الاقتصاد المصري: ما مدى اطمئنان المستثمرين المصريين والأجاتب لوثيقة ملكية الدولة؟
[ad_1]
- عطية نبيل
- بي بي سي نيوز عربي – القاهرة
طرحت الحكومة المصرية في الآونة الأخيرة مسودة ما وصفته “وثيقة ملكية الدولة” التي تعلن من خلالها التخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية في البلاد، مع توسيع دور القطاع الخاص في الناتج الإجمالي القومي.
وفي الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن هذه الوثيقة تعد استمراراً لتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي والتوسع في سياسات الخصخصة وبيع أصول الدولة، بضغط من مؤسسات التمويل الدولية، يرى آخرون أن هذه الوثيقة تضع إطارا مؤسسيا لإصلاح ما يوصف بالخلل الهيكلي في الاقتصاد المصري، والذي تقدم من خلاله الدولة خدمات للمواطنين وفي الوقت نفسه تكون هي من يراقب الجودة ويضع قواعد المنافسة.
استطلعت بي بي سي نيوز عربي آراء العديد من الخبراء والأكاديميين حول ما نشر من مقترحات وبنود لمسودة هذه الوثيقة التي طُرِحَت للحوارِ المُجتمعي على أمل أن تُصاغ وتُعلن خلال الأشهر القليلة المقبلة، وفق تصريحات سابقة لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أعلن أيضاً نية الحكومة طرح حصص في شركات مملوكة للدولة بقيمة تبلغ 40 مليار جنيه قبل نهاية العام الجاري، مع خطط لتوسيع حصة القطاع الخاص في الناتج الإجمالي المحلي من 30 % حاليا إلى نحو 60% خلال السنوات القليلة المقبلة.
ووفقا لما نشر عبر وسائل إعلام وصحف مصرية، فقد كشفت مسودة وثيقة ملكية الدولة عن اتجاه الحكومة للتخلص تمامًا من جميع استثماراتها وملكياتها في نحو 79 نشاطًا في القطاعات المختلفة، على رأسها أنشطة الاستزراع السمكي والثروة الحيوانية وقطاع المجازر وقطاع التشييد، فيما عدا مشروعات الإسكان الاجتماعي، وأنشطة إنتاج برامج التليفزيون والأفلام السينمائية، وتجارة التجزئة وصناعات السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث والجلود والأسمدة والزجاج.
وتضمنت المسودة إبقاء الحكومة على استثماراتها في 45 نشاطًا، مع الاتجاه لتخفيضها والسماح بمشاركة أكبر للقطاع الخاص، من بينها صناعات الإسمنت والحديد والألمنيوم واللحوم والطيور والأعلاف والألبان والسجائر والدخان ومحطات توليد الكهرباء وشبكات النقل والتوزيع ومحطات معالجة مياه الصرف.
ووفقًا لمسودة الوثيقة، قررت الدولة الإبقاء على استثماراتها في نحو 27 نشاطًا مع الاتجاه لزيادتها مستقبلًا، ويتعلق أغلبها بأنشطة البنية التحتية والقطاعات ذات الأبعاد الاستراتيجية والاجتماعية، مثل التعليم والصحة، مع السماح أيضًا بمشاركة القطاع الخاص في بعضها.
تمكين القطاع الخاص
تقول الدكتورة هدى الملاح مديرة المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى – وهو هيئة بحثية خاصة – إن وثيقة ملكية الدولة هي وثيقة سياسية تهدف إلى تمكين القطاع الخاص، وجذب مزيد من الاستثمارات المحلية والخارجية، خاصة تلك التي تأتي من خلال الشراكة بين الصندوق السيادي المصري وبعض الصناديق السيادية الأخرى.
وتقول هدى الملاح إن توقيت طرح الوثيقة بالغ الدلالة والأهمية ويأتي بعد الخُطوات الجادة التي قامت بها الدولة المصرية في إصلاح البنية الأساسية والتي جعلت من مصر مُناخاً جاذباً للاستثمار في أغلب القطاعات في ظل تحول الدولة نحو الثورة الصناعية الخامسة والاقتصاد الرقمي والتطور الذي شهده قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
دور الدولة تنظيمي ورقابي
وفي هذا الإطار يقول الدكتور هشام إبراهيم أستاذ الاقتصاد الكلي بجامعة القاهرة إن مصر أنفقت ما يقرب من 8 تريليونات جنيه مصري على مدى السنوات السبع الماضية في المشروعات القومية، ومن ثم فقد أبدت رغبة حقيقية في إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص لاستغلال هذه البنية التحتية في خلق مزيد من الوظائف والتوسع في المشاريع الإنتاجية التي ترفع إسهام القطاع الخاص في الناتج الإجمالي القومي.
ويوضح هشام إبراهيم أن الدولة تنوي من خلال هذه الوثيقة الخروج من بعض الأنشطة الأكثر استقراراً وتحقيقاً للربحية مثل قطاع الاتصالات أو توزيع الكهرباء وإدارة الطرق وغيرها من خلال بيع حصة الحكومة فيها بما يوفر المزيد من السيولة المالية التي تمكنها من الاستمرار في ضخ المزيد من الاستثمارات في المشاريع القومية والدور الاجتماعي للدولة.
ويضيف الأكاديمي المصري ” دعنا نتفق أن الدور الحقيقي للدولة يمكن في التنظيم والمراقبة، وتنظيم المنافسة بما يمنع الممارسات الاحتكارية وبما يصُيب في مصلحة الجميع، ومن غير المعقول أن تكون هي مقدمة الخدمة وهي من تقوم بمراقبة جودة الأداء ووضع قواعد المنافسة”
استمرار للخصخصة وبيع أصول الدولة !
على النقيض من وجهة النظر السابقة، يرى الناشط اليساري وخبير التمويل الدولي، عبد الخالق فاروق، أن “وثيقة ملكية الدولة هي استمرار لسياسات الخصخصة وبيع المؤسسات العامة”، وتتسق مع قانون الصندوق السيادي الذي صدر في العام 2018 والذي جمع كل أصول الدولة فيه وجعل سلطة رئيس الدولة في التصرف فيها بالبيع أو الاقتراض بضمانها أو المشاركة مع الأطراف خارجية هي سلطة “مطلقة لا مُعَقِبَ عليها”.
وينبه عبد الخالق فاروق إلى خطورة ما تضمنته بعض التسريبات من بنود هذه الوثيقة والتي تنوي من خلالها الدولة التخارج من قطاع التعليم قبل المرحلة الابتدائية، كما أن هناك بعض المعلومات تشير إلى أن الحكومة قد تقلص بشكل تدريجي تمويلها لأكثر من 40 ألف مدرسة حكومية وتطرحها للقطاع الخاص في إطار خطة أعلنها رئيس الدولة بتقليص عدد موظفي الجهاز الإداري في الحكومة.
كما يشير الناشط اليساري إلى بعض الإجراءات التي شهدها قطاع الصحة المصري من خلال سيطرة الصندوق السيادي لدولة الامارات العربية المتحدة على 12 مستشفى حكومي وبعض المعامل والمنشآت الأخرى، فضلا عما هو معلن من استثمارات إماراتية في مجال إدارة وإنشاء الموانئ المصرية وقطاع الطاقة وغيرها.
ويقول عبد الخالق فاروق إن بيانات الحكومة المصرية تشير إلى وجود نحو 1.7 مليون موظف في قطاع التعليم، و850 ألف موظف في قطاع الصحة والمستشفيات، 430 ألف آخرين في قطاع الأوقاف وهذه الأرقام – من وجهة نظره – أرقام كبيرة جدا لا يستطيع القطاع الخاص بكل استثماراته استيعابها.
تعديلات تشريعية
ولا يعتقد الباحث الاقتصادي المصري، عبد النبي عبد المطلب، أن مصر تحتاج في هذه المرحلة إلى أي تعديلات تشريعية لإقرار وثيقة ملكية الدولة، لكنها ربما تحتاج – بعد إعلان الوثيقة وبدء تنفيذ بنودها – إلى استحداث بعض القوانين لتيسير تطبيقها، مشيرا إلى أن ما طرح حتى الآن لا يعني تخارج الدولة بالكامل في بعض الشركات الناجحة أو القطاعات الخدمية أو تلك المملوكة للقوات المسلحة، ولكنه مجرد طرح حصة من أسهم هذه الشركات أمام الاكتتاب العام في البورصة المصرية، وبالتالي نمط الملكية لن يتغير، ولكن ربما أسلوب الإدارة هو ما سيتم تغييره.
ويشير عبد النبي عبد المطلب إلى أن الأمر قد يتطلب أيضا بعض التعهدات المتبادلة بين الحكومة والقطاع الخاص، تتعهد بموجبه الدولة بخلق بيئة تنافسية سليمة ومكافحة الأنشطة الاحتكارية، ومنح تسهيلات للقطاع الخاص، مقابل تعهده بحماية حقوق العمال وضمان وظائفهم ورواتبهم.
ووفق الوثيقة المزعومة، تعهدت الدولة بتأسيس مجلس أعلى للثورة الصناعية، يضم ممثلين من الوزارات المعنية والاتحادات ومنظمات الأعمال، والعمل على تطويـر البيئـة التشـريعية والتنظيمية لدعم التحول نحو الثورة الصناعية الرابعة وتوفير التمويـل الـلازم لتبنـى عـدد من هـذه المشـروعات بالتعاون مع صنـدوق مصـر السـيادي، مع الالتزام بما ورد بالدسـتور، بإلـزام الإنفـاق الحكومي على بعض القطاعات كالتعليم والصحة.
[ad_2]
Source link