أخبار عاجلةالعلوم النفسية والتربوية والاجتماعيةمقالات

دور التربية في مواجهة العنف الأسري … بقلم الدكتورة نجوى المطيري

إيسايكو: دور التربية في مواجهة العنف الأسري … بقلم الدكتورة نجوى المطيري

ازدادت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ ظاهرة العنف على الصعيدين العالمي والمحلي حتى أصبحت قضية سلوكية عامة ، تنتشر في كل المجتمعات، وتجاوزت حد الفـروق بـين الثقافات واتخذت صور متباينة بين مختلف البيئات، وهى لم تقتصر على فئة عمريـة معينـة ولكنها اقترنت أكثر بفئة الشباب، الذي هو ثروة المجتمعات العربية ، وتعتبر ظاهرة العنف الأسري من الظواهر القديمة الحديثة في المجتمعات الإنسانية ،فهي أحياناً مقبولة اجتماعياً لدى بعض المجتمعات، وذلك لارتباطها ببعض العادات السائدة في المجتمع ، وهذا ما حدث إبان مجتمع جزيرة العرب أي قبل بزوغ فجر الإسلام حينما كانت البنت توأد فور ولادتها قبل أن  ترى نور الحياة قال تعالى:﴿وَإِذَ الموءودة سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾،سورة [التكوير،8،9]. كذلك في ثقافة المجتمعات الريفية الرجل لا يكون رجلاَ إلا إذا كان قاسياً وعنيفاً مع زوجته وأبنائه، إذاً العنف ليس ظاهرة حديثة، بل من الظواهر القديمة التي عرفتها المجتمعات البشرية مند أقدم العصور ، إلا أن الجديد فيها هو ارتفاع معدلاتها ومدى انتشارها واتخاذها أشكالا أخرى جديدة في المجتمع الحديث.

وبشكل عام فإن العنف سلوك مرفوض في كل المجتمعات الإنسانية أينما كانت، لما يمثله من انعكاسات ضارة على كيان الأسرة والمجتمع،فهو يمثل تهديداً لسلامة الأسرة وأمن أفرادها، إذ يشكل العنف تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان خاصة المرأة والطفل الذين هم أكثر الأفراد ضحايا وعرضة لأضراره.

وقد توالت جهود المجتمع الدولي في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة ، وتجسد ذلك في الاتفاقيات الدولية لمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة و الطفل ،ففي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تأكيدً لحقوق الإنسان وحريته وضمان أمنه واستقراره بشكل متكافئ ، وقد أشار هذا الإعلان في المادة الأولى منه على مبدأ ولادة جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق ، وقد جاء في كتابه الحكيم قوله : ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ .و قوله تعالى:﴿ يَ أَيُّهَ الَّذِينَ آَمَنُو لَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يكونوا خَيْرً مِنْهُمْ وَلَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾من سورة (الحجرات، آية 11)،وفي الكثير من الآيات خاطب الله الناس في عقولهم إذ وهبهم الله عقلاً وضميراً عليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً من خلاله بروح من الإخاء والمودة، قال تعالى:﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجً لِتَسْكُنُو إِلَيْهَ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يتفكرون. سورة (الروم، آية 21).

بناءً على ما تقدم في هذه التوطئة البسيطة ،فإن العديد من الدراسات والبحوث في مجال علم الاجتماع والقانون والتربية وعلم النفس تؤكد مدى خطورة هذه الظاهرة ومدى انعكاساتها السلبية على تنشئة الفرد وشخصيته، وعلى الأسرة و استقرارها ، وعلى المجتمع نموه و تقدمه ، ففي المجتمع السعودي تشير بعض التقارير الرسمية والإحصاءات إلى مدى انتشار هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة ،وهذا ما دعانا في الواقع للبحث في هذا الموضوع ، إذ تؤكد الكثير من الدراسات على أن مشكلة العنف وجودية تباينت مستوياتها بين الشعوب والأفراد ،وهذا التباين جاء نتيجة  لتباين في المستويات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الشعوب ،كذلك تنبع أهمية دراسته أيضاً من خصوصيته  بإحدى فروع المعرفة في علم الاجتماع ، إلى جانب ذلك يمثل هذا البحث محاولة من الباحثة إثراء المعرفة النظرية حول دراسة ظاهرة العنف الأسري على المستوى الإقليمي والدولي ، ومشاركةً منا في الجهود الدولية للحد من هذه الظاهرة المرفوضة في كل المجتمعات  و ذلك من خلال عرض تعريفه  ومعرفة أسبابه وما تؤديه من  مآثر على مستوى الفرد والمجتمع وكيفية سبل الوقاية منه وفي جملة من المقترحات والتوصيات التي نرى لزاماً علينا كمتخصصين  محاولة الحد من انتشار هذه الظاهرة بالمجتمع.

مفهوم العنف الأسري

حتى وقتنا الراهن لا يوجد إجماع حول تعريف العنف الأسري، لأن تسمية الفعل Act بأنه مؤذ ” Abusive ” أو عنيف ” Violent ” ليس قراراً موضوعياً بل إنه حكـم موضـوعي، وقد انحصرت جهود الباحثين في تحديد التعريفات الإجرائية التي تستخدم في قيـاس العنـف ويضفي تقييماً عدوانياً ” Hostile ” على هذا السلوك، وهذه التعريفات – في الغالب – تعكس معايير المجتمع وثقافته.

 ومفهوم العنف الأسري ” Violence Family ” كثيراً ما يتداخل مـع مفهـوم إسـاءة المعاملةAbuse، وهذا المفهوم يستخدم عند وصف الأعمال غير السوية التي يجبر بعـض أعضاء الآسرة وخصوصاًالزