابلة”، تجيب ضاحكة، وتضيف: “يلفّ هذا الموضوع عار وعيب وقلّة أدب…”
محمد من سوريا يقول إن ثمة عدم أريحية عند التحدث عن الجنس، لأن الموضوع يُعتبر من المحرمات في العائلة والمجتمع.
لكن في النهاية مهما حاولنا تفادي الحديث عن الجنس يبقى جزءاً مهما من تكويننا كبشر، ما يجعل التثقيف حياله أساسي.
فقر في التثقيف
الواقع أن العالم العربي يفتقر كثيرا إلى التثقيف الجنسي، هذا ما يؤكّده تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان صدر عام 2020.
هذا النقص ينعكس ارتفاعا في حالات الحمل والإجهاض لدى المراهقات، وارتفاعا في نسبة الأمراض المنتقلة جنسيا وفي العنف الجنسي ورهاب المثلية.
وتؤكد منظّمة الصحة العالمية أن نشر التثقيف الجنسي يساهم في كلّ هذه المستويات وبالتالي فإن أثره مفيد للمجتمع على أصعدة عدّة.
التثقيف الجنسي حماية للأفراد
ليس التثقيف الجنسي تشجيعاً على ممارسة الجنس كما قد يعتقد البعض. الواقع أن الجنسانية موجودة لدى كل الأشخاص، والغاية من التثقيف الجنسي إيصال المعلومات العلمية لفهم الجسد والرغبات والشريك بحيث تكون التجربة الجنسية آمنة وصحية.
تشدّد الأخصائية في الطب الجنسي ساندرين عطالله على دور التثقيف الجنسي في حماية الأفراد والمجتمع. تقول إنه يزيد من ثقة الأشخاص بأنفسهم ويصحح مفاهيم خاطئة.
وتضيف: “كثيرون يعتقدون أن أحجام أعضائهم غير عادية أو كافية لممارسة الجنس، أو يظنون أن العملية الجنسية تتسبب بأوجاع كثيرة أو تتطلب مهارات جسدية متقدّمة.”
تربط عطالله هذه المعتقدات بتأثير الأفلام الإباحية في أذهاننا وتتابع: ” لكل شخص طريقة في الاستمتاع بالجنس وليس عيبا أن نطرح أسئلة ونستشير طبيبا إذا عانينا مشاكل، تماما كما نفعل إذا واجهنا أي حالة جسدية أو نفسية أخرى.”
الجنس والمناهج الدراسية
يتفق الشباب الذين التقيناهم، والذين كبر معظمهم في العالم العربي قبل أن ينتقلوا لبريطانيا للعمل أو الدراسة الجامعية، على أنهم لم يتلقّوا معلومات كافية عن الجنس في المدرسة، سواء في سوريا، مصر، السعودية أو تونس.
يقول حنّا من سوريا إن المدرسين لم يتطرّقوا يوما إلى الفصل الذي كان يفسّر عملية الإنجاب، رغم فضول الطلاب الكبير.
أما هالة فتخبرنا عن “حمّام البنات” حيث كانت الفتيات يلتقين في المدرسة ويتحدّثن في الأمور الجنسية ويطرحن الأسئلة بعضهنّ على بعض.
وتكشف غادة من تونس أنها كانت تعتقد أن مدرّسة العلوم تخفي معلومات عنها. في الواقع، معظم المشاركين من الشباب كانوا يعتقدون في مرحلة معيّنة أن القبلة قد تسبب الحمل.
عام 2019 أصبحت تونس البلد العربي الوحيد الذي أعلن إدراج التربية الجنسية في المناهج الدراسية، إلّا أن ذلك لم يطبّق بعد.
ويعتبر المعالج النفسي التونسي أنس العويني أن على أولياء الأمور والحكومات الثقة بالطب وبعلم النفس واعتماد العلم حصرا في نشر التوعية وتصحيح الأفكار الخاطئة.
ويضيف العويني: “العلم تطوّر كثيرا، والمؤسف أن نحرم أولادنا من هذا الكم من المعلومات القيّمة.”
إضافة التثقيف الجنسي إلى المناهج يواجه تحدياً آخر بحسب العويني: عدد المدرّسين المؤهلين لشرح هذه المواضيع ليس كافيا وبالتالي هناك حاجة إلى عقد دورات تدريبيةـ إلى جانب توظيف خبراء ومتطوعين لنشر الثقافة الجنسية ومراقبة المحتوى.
يعتبر أنس العويني أن المسؤولية في هذا الأمر تقع على عاتق الدولة: “على الحكومات أن تتخذ قرارات جريئة تعود بالفائدة على المجتمع، حتى لو واجهت هذه القرارات معارضة شعبية كبيرة، ألم يكن هكذا الحال حين فرضت الدول إجراءات للحد من انتشار وباء كورونا لحماية مواطنيها؟”.
