الإجهاض: “كان علي أن أخفي مشاعري ولم يتح لي حتى البكاء”
[ad_1]
- ندى منزلجي
- بي بي سي نيوز عربي
طوال سبع سنوات كانت حنان تستقل القطار في طريقها إلى العمل، وقد تسلي نفسها بالنظر من النافذة بينما يعبر القطار المحطات نفسها كل يوم في الذهاب والإياب، لكنها قبل أن تصل إلى محطة معينة، تحرص دائما على أن تدير وجهها إلى الناحية الأخرى. إنها المحطة التي لا تريد أبدا أن تراها.
وحنان، هو اسم مستعار للحفاظ على خصوصية سيدة مغربية تعيش في العاصمة البلجيكية بروكسل منذ سنوات، وهي أيضا أم لطفلين. والعبارة الأخيرة هي السبب في عدم قدرتها على مجرد النظر إلى تلك المحطة، فلولا نزولها هناك في أحد أيام مايو/أيار عام 2014، لكان لدى حنان اليوم ثلاثة أطفال.
تقول حنان لبي بي سي نيوز عربي “إنها المحطة الأقرب إلى مركز تنظيم الأسرة الذي أجهضت فيه حملي الثاني”.
لم تنس حنان تلك التجربة حتى اليوم، وما زالت تداعياتها موجودة بشكل أو بآخر في حياتها.
كانت حينها متزوجة، ولا يحق لأحد مساءلتها عن حملها، كما لم تجبر على الإجهاض، ونظريا اتخذت القرار بنفسها، كما أن الإجهاض قانوني حتى الأسبوع الـ 12 من الحمل في بلجيكا، وعمر جنينها كان 8 أشهر حين أسقطته.
“لم أخبر زوجي”
لكن حنان كانت لديها مشاكل أخرى، تقول “لم يكن لدي خيار. لم أكن سعيدة مع زوجي نهائيا، كانت معاملته سيئة، وقد أيقنت بعد ثلاث سنوات من الزواج، أن الحياة مع هذا الرجل ليست أبدا كما تخيلتها، وإنما كانت أشبه بالفخ”.
وتضيف “لكن العودة إلى عائلتي في المغرب كانت صعبة جدا، ولم أرد أن أعود حاملة معي فشلي، وكنت أفكر في أن أحصل على أوراقي (الجنسية البلجيكية) على الأقل، قبل أن أترك زوجي. كنت أحاول الخروج من الفخ، والحمل الثاني كان مزيدا من الغوص فيه”.
ولم يكن الحمل مخططا له، بل “كان خطأ، فعلاقتنا كانت سيئة جدا، والعلاقة الجنسية شبه مقطوعة، ما جعلني أتوقف عن أخذ حبوب منع الحمل، ولم يقم هو بأي احتياط”.
“وحين اكتشفت أنني حامل للمرة الثانية، وأخبرت زوجي زادت معاملته سوءا”.
وتوضح قائلة “غضب كثيرا، وقال لي إنه لا يريد أطفالا، كما قال لي كلاما قاسيا وسيئا. ثم أصبح تارة يقبل الاحتفاظ بالطفل، وتارة يرفضه. وأصابني ذلك بحزن شديد وزاد في حيرتي”.
وتقول “كنت أعرف أنني لو احتفظت بالطفل كان سيقول لي أنه لا يريده، وإذا قلت له سأنهي الحمل كان سيختلق اتهاما هو نفسه لا يصدقه، ويقول أنني أجهضت لأن الطفل ليس ابنه، فهو يعرف أن لدي قيما لا يمكن أن أحيد عنها، لذا كان يتعمد التشكيك بها لكي يؤلمني”.
كانت حنان حينها أما لرضيع عمره سبعة أشهر، وقد أنجبته بعملية قيصيرية، وكان عمرها نحو 28 عاما.
وفي النهاية، قررت أن تنهي الحمل من دون أن تخبر زوجها بقرارها.
وتواصلت حنان مع مركز تنظيم الأسرة، وذهبت إلى الموعد بمفردها، وهناك أعطوها حبة توقف نمو الجنين لتتناولها في البيت.
وفي المنزل، كانت في مواجهة فرصتها الأخيرة لاتخاذ القرار، وتقول “كان السؤال هل آخذها، أم لا؟ القرار كان صعبا جدا ومؤلما. ترددت كثيرا، لكنني ابتلعتها في النهاية، وعدت لاحقا إلى العيادة لأخذ حبة إسقاط الحمل. وبقيت هناك ست ساعت تحت الإشراف ليتأكدوا أن كل شيء على ما يرام”.
بين حق التحكم بالجسد وتجريم الإجهاض
تقول حنان “كنت في بلد أجنبي، حيث جسمي ملكي، ويمكنني أن أتحكم به. لو كنت في المغرب لما أمكنني ذلك”.
ويتشابه الوضع في المغرب مع الحال في معظم البلاد العربية التي تمنع الإجهاض ما لم يكن الحمل يشكل خطرا على صحة الأم. الأمر الذي قد يترك تداعيات نفسية على المرأة حين تشعر بأنها لا تملك حق التحكم بجسدها وتقرير استمرار الحمل أم لا.
تقول الدكتورة ليندا النفوري، المعالجة النفسية والسلوكية، والمدرسة السابقة في جامعة دمشق “حق التحكم بالجسد يأتي مع التربية منذ الصغر، وعدم وجود هذا المفهوم في المجتمعات العربية، يجعل المرأة تشعر بعقدة الذنب تجاه جسدها، فكيف عندما يتعلق الموضوع بقرار إسقاط الحمل أو استمراره!”.
وتضيف الدكتورة ليندا “كما أن اعتبار الإجهاض جريمة يعاقب عليها القانون له أثر نفسي كبير على المرأة، فعدا عن شعورها أساسا بالأسى والحزن، والغضب، والذنب، والقلق بشأن حملها لاحقا، تشعر أيضا بأن ما تقوم به عمل لا إنساني بنظر المجتمع، وغير قانوني أيضا، وقد يعرضها للعقوبة، ما يزيد من حالة التوتر والقلق، والشعور بالذنب الذي قد يستمر معها مدى الحياة في بعض الحالات”.
“كأن شيئا لم يكن”
اتصلت حنان بزوجها هاتفيا، وأخبرته أنها فقدت الجنين لأن الحمل سقط من تلقاء نفسه، فكان لطيفا معها، لكنها حين عادت إلى المنزل “تصرف معي وكأن شيئا لم يكن، لم يحتضني أو يحاول مواساتي بقبلة أو حتى بكلمة”.
وتقول المعالجة النفسية صهباء السيد “من المهم التمييز بين الدعم التي تحتاجه الأم من شريكها، وبين الدعم المطلوب من المحيط، فالدعم من الشريك شرط ضروري لكي تمر تجربة الإجهاض بسلام، ولكنه قد لايتحقق إذا كان الشريك رافضا للإجهاض، أو غير متعاون أو متفهم، وبالتالي تصبح التداعيات النفسية أشد على المرأة”.
كبت المشاعر
تقول حنان “لم يترك لي المجال لكي أعطي الموضوع كل أبعاده العاطفية، لا أعرف إذا كان ذلك سلبيا أم إيجابيا، لكنني لم آخذ وقتي في الحزن، أو الحداد أو الندم، كان علي أن أخفي مشاعري، وأتصرف بشكل طبيعي، وتسبب لي ذلك بكبت عاطفي، لم أستطع أن أترك لمشاعري المجال لتعبر عن نفسها، لم يتح لي حتى البكاء”.
“كنت أحاول إقناع نفسي بأن قراري كان شجاعا، وحاولت دائما أن أبعد الأمر عن تفكيري، لكن حين أذهب إلى طبيب نسائي ويسألني عن عدد مرات حملي، أجيب بأنه ثلاثة، وأشعر بغصة”.
نبض قلب الجنين
تخبرني حنان أن علاقتها السيئة وغير المستقرة مع زوجها جعلتها تفكر أيضا بإجهاض حملها الأول، خصوصا أنه كان يقول إنه لا يريد أطفالا.
لكن الطبيبة النسائية التي ذهبت إليها رفضت، وتقول” قالت لي آسفة، أنا لا أقوم بعمليات إجهاض، وأخبرتني عن مركز تنظيم الأسرة. لكنها أصرت على فحص الجنين بالأمواج فوق الصوتية، وعندما رأيت قلب الجنين ينبض شعرت بعاطفة غامرة، وغيرت رأيي”.
وتضيف “هناك سبب آخر أيضا، وهو أن لدي خالة حملت من خطيبها قبل العرس، كان ذلك عام 1984، واضطرت لإجراء عملية إجهاض، ولم تتمكن من الحمل مرة أخرى”.
“وحينها فكرت أيضا أنني حرة، ومستقلة ماديا، ويمكنني أن أحتفظ بالجنين، حتى لو كان أبوه لا يريده”.
الشعور بالذنب
بعد سنتين تقريبا، لم يكن قد تغير شيء في علاقة حنان بزوجها، لكنها حملت من جديد، وأيضا حصل الأمر صدفة.
لكنها هذه المرة لم تفكر أبدا بالإجهاض. عن ذلك تقول “احتفظت بالطفل، فقد كنت أعاني من تأنيب الضمير، وشعرت بأنني أم مستهترة، ولا يعقل أن أحمل وأجهض أطفالي في كل مرة”.
وتقول المعالجة النفسية صهباء السيد “غالبا ما تشعر الأم بالذنب وتأنيب الضمير تجاه قرار الإجهاض حتى لو كانت متأكدة أنه كان صائبا، ولا بد منه، وأن أسبابها قوية ومنطقية. فهذا الشعور مرتبط بفكرة التخلي عن طفل، وإحساسها بأنها ساهمت بإنهاء فرصته في الحياة وفي الحضور بحياتها، وربما تشعر بأنها أخطأت القرار أو أجرمت بحق طفلها”.
وتضيف “قد يؤدي ذلك إلى مشاعر سلبية تجاه نفسها، كأن تعتبر نفسها أما قاسية، أو لا تستحق نعمة الأمومة، لأنها لم تكن كفؤا لتحمل مسؤولية الحمل، وقد تعاني من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، والقلق، واضطراب مابعد الصدمة، وقد تصل أحيانا إلى حالة شديدة كالذهان، ويعود ذلك إلى مدى الدعم النفسي الذي تتلقاه الأم بعد الإجهاض”.
وتشير صهباء إلى أن “التحديات، التي يجب على امرأة مرت بتجربة الإجهاض مواجهتها، تكون أشد في المجتمعات العربية المحافظة، التي ترفض فكرة الإجهاض لأسباب دينية أو مرتبطة بالأعراف”.
وفي دراسة عن الآثار طويلة الأمد لكآبة ما بعد الإجهاض، نشرت عام 2016 وأجرتها الدكتورة مارثا شابينغ، وهي طبيبة نفسية من مدينة ونستون سالم بولاية نورث كارولينا، تقول شابينغ إنها خلال تجربتها في العلاج السريري، عملت مع نساء أعمارهن تجازوت ثمانين عاما، “وكن يعانين من الاضطراب والكآبة، ويرجعن السبب إلى تجربة إجهاض خضعن لها قبل سنوات طويلة”.
طفل في غير موقعه
مؤخرا، لاحظت حنان أن ابنها الأصغر تأذى نفسيا بسبب طلاق والديه، فأخذته إلى معالج مختص بما يسمى بـ”العلاج الجهازي المنهجي”، الذي يعتمد على فهم مشكلة الفرد النفسية والصحية انطلاقا من العلاقة مع الآخرين، وينظر إلى الفرد كجزء من وحدة أو نظام أكبر، كالعائلة أو المجتمع.
وتقول “قال لي المعالج يوجد إجهاض في العائلة، استغربت، ولم أقل له أنه محق”.
وتضيف “أخبرني أن مشكلة الطفل هي أنه ليس في مكانه الصحيح في العائلة، فقد أخذ مكان الطفل الثاني بدل أن يكون في موقعه الطبيعي كطفل ثالث”.
ضرورة الحزن
وتخبرنا حنان أنها رغم رفضها الإقرار بمرورها بتجربة الإجهاض للمعالج، فقد بدا واثقا من صحة استنتاجه، وتضيف “قال لي إن أي حزن أو فشل في الحياة يجب أن يأخذ الفترة الكافية من الحداد، وأن علي أن أعطي المجال والوقت لنفسي في الحزن بعد أي فقدان، وإلا فستصبح تلك المشاعر غير المشبعة مثل العقد، فالأحاسيس يجب أن تكون متسلسلة وتأخذ مداها، وإلا ‘ستظلين واقفة عند نفس المرحلة ولا تتقدمين'”.
وتقول حنان إن تفسير المعالج لحالة ابنها رغم أنه بدا لها منطقيا إلى حد ما، لكنه لم يقنعها تماما، وتتساءل “كم من نساء مررن بتجربة إجهاض، سواء إرادي أولا إرادي، فلا يعقل أن كلهن لديهن أطفالا حالتهم مماثلة لحالة طفلي!!”.
مخاطر الإنكار
تحذر المعالجة النفسية صهباء السيد من تداعيات محاولات إنكار المرأة صعوبة تجربة الإجهاض التي مرت بها، وتقول إن ذلك قد يقودها إلى تصرفات وليدة ردور فعل مثل “تجنب ممارسة الجنس، أو تجنب العلاقات الاجتماعية التي تضم أمهات أو أطفالا”.
وتضيف “ربما تلجأ المرأة إلى الإدمان، أو إلى تصرفات أخرى تدميرية غير واعية، أو تحاول إغراق نفسها بأعمال مختلفة لكي لا تسمح لنفسها بالتفكير بما حدث، وبالتالي تستنزف طاقتها الجسدية والنفسية، لترى أنها بعد سنوات لاتزال تعاني من ذكريات التجربة، وكأن الماضي يلاحقها”.
وهي تنصح المرأة باللجوء إلى العلاج النفسي حين تشعر بأنها لم تتمكن من تجاوز التجربة، وتقول إن “هذا أفضل قرار يمكن أن تأخذه المرأة قبل وبعد أخذها قرار الإجهاض، فهي بحاجة لتهيئة نفسية مسبقة، وإلى دعم نفسي بعد التجربة”.
وتضيف أن “العلاج النفسي يساعد المرأة على استعادة روتين حياتها الطبيعي في وقت أقصر”، مشيرة إلى أهمية “إدخال أنشطة ايجابية إلى يومها كممارسة الرياضة والهوايات، والعلاقات الاجتماعية الإيجابية”.
[ad_2]
Source link