غوانتانامو: نعيش “في وضع أسوأ من السجن” بعد إطلاق سراحنا
[ad_1]
- جول غونتر
- أخبار بي بي سي
لم يكن منصور الضيفي يعرف أي شيء عن صربيا عندما زاره وفد من حكومتها في عام 2016، وكان آنذاك قد قضى 14 عاما في معتقل غوانتانامو.
الأمر الوحيد الذي كان الضيفي يعلم به هو أن القوات الصربية ارتكبت مجازر بحق المسلمين البوسنيين إبان الحرب التي شهدتها منطقة البلقان في تسعينيات القرن الماضي.
وقال إن كل السجناء الذين كان سيطلق سراحهم من غوانتانامو في تلك السنة كانوا يعرفون تلك الجزئية التاريخية، ولذا لم يرغب أي منهم بالتوجه إلى صربيا.
في ذلك الوقت، كان الضيفي قد قضى كل شبابه في غوانتانامو، إذ أُسر في أفغانستان عندما كان في الـ 19 من عمره، واحتجز بدون تهمة حتى بلوغه الثانية والثلاثين، وكانت السلطات الأمريكية قد خفضت في السنة السابقة رسميا تقييمها له، واعترفت بأنه لا يمكن الجزم أنه كان مرتبطا بتنظيم القاعدة أصلا، وأنها (أي السلطات الأمريكية) قد قررت إخلاء سبيله بموجب نظام معقد من الاتفاقات السرية كان الهدف منها إعادة توطين المحتجزين في دول أخرى.
كان الضيفي يرغب في التوجه إلى قطر حيث يقيم عدد من أقاربه، أو إلى عُمان التي تتمتع عند مجتجزي غوانتانامو بسمعة طيبة لمعاملتها المحتجزين المطلق سراحهم معاملة حسنة. ولكن عندما حان وقت اجتماعه بالوفد الذي سيأخذه إلى بلده (أي بلد الوفد) في المعسكر السادس في غوانتانامو، اكتشف الضيفي فريقا صربيا بانتظاره. يقول إنه استمع إليهم ثم رفض عرضهم بأدب.
“قلتُ لهم شكرا جزيلا، ولكني أعرف التاريخ.”
وحسب ما يقول الضيفي، فإن رئيس الوفد الصربي طمأنه وأكد له بأن المسلمين مرحب بهم في صربيا. وقال له إن الحكومة (الصربية) ستعامله كمواطن وستساعده على إكمال دراسته وستمنحه عونا ماليا وتزوده بجواز سفر وبطاقة هوية. أي، باختصار، سيساعدونه في بدء حياة جديدة.
ولكن في أعقاب الاجتماع، أخبر الضيفي المسؤولين الأمريكيين في غوانتانامو بأنه لا يرغب في الذهاب، ولكنه قال إن هؤلاء كانوا صريحين حول مدى تأثيره في العملية – حسب قوله.
وقال، “جاءت مندوبة عن وزارة الخارجية (الأمريكية) لزيارتي في أعقاب الاجتماع مع الوفد الصربي، وقالت لي، ‘منصور، ليس لك خيار، أنت ذاهب إلى صربيا’.”
يبلغ الضيفي من العمر 39 عاما، ويتمتع بكاريزما وهو سريع الابتسام، وله صفات طفولية يرجعها لسجنه في الوقت ذاته الذي كان في طور التحول إلى رجل بالغ. وبدأت رحلته الطويلة إلى بلغراد في اليمن حيث نشأ في قرية تفتقر إلى المياه النظيفة والطاقة الكهربائية.
وعندما كان مراهقا، انتقل إلى العاصمة صنعاء لإكمال تعليمه ودراسة علوم الحاسوب. وحسب روايته، رحل إلى أفغانستان في عام 2001 في مهمة لمساعدة باحث في شؤون تقنية المعلومات رتبها أحد المعاهد التعليمية في صنعاء.
لم تكد تمضي أربعة شهور على وصول الضيفي حتى غزت الولايات المتحدة أفغانستان وبدأت بملاحقة عناصر تنظيم القاعدة. وكانت الطائرات الأمريكية تلقي منشورات تعد بمكافآت مالية ضخمة لكل من يسلّم مشتبها بهم. ويقول الضيفي إن السيارة التي كان يستقلها في شمالي أفغانستان تعرضت لكمين نصبه مسلحون قبل أيام قليلة من موعد عودته إلى اليمن، فأسر وسلّم للقوات الأمريكية.
كانت المحطة الأولى للضيفي موقعا أمريكيا “أسود” في قندهار، حيث يقول إنه جُرِّد من ملابسه وأشبع ضربا وحقق معه واتهم بأنه قائد مصري في تنظيم القاعدة. بعد ذلك، نقل جوا من قندهار – وهو مكبّل بالأغلال ورأسه مغطى إلى غوانتانامو.
وتروي مذكراته التي نشرت في أواخر العام الماضي تحت عنوان “لا تنسونا هنا” السنوات الـ 14 التي قضاها في ذلك السجن سيء السمعة.
ويسجل الضيفي في مذكراته أشكال التعذيب والضغوط النفسية التي تعرض لها إضافة إلى وفاة شقيقته وشقيقه في الفترة التي قضاها سجينا في غوانتانامو.
علّم الضيفي نفسه الإنجليزية من نقطة الصفر أثناء وجوده في المعتقل، إضافة إلى شيء من علوم الحاسوب والنظريات الاقتصادية. ولكن القصة التي يرويها تنتهي بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه عند وصوله إلى بلغراد في ليلة مظلمة في تموز / يوليو 2016 إذ نقلته المخابرات الصربية إلى شقة صغيرة تقع في مركز المدينة عثر فيها لاحقا على كاميرات للمراقبة حسب ما يقول. لم يتمكن الضيفي من النوم في تلك الليلة، إذ كان يفكر بما يخبئ له المستقبل.
ويقول، وهو يجلس في شقته الحالية في بلغراد في وقت متأخر من إحدى ليالي شهر شباط / فبراير،”كنتُ منهكا، ولكني لم أتمكن من الخلود للنوم، وكنت جائعا، ولكني لم أتمكن من تناول الطعام. كانت هناك وحدة في غوانتانامو، ولكن هذه الوحدة كانت من نوع جديد”.
يطلق الضيفي اسم ” غوانتانامو 2″ على ما بدأ يعاني منه بعد وصوله إلى بلغراد – وهو وجود منعزل ومقيد في صربيا، إذ لا يسمح له بالمغادرة ويخضع لمراقبة الشرطة التي تحذر كل من يحاول مصادقته بالعدول عن ذلك.
يصف ستة على الأقل من المحتجزين السابقين في غوانتانامو يقيمون في دول عدة – أطلق سراحهم جميعا دون تهم – تجارب مماثلة لتجربة الضيفي: حياة في طي النسيان، وقيود لافتقارهم إلى وثائق ضرورية، وتدخل من جانب قوات الشرطة وقيود على السفر تبقيهم في بلد واحد أو حتى في مدينة واحدة، ما يجعل الحصول على عمل وزيارة الأقارب وتكوين علاقات أمورا عسيرة للغاية.
يقول الضيفي، “أهلا بك في حياتنا، فهذه هي الحياة بعد غوانتانامو.”
نشرت اتفاقات إعادة التوطين المحتجزين السابقين حول العالم، إلى صربيا وسلوفاكيا والسعودية وألبانيا وكازاخستان وقطر وغيرها. كان بعضهم محظوظا، إذ أعيدوا إلى بلدانهم الأصلية – بما في ذلك بريطانيا – بينما أرسل آخرون إلى دول غريبة عليهم.
منع الضيفي من العودة إلى اليمن حيث تقيم أسرته لأن الكونغرس الأمريكي قرر بأن إعادة المحتجزين إلى ما يعتبرها بلدان غير مستقرة تعد تهديدا أمنيا. كما رفض اليمن إصدار جواز سفر للضيفي، مثل ما فعلت صربيا، ولذا فهو الآن عديم الجنسية وعالق في بلغراد.
أما الاتفاق الذي أخذ به إلى صربيا، فما زال طي الكتمان – كما هو الحال مع كثير من الأمور المتعلقة بغوانتانامو. وتقول محامية الضيفي، بيث جاكوب، وهي محامية من نيويورك مثلت تسعة من محتجزي غوانتانامو، “لا أعرف أيا من التفاصيل رسميا، لأن الحكومة الأمريكية لا تخبر المحامين بأي شيء.”
وتمضي المحامية جاكوب للقول، “لا استطيع إطلاع موكلي على الجزء الأكبر من المعلومات التي بحوزتي لأنها معلومات مصنفة على أنها سرية، ثم أن المعلومات التي أحصل عليها مختصرة جدا لا تزيد عن كونها وثائق من خمس صفحات تسبح في بحر من السواد.”
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية لبي بي سي إنها حصلت على ضمانات من كل الدول الأخرى بأنها (أي تلك الدول) ستعامل المحتجزين بالحسنى وبطريقة إنسانية، كما حصلت منها على “ضمانات أمنية كان الغرض منها تقليل التهديدات التي قد يشكلها المحتجزون السابقون بعد نقلهم إلى تلك الدول، علاوة على خطط عمل من شأنها تسهيل عملية إعادة دمجهم في مجتمعاتهم الجديدة بسلاسة ونجاح.”
وقال ناطق باسم الخارجية الأمريكية إن الوزارة ساعدت في مناسبات عدة في تحمل نفقات المحتجزين السابقين، ولكن تضائل نسبة هذه النفقات والمدد التي استمر فيها هذا الدعم ما زالت غير واضحة. أما الحكومة الصربية، فلم ترد على الأسئلة التي طرحتها بي بي سي. وبالنسبة للضيفي، يبدو اتفاق إعادة التوطين كأنه شبكة غير مرئية، فهو لا يعلم أين تبدأ وأين تنتهي.
إنه لا يستطيع مغادرة صربيا لافتقاره إلى جواز سفر، كما لا يستطيع مغادرة بلغراد دون استحصال إذن مسبق. ويقول إن الشرطة تتبعه أينما ذهب، وإنه اكتشف وجود تطبيقات تنصت مثبتة في هاتفه الذي زودته الحكومة (الصربية) به. ولا يسمح له بقيادة سيارة، ولذا قلما يحضر صلوات الجمعة لأن ذلك يتطلب رحلة طويلة بالحافلة إلى أقرب مسجد.
ولكنه زوّد بإقامة ويحصل على إعانات مالية تساعده في دفع إيجار شقته ونفقات دراسته، ولكنه يجد صعوبة بالغة في الحصول على عمل لأنه لا يستطيع تبرير السنوات الـ 15 التي قضاها في غوانتانامو ولذلك فهو يجد أن الوفاء بمتطلبات الحياة أمر عسير جدا.
يقيم الضيفي في شقة أعدتها له الحكومة الصربية وتقع في إحدى ضواحي بلغراد، لا يعيش فيها إلا عدد قليل من المسلمين ولا توجد فيها أي محلات تبيع اللحم الحلال. ويتناول معظم وجباته بمفرده في شقته، ولأجل معالجة شعوره بالوحدة، يستقل الحافلة إلى مجمع تسوقي قريب ويتجول فيه.
وعندما يصادف الضيفي أسرا شابة في المجمع، يتطلع فيها طويلا. ويقول، “لا استطيع منع نفسي من ذلك، فأنا أشعر أنني مجرد غلاف فارغ من الداخل.”
أجرى الضيفي أولى مقابلاته الصحفية مع الإعلام الأمريكي بعد وصوله بلغراد في عام 2016 بفترة وجيزة، قال فيها إنه ليس سعيدا بحياته الجديدة. وردا على ذلك، نشرت إحدى الصحف الشعبية الصربية واسعة الانتشار موضوعا مطولا أشارت فيه إليه على أنه “جهادي في تنظيم القاعدة” و”إرهابي مدان” لا يشعر بأي امتنان للبلد الذي استضافه.
ويقول إن الشرطة تحذر كل من يحاول مصادقته بضرورة تجنبه، ولديه صور لمحادثات أجراها عبر تطبيق واتس أب يشرح فيها آخرون سلوك الشرطة – اعتبارا من أول زيارة منفردة قام بها إلى أحد المقاهي بعد بضعة اسابيع من وصوله الى بلغراد عندما استجوبت الشرطة مجموعة من الليبيين الذين كانوا جالسين عند طاولة مجاورة لطاولته، إلى آخر حادثة وقعت في العام الماضي عندما تناول فنجان قهوة مع شاب مسلم كان قد تعرف عليه في المسجد.
ويقول، “أوقفوه وسألوه ‘أتعرف منصور من تنظيم القاعدة؟'” ويضيف، “في نهاية الأمر طلبت منه حذف رقم هاتفي، فأنا لا أريد أن يصاب أحد بأذى بسببي.”
وبعد مقابلة أجراها مع شبكة بي بي أس لبرنامج “الخط الأمامي Frontline” في عام 2018، ألقت الشرطة القبض على الضيفي وأشبعته ضربا، حسب قوله. كما اعتقل اثنان من زملائه في دورة لتعلم اللغة. وأضاف أن الشرطة استجوبت سيدة كانت تشارك في دورة لتصليح الهواتف كان يحضرها. وما زال يحتفظ برسائل بعثت بها هذه السيدة إليه لاحقا تسأله فيها عن سبب طلب رجال الأمن منها الابتعاد عنه.
ولذا يقضي الضيفي جل وقته وحيدا في شقته، فهو لا يختلط بجيرانه إلا نادرا كما قلل من الذهاب إلى المجمع التسوقي منذ أن شوهد وهو يصلي في مكان مفتوح هناك في العام الماضي مما حدا بالشرطة إلى طرده من المكان.
ويقول، “بعد مدة تستسلم للأمر الواقع وتنسحب، ولكن ذلك يعني أنك تظل وحيدا، فأنا أعيش داخل رأسي معظم الوقت الآن.”
وتعد مجموعة من محتجزي غوانتانامو السابقين ساعد الضيفي في جمعهم – والذين يطلق عليهم اسم “الأخوة” – أقرب بديل للاصدقاء بالنسبة له. ويتصل أفراد هذه المجموعة ببعضهم عبر الهاتف أو بواسطة غرف في واتس أب.
محتوى هذه الغرف غير سياسي عموما، وذلك من أجل تجنيب الأعضاء أي مخاطر قد يتعرضون لها في الدول المستضيفة لهم. ويقول الضيفي، “نغني ونروي النكات ونتبادل الصور ونتحدث عن حالتنا الصحية. كما نتبادل الذكريات عن غوانتانامو. تعيننا هذه الأمور على مواجهة تحديات الحياة.”
يعد صبري القرشي، وهو يمني قضى نحو 13 سنة في غوانتانامو قبل أن يعاد توطينه قسرا في سيمي، وهي بلدة صغيرة شيدت فوق موقع سابق للاختبارات النووية في أقصى شرقي كازاخستان لا يسمح له بمغادرتها، من أكثر المحتجزين السابقين الذين يتحدث معهم الضيفي.
كان القرشي قد نقل إلى كازاخستان في عام 2014 بمعية أربعة آخرين من المحتجزين السابقين منهم عاصم ثابت عبد الله الخلاقي – الذي توفي بعد إصابته بفشل كلوي بعد وصوله بأربعة أشهر – ولطفي بن علي، الذي لم يتمكن من الحصول على العناية الطبية التي كان بحاجة إليها لمرض في القلب في سيمي ومات متأثرا بهذا المرض في العام الماضي بعد أن سفّر إلى موريتانيا.
بغياب بن علي، أصبح القرشي وحيدا في سيمي، حيث “يعيش في وضع أسوأ من السجن” على حد تعبيره. كتب القرشي إلى الرئيس الكازاخي وإلى رئيس الحكومة والسفارة الأمريكية والصليب الأحمر طلبا من هذه الجهات إطلاق سراحه أو إعادته إلى غوانتانامو ولكنه لم يستلم أي رد. ولم تجب الحكومة الكازاخية على الأسئلة التي وجهتها بي بي سي إليها.
وقال القرشي، “كان معسكر غوانتانامو مكانا أفضل من هذا، فهناك كان لديك على الأقل أمل بالانتقال إلى مكان أحسن في يوم ما.”
ومضى للقول، “عندما جاء وفد حكومي من كازاخستان، قالوا لي بأني سأعامل كمواطن كازاخي. ولكنهم كانوا يكذبون. فليس لدي هوية ولا أسرة ولا أصدقاء. أنا عالق هنا ولا أمل يلوج في الأفق.”
ويقول القرشي إن الشرطة توقفه مرارا عند مغادرته لشقته وتطلب منه إبراز بطاقة الهوية التي لا يمتلكها. ويقتاده الضباط أحيانا إلى مركز الشرطة ويجبروه على المكوث هناك لسبع أو ثماني ساعات حتى قدوم مسؤول من الصليب الأحمر لإخراجه. وهو بحاجة إلى عناية طبية متخصصة بعد الأضرار التي أصابت أعصاب وجهه بعد أن لطمه رجل أمن لرفضه نزع سترته في يوم من الأيام. ولكن مثل صديقه القديم لطفي بن علي، رفض طلبه بالتوجه إلى العاصمة من أجل الحصول على تلك العناية.
وقال، “توجهت إلى مركز الشرطة للاستفسار عن ما جرى لرجل الأمن الذي ضربني، ولكنهم قالوا لي ‘أغلق فمك، فإنك لا شيء هنا. عد إلى بيتك'”.
يقول القرشي إن تلك الحادثة تلخص حياته في سيمي – حياة تعاش كليا تحت رحمة السلطات المحلية التي تنظر إليه على أنه إرهابي مدان. ويضيف، “اللطمة التي تعرضت لها كانت الأمر المؤلم الأول، أما الأمر الثاني فهو غياب العدالة. فليست لك أي حقوق.”
لم توجه السلطات الأمريكية أي تهم إلى القرشي، رغم ادعاءها بأنه كان من عناصر تنظيم القاعدة الذين شاركوا في معسكر تدريبي في أفغانستان. وكانت قوات الأمن الباكستانية قد ألقت القبض عليه في ما يوصف بأنه مخبأ للتنظيم في كراتشي، ولكنه ينفي أن يكون قد انضم للقاعدة في أي وقت من الأوقات.
بدأ القرشي بالرسم أثناء وجوده في غوانتانامو، وأنتج كما كبيرا من الأعمال صادرتها سلطات المعتقل لاحقا. وحاول مواصلة الرسم في سيمي، ويقول، “إن الرسم هو الأمر الوحيد الذي يبقيني سويا وعاقلا.” ولا يسمح للقرشي بشراء أي شيء عن طريق الانترنت، ولذا يجد صعوبة في الحصول على الأصباغ وألواح الرسم. طُلب منه المساهمة بأعمال فنية في معرض للمحتجزين السابقين، ولكنه يفتقر إلى بطاقة هوية كازاخية ولذا لم يتمكن من إثبات أن هذه الأعمال تعود له من أجل المشاركة في المعرض.
ويقول، “سألت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن كان يتوجب عليّ إحراق لوحاتي الفنية، فأجابوني بأن واجبهم الوحيد هو توفير المأوى والملجأ ولا شيء آخر”.
اقترن القرشي قبل سنوات سبع في زيجة رتبتها أسرته بإمرأة يمنية لم يسبق له رؤيتها – لأنه من غير المسموح له أن يغادر سيمي، ولا يسمح لها بالسفر إلى كازاخستان للعيش معه. وطالما التمس السلطات الكازاخستانية موافقتها على مغادرة سيمي ولكن وضعه لم يتغير. ويقول، “أنا أنتظر منذ سبع سنوات من أجل أن أبدأ حياتي.”
يبلغ مجموع عدد الرجال الذين احتجزوا في معتقل غوانتانامو 779 فردا، لم توجه تهم جنائية إلا إلى 12 منهم – ولم يدن إلا اثنان من هؤلاء. وحسب تحليل لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية أجرته كلية القانون في جامعة سيتون هول في عام 2006، كان 5 في المئة فقط من المحتجزين المتبقين في غوانتانامو في تلك السنة قد ألقي القبض عليهم من قبل القوات الأمريكية. أما 86 في المئة منهم، فقد اعتقلوا إما من قبل السلطات الباكستانية أو من قبل التحالف الشمالي الأفغاني “وسلموا للولايات المتحدة في وقت كان فيه الأمريكيون يعرضون فدى كبيرة لاعتقال اعدائهم المشتبهين”. ويقول الضيفي إن هذا كان قدره – فقد كان في المكان الخطأ في الزمن الخطأ. ويقول، “كانت صفقة متكاملة، باعوني إلى الأمريكيين ومن ثم إلى صربيا.”
كان الضيفي قد صرّح، في جلسة مراجعة إدارية جرت في غوانتانامو في 2007 بعد سبع سنوات من احتجازه، بأنه “جهادي” و”ابن” لأسامة بن لادن، وأنه “من المشرف له أن يكون عدوا للولايات المتحدة”. ولكنه يقول الآن إن ما قاله آنئذ كان على سبيل الاحتجاج. يذكر ان جلسات المراجعة هذه كانت عبارة عن مرافعات شبه قضائية لا يسمح لمحامي المحتجزين حضورها.
ويقول، “لم نفهم آلية عمل مجلس المراجعة، فقد كنا نعتقد أنه مجرد تحقيق آخر. فبالنسبة لنا، كان كل شيء عبارة عن تحقيق. ولذا قلت لنفسي سأغلبهم هذا اليوم وسأقول لهم بأني عدوكم.”
كان الضيفي قد برز في ذلك الحين بوصفه قائدا غير رسمي للمحتجزين، إذ كان ينظم إضرابات عن الطعام وأشكالا أخرى من الاحتجاجات. وحصل نتيجة لذلك على لقب أطلقه عليه حرس المعتقل هو “المشاغب البسّام”. كما كرّس نفسه للدراسة، ونجح في تلقين نفسه اللغة الإنجليزية المتقنة من نقطة الصفر، كما بدأ يكتب. كتب الضيفي مذكراته عن معتقل غوانتانامو مرتين. فالنسخة الأولى، التي دونها على ورق مهرب، صودرت وأتلفت. ولكن، وعندما تيقن بأن الرسائل القانونية تتمتع بحصانة، بدأ بالجلوس لساعات في صف الدراسة في المعتقل وقدماه مغلولتان وهو يكتب رسائل أصبحت لاحقا أساس كتابه.
ويعمل الضيفي الآن على إعداد كتاب جديد يدون فيه الصعوبات والتحديات التي واجهها في حياته بعد الأسر في صربيا. ويزدحم أحد جدران شقته في بلغراد بملصقات ملونة تصف الأحداث التي ستشكل بمجملها محتويات الكتاب. وتسجل الملصقات التحقيقات التي خضع لها من جانب الشرطة ومحاولاته اليائسة لتكوين صداقات العثور على زوجة ومحاولاته لجذب انتباه الرئيس الأمريكي بايدن لمعاناته.
ويتصل الضيفي يوميا بمحتجزين سابقين آخرين – يبلغ عددهم الإجمالي نحو الـ 100 – عن طريق مختلف المنصات الإلكترونية مثل واتس آب وغيرها. ويواجه كثير من هؤلاء نفس التقييدات التي يواجهها الضيفي نفسه.
تقول دافني أفياتار، مديرة شؤون الأمن وحقوق الانسان في الفرع الأمريكي لمنظمة العفو الدولية، “خلقت الولايات المتحدة وضعا فريدا في فظاعته لهؤلاء الرجال. فقد تعرض كثير منهم للتعذيب ولم يحصلوا على أي اعتراف أو تعويض أو تأهيل حقيقي.”
ومضت للقول، “ومن غير الأخلاقي أبدا أن ينقلوا إلى وضع آخر يقيدهم ويمنعهم من السفر والحصول على لقمة العيش واستئناف حياتهم.”
أما بالنسبة للضيفي، فالسبيل الوحيد المؤدي إلى بدء حياة جديدة بعد غوانتانامو يتلخص في الزواج وتكوين أسرة. هذا هو الأمر الذي يشغله ليلا عندما يفرغ من كل المشاغل الأخرى. ولكن كل المحاولات التي قام بها من أجل العثور على شريكة حياة مناسبة في صربيا باءت بالفشل، إذ يجبره معتقده الديني على الاقتران بمسلمة وأن يلتقي بها بالطريقة التقليدية من خلال أسرتها. ولكنه لم يوفق في محاولاته الاندماج في الجالية المسلمة في بلغراد بسبب مخاوف المسلمين في العاصمة الصربية من أن يوصموا بالارهاب.
ولكنه يقول إنه نجح في عام 2019 في العثور على زوجة مناسبة تقيم في الخارج. كانت من أسرة طيبة، وتواصل معها لسنة كاملة حاول خلالها إقناع السلطات الصربية بالموافقة على سفره ليكون إلى جانبها. ويقول إنها كانت حبه الأول. وفي نهاية المطاف، استجدى من السلطات السماح له بالسفر إليها ولكنه ووجه برفض قاطع. نفد صبر أسرتها وتزوجت من رجل آخر.
وقال الضيفي، “لم يكن الموقع الأسود أو السنوات الـ 15 التي قضيتها في غوانتانامو أكثر الأمور إيلاما، بل كانت خسارة من أحببت. ففي غوانتانامو يمكنهم تعذيبك ولكنهم لا يتمكنوا من لمس روحك. أما الحب، فهو يلمس الروح مما يجعلك تعاني كثيرا.”
لم تبدأ وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) استعراضها الأول لوضع المحتجزين إلا في تموز / يوليو 2004 أي بعد أكثر من سنتين من وصول طلائعهم إلى غوانتانامو. وقررت إخلاء سبيل 38 منهم على أساس كونهم “محاربين غير أعداء.” ويعترف هذا التعريف فعليا بأن هؤلاء ليسوا من عناصر تنظيم القاعدة أو حركة طالبان وأنهم لم يقوموا بأي أعمال عدائية ضد الولايات المتحدة.
وكان من بين المحتجزين الـ 38 الذين أطلقوا خمسة من الإيغور الذين أسروا في أفغانستان والذين كانت الولايات المتحدة تشتبه في كونهم من عناصر حركة استقلال تركستان الشرقية – وهي جماعة مسلحة صغيرة تقاتل في سبيل استقلال إقليم زينجيانغ الصيني. لم تكن إعادة هؤلاء إلى بلدهم الأم الصين أمرا آمنا – حيث يتعرض الإيغور هناك إلى قمع السلطات الصينية – ولذا أبرمت الولايات المتحدة صفقة مع ألبانيا لاستضافتهم. وأطلق سراح الإيغور الخمسة في 2006 وحطوا في وقت متأخر من الليل في العاصمة الألبانية تيرانا. ولكن فرحتهم سرعان ما تبددت عندما نقلهم الألبان فورا إلى معسكر بائس للاجئين يقع خارج العاصمة قضوا فيه أكثر من سنة في نهاية المطاف.
وقال أبو بكر قاسم، وهو رجل من الإيغور يبلغ من العمر 52 عاما يعيش الآن مع أسرته في احدى ضواحي تيرانا الفقيرة، “كان يشبه عالما آخر. قضينا خمس سنوات في غوانتانامو، في الحر، وفجأة وجدنا أنفسنا في برد ألبانيا القارس. كنا نرتدي الملابس السميكة يوميا ونتناول أكلا عديم الطعم بين الغرباء في المعسكر.”
وينفي أبو بكر أن يكون في أي وقت من الأوقات من عناصر حركة استقلال شرق تركستان. ويقول إنه كان مسافرا إلى تركيا عن طريق باكستان عندما أسره مسلحون وسلموه للأمريكيين. ومثله مثل الضيفي، وُعد أبو بكر قاسم ورفاقه المحتجزين السابقين المتجهين إلى ألبانيا بأنهم سيحصلون على عون مادي وجوازات سفر وجنسيات وشقق جاهزة بانتظارهم ولكنهم اكتشفوا حقيقة مغايرة على أرض الواقع.
يقول ذاكر حسام، وهو أزبكي احتجز في غوانتانامو من 2002 حتى 2006، “كانت في غوانتانامو ستة معسكرات في تلك الفترة، أما معسكر ألبانيا فكان المعسكر السابع. كان أربعة أو خمسة أشخاص يُحشرون في غرفة واحدة، وكان المعسكر محاطا بأسلاك شائكة. لم يكن لدينا أي مال وكنا نفتقر إلى الطعام الجيد. وكانت السلطات تقول لنا إن مهمتها الوحيدة هي ضمان سلامتنا سياسيا وبدنيا فقط لا غير.”
وبعد سنة كاملة قضوها في معسكر اللاجئين، وبعد سلسلة من الاحتجاجات، نقل المحتجزون السابقون في تيرانا إلى شقق سكنية. وهم الآن في حال أفضل من الضيفي أو القرشي ومن عدة أوجه أكثر حظا.
فقد تزوج عدد منهم، ولأبي بكر قاسم وحسام أطفال، ويحصلون على عون مالي شهري من أجل إيجار شققهم ودفع الفواتير المستحقة عليهم ونجحوا في الاندماج مع سكان المنطقة. كان من حسن حظهم أن الأمر انتهى بهم في بلد أغلبية سكانه من المسلمين.
ولكن من جوانب أخرى، يعيش هؤلاء تحت نفس القيود التي يعيش في ظلها المحتجزون السابقون في صربيا وسلوفاكيا وكازاخستان. فليست لديهم جوازات سفر أو أذونات عمل، ولذلك لا يستطيعون السفر أو العمل بشكل شرعي من أجل الاضافة لمبالغ الاعانات القليلة التي يستلمونها.
ويقول أبو بكر، “هذه ليست حرية. نحمد الله بأننا خرجنا من السجن، ولكننا لسنا أحرارا.”
وقال إن زوجته “تشتري أقل الخضروات والفواكه سعرا، تلك التي أصابها التلف إلى حد ما. لا نستطيع شراء ما نحتاجه من السوق لأن ما لدينا من المال سينفد خلال 15 يوما، ولذا فإننا ندّخر ونوفر كلما تمكنا من ذلك. نحن وحيدون هنا، نحن أجانب ليست لدينا أسر تستطيع مساعدتنا.”
وفي الوقت الذي تساعد المعونات المالية في سد النفقات الضرورية، تبقيهم أيضا في وضع حرج لأنها ترتبط بالمحتجزين السابقين فقط وليس بأسرهم. فعندما توفي علاء عبدالمقصود، صديق أبو بكر ومحتجز سابق هو الآخر، جراء إصابته بمرض كوفيد قبل شهور خمسة، استلمت زوجته خديجة رسالة من الحكومة الألبانية تخبرها فيها بأن المعونة المالية التي كان يستلمها زوجها المتوفي ستتوقف فورا. كما أخبرتها الرسالة بأن الشقة التي منحتها الحكومة لزوجها والتي تقيم فيها مع أطفالها الثلاثة ستعاد إلى الدولة في أيلول / سبتمبر القادم.