الجنس والإنترنت
إلى حد بعيد تعد المبادرات الفردية والجمعيات الأهلية المصدر الوحيد للمحتوى الجنسي التثقيفي العربي. كما أن ثمة صفحات كثيرة نراها عبر مواقع التواصل، خاصة في لبنان ومصر وتونس، تهدف إلى نشر معلومات بطريقة علمية.
الصفحات هذه تلقى اهتماما وتفاعلا كبيرين. والتعليقات تظهر تنوّعا بين مستفيدين جدّيّين، وبين حسابات بأسماء وهمية وأشخاص يسخرون من المحتوى ويستفيدون من الاختباء وراء الشاشات للتعبير عمّا قد يخشون البوح به في العلن.
قد يظن البعض أن وجود المحتوى الجنسي على الإنترنت كافٍ وبالتالي يمكن للمهتمين البحث عن حاجتهم، فلا ضرورة لمناقشة هذه الأمور مع أولياء الأمور أو في الصفوف الدراسية.
لا يوافق المعالج أنس العويني على ذلك، لأن المحتوى عبر الإنترنت يحتوي غالبا على مغالطات تماما كأي موضوع صحي آخر، وبالتالي من المهم التوجه إلى صفحات الاختصاصيين وتلقي معلومات علمية ودقيقة، كما يقول.
الدكتورة ساندرين عطالله تنشط على مواقع التواصل، ويثير المحتوى الذي تنتجه بلبلة في كثير من الأحيان، خصوصاً أن الفيديوهات التي تنشرها تتلقى تبليغات كثيرة وبالتالي تحذف عن المنصات، من دون أن يُنظر بدقة إلى المضمون.
وتلاحظ دكتورة عطالله أن الفيديوهات المتعلقة بالرجال لا تتعرض لتبليغات كثيرة، في حين أنّ تلك المتعلقة بالنساء ورغباتهن، تحذف بعد كمّ هائل من التبليغات.
وفي السياق تقول إن اهتمام النساء الصامت بالمضمون الذي تقدّمه كبير جداً. وتشرح: “النساء معظم الأحيان لا يعلّقن على المحتوى خشية التعرض للتنمر أو التحرش عبر الإنترنت، لكنهن يتابعن ويتفاعلن كثيراً في الرسائل الخاصة”.
وترى عطالله أيضاً تقدّماً واضحاً في تطبيع السرديات المتعلقة بالجنس في المجتمع: “أرى أن كثيرين ممن لم يجرؤوا يوما على التحدث عن الجنس، بات عندهم فضول المعرفة ويتقبلون مناقشة الموضوع في أطر معيّنة.”
الجنس واللغة
للغة دور مهم في التثقيف الجنسي. يقول الشباب الذين التقيناهم في لندن أنهم تعلّموا الألفاظ البذيئة المتعلقة بالجنس ولا يعرفون الكلمات العلمية باللغة العربية. تقول هالة إن الكلمات المتعلقة بجسد المرأة “تعتبر مسبّة”.
بالنسبة إلى الدكتورة عطالله من المهم جدا تعلّم التعابير المناسبة: “في الغالب إمّا نستخدم الكلمات البذيئة مما يوحي أن الجنس شيء قذر ومبتذل، أو نستخدم الكلمات الطفولية والساخرة مما يقلّل أهمية الجنس وجدية الموضوع”.
وتتابع: “هناك نساء إذا وضعن مرآة أمام أعضائهن التناسلية لا يعرفن تسمية هذه الأعضاء، كمن ينظر إلى وجهه ولا يعرف أن يميّز بين العين والفم”.
لا يزال المحتوى الجنسي التثقيفي في العالم العربي يواجه حواجزَ عدة: القوانين، والدين، والنظرة المجتمعية العامة. لكنّ لدى الشباب الذين تحدّثنا إليهم تعطّشاً لفهم المزيد عن هذا العالم.
يقول أحدهم: “أتمنى لو أن أحداً فسّر لي في مرحلة ما من مراهقتي، أن الموضوع ليس كما كنت أعتقد”.
وتقول مشارٍكة أخرى: “سبب وجودنا في هذا العالم هو العملية الجنسية، فلماذا هي محاطة بكل هذه الهالة من العيب والحرام؟”
هذا المقال من سلسلة “لم لا؟” عبر بي بي سي عربي وهي مجموعة مقالات وفيديوهات تفسيرية تطرح موضوعات تثير فضول الشباب في مجالات التعليم والصحة النفسية والاستدامة.
[ad_2]
Source link