وكان علاء، مثله مثل أبو بكر قاسم، قد أخلي سبيله دون تهمة في عام 2005 بعد أن صنّف كمحارب غير عدو. وقالت خديجة إنها توجهت شخصيا إلى وزارة الداخلية الألبانية لالتماسها التدخل في قضيتها ولكن لم يسمح لها بالدخول، ولم تستلم إلى الآن أي رد على الرسائل التي بعثت بها إلى الوزارة. وليست لخديجة القدرة على توكيل محام. ومن أجل اعالة اطفالها الثلاثة، يتعين عليها الحصول على عمل. وأكبر مخاوفها هو عدم تمكنها من إطعام أطفالها وإيواءهم. أما ثاني أكبر مخاوفها فهو خشيتها من أنهم سيتعرضون للاضطهاد مستقبلا لأن والدهم كان من نزلاء غوانتانامو.
وتقول، “أشعر بالخوف على أطفالي وما يخفي لهم الغد وبعد الغد. أخشى من أن تلحق بهم وصمة غوانتانامو.
ولم ترد الحكومة الألبانية على طلبنا منها التعليق على هذه المقالة.
“أما ذاكر حسام فيقول، “أكبر مشكلة توجهنا هي افتقارنا لبطاقات هوية، فهذا أمر يعرقل كل جوانب الحياة. ليست لديك أي خيارات، إذ لا تتمكن من اختيار مكان إقامتك أو السفر لرؤية أقاربك في الخارج ولا تستطيع اختيار مكان عملك – فالكل يطالبون ببطاقتك ووثائقك وتاريخ عملك.”
يتوجه ذاكر اسبوعيا إلى سوق للخردة يبحث فيه عن مواد إلكترونية أو ميكانيكية يتمكن من شرائها وإصلاحها ومن ثم بيعها، مواد كالهواتف والحواسيب العاطلة والراديوات والمثاقب أو أي شيء يتمكن من إصلاحه. ولكن الأرباح التي يحصل عليها قليلة جدا. فبعد جولة في السوق استغرقت ساعتين في شباط / فبراير الماضي، لم يتمكن ذاكر من الحصول إلا على زوج واحد من السماعات المعطوبة.
يطمح ذاكر أكثر من أي شيء آخر إلى الحصول على عمل جيد اعتمادا على مهاراته الميكانيكية، وتوفير حياة أفضل لطفليه المعاقين اللذين لا يتمكنان الآن من الحصول على العناية الضرورية. إلا أنه علم في عام 2020 بأن اسمه مدرج في قائمة “وورلد تشيك World Check” – وهي عبارة عن قاعدة بيانات دولية – لم تعني الكثير له في حينها – تستخدمها المصارف في كل أرجاء العالم للتحقق من أن كان لزبائنها أي خلفية إجرامية. ومن شأن أن يكون اسم الفرد مدرجا في هذه القائمة أن تحدد حياته بطرق لا يتمكن من رؤيتها، إذ لا تخبر شركة ريفينيتيف المشرفة عليها أولئك المدرجة اسماؤهم فيها بذلك.
وتبين في 2020 أن أسماء كثير من محتجزي غوانتانامو السابقين قد أضيفت إلى قاعدة البيانات هذه، إذ أدرجت أسماء كثير منهم في صنف “الإرهاب” رغم عدم إدانتهم أبدا بأي جرم. ولكن الآن، وبمساعدة مكتب بريطاني للمحاماة، بدأ هؤلاء باستلام بعض المبالغ الصغيرة. فقد حصل ذاكر على 3 آلاف دولار، كما حصل أبو بكر قاسم على مبلغ مماثل. أما منصور الضيفي فلم يحصل على أي شيء بعد، إذ أنه رفض العرض المقدم له. وقال، “عندما تأخذ في الحسبان أن المحامين يتقاضون 30 في المئة من المبلغ لن يتبقى لك شيء يذكر.”
وكانت شركة ويستيرن يونيون للتحويلات المالية قد منعت الضيفي من التعامل معها في الشهر الماضي دون أن تبلغه بالسبب. وكان الضيفي يستخدم هذه الشركة في إرسال مبالغ صغيرة إلى أسرته في اليمن للمساهمة في النفقات الشهرية لعلاج والدته واستلام تبرعات او اتعاب عمل من الخارج.
وقالت ويستيرن يونيون إنها لا تستطيع – بموجب تعليماتها وسياستها – أن تدلي لبي بي سي أو للضيفي سبب منعه. وقال ناطق باسم الشركة إنها “تأخذ مسؤولياتها في حقلي النظم والامتثال مأخذ الجد” وإن الشركة مدت يدها للضيفي بخصوص قضيته.
أما الضيفي، فهو مقتنع بأن غوانتانامو هو السبب. فالظل الكبير الذي يلقيه احتجازه غير القانوني يؤثر على كل جوانب حياته ويستطيع رؤيته في كل مكان.
ويقول، “يتبعك أينما ذهبت. تعاقبك أمريكا لـ 15 سنة، ويعاقبك العالم أجمع لبقية حياتك.”
في إحدى ليالي شهر شباط / فبراير الماضي، بعد أيام قليلة من الذكرى السنوية الـ 20 لوصوله إلى غوانتانامو، كان الضيفي يعد شقته من أجل القاء محاضرة عن طريق الفيديو لمجموعة من الطلاب في ولاية فيرجينيا الأمريكية موضوعها الأعمال الفنية التي انتجت في غوانتانامو. حرّك مكتبه الصغير بحيث أصبح مقابل خلغيته المفضلة – الجدار الذي يحمل الملصقات الخاصة بمحتويات كتابه الجديد – وربط وشاحا برتقالي اللون حول عنقه. كان اللون البرتقالي أول لون شاهده الضيفي عندما رفعت العصابة من عينيع في غوانتانامو – وهو لون البدلات التي كان المحتجزون يجبرون على ارتدائها والذي أصبح رمزا للانتهاكات التي ارتكبتها الولايات المتحدة في ذلك المعتقل.
أوقد الضيفي مصباحا دائريا زهيد الثمن كان قد اشتراه عبر الإنترنت من أجل هذه المناسبات مما أضاء زاوية من زوايا الشقة. لا يرفض الضيفي إلا نادرا الطلبات التي يتلقاها لالقاء محاضرات أو اجراء مقابلات، فلديه كتاب عليه الترويج له كما يشعر بأنه مسؤول عن تثقيف الأجيال الشابة عن حقيقة غوانتانامو. كما تسهم هذه النشاطات في إدخال الآخرين في حياته ولو لحين.
ألقى الضيفي كلمة تمهيدية دارت حول مجمل الاعمال الفنية التي انتجها محتجزو غوانتانامو والصراع الذي خاضوه من أجل الحصول على حق أخذ اعمالهم معهم عند الافراج عنهم. ثم شجّع الطلاب على طرح ما عندهم من أسئلة. ومن الجدير بالذكر أن أعمار المشاركين في الحلقات المدرسية والجامعية التي يخاطبها الضيفي أصغر من أن تكون لهم فكرة واضحة عن ما حصل في غوانتانامو وكيف بدأت قصة هذا المعتقل، ويجد الضيفي لزاما عليه أن يذكر نفسه معظم مستمعيه لم يكونوا قد ولدوا عندما أرسل إلى هناك.
أجاب الضيفي على كل سؤال يمكن طرحه عن غوانتانامو، وكان يرد بأريحية عليها جميعا. سأله أحد الطلاب، “متى استسلمت للأمر الواقع؟”
أجابه المحتجز السابق، “الاستسلام لم يكن خيارا متاحا، فأنت تخسر لحظة استسلامك. نرسم فبأخذون رسومنا. نكتب فيتلفون ما كتبناه. نضرب عن الطعام فيكسرون اضرابنا، ولكننا نضرب من جديد. كتبت كتابي مرتين، ففي المرة الأولى صادروه مما كسر قلبي. ولكني كتبته ثانية.”
أكمل الضيفي مسودة كتابه في بلغراد بمساعدة كاتب أمريكي، وتمكن من نشره في أواخر السنة الماضية. كما حصل على شهادة البكلوريوس في ادار الأعمال، وكان موضوع أطروحته تحليل نجاح وفشل المحتجزين السابقين في ولوج الحياة الاجتماعية والعملية وأسواق العمالة في البلدان التي يعاد توطينهم فيها. إلا أن عالم الضيفي ما زال محصورا ومقيدا بغوانتانامو، فلا يكاد المعتقل يغيب عن أي عمل يقوم بها، وكل نشاطاته تتركز على عواقب احتجازه.
وعند انتهاء المحاضرة، أطفأ الضيفي مصباحه الصغير وأعاد ترتيب شقته. كان الوقت متأخرا، ولكنه كان راغبا في الكلام. تحول الحديث ثانية إلى الشأن الأسري، قام الضيفي أثناءه بتقليد والد يحاول تأديب أطفاله الصغار. وسرح الضيفي في عالم الخيال هذا، إذ بدأ بالقفز وملاحقة ابنه وابنته الوهميين في أرجاء الغرفة وهو يبتسم ويضحك بينما يناديهما باسميهما الوهميين. ثم عاد فجأة إلى الواقع وتوقف وجلس في صمت لبرهة من الزمن.
بالنسبة للضيفي، يعد تحويل هذا الخيال إلى شيء ملموس هو الأمر الوحيد الذي سيسمح له بالهرب من غوانتانامو بشكل نهائي. وحتى مجيء ذلك اليوم، سيبقى حبيس هذه المرحلة الغريبة من حياته التي تعرّف بفترة احتجازه غير القانونية الطويلة. وقال باكتئاب، “ستبقى الشكوك تحوم حولي مهما فعلت. لا يصدق الناس بأن أمريكا قد ترتكب خطأ كهذا”.
استلمت محامية الضيفي في نيسان / أبريل الماضي رسالة الكترونية مبهمة من الموظف الحكومي الصربي المسؤول عنه قال لها فيها إن الحكومة “قد انتهت من أمر منصور” وأن “البرنامج قد انتهى.”
سألت المحامية المرسل إن كان ذلك يعني رفع القيود المفروضة على قدرة الضيفي على العمل والقيادة والسفر. أجب المسؤول الحكومي بأن هذه الأمور ستناقش في الاجتماع القادد للمسؤولين.
كان هذا أول اعتراف رسمي، رغم كونه ضمنيا، بعد سنوات ست من وصول الضيفي إلى صربيا، بوجود أي قيود على حياته أصلا. وما زال الضيفي ومحاميته بانتظار القرار النهائي.
[ad_2]
Source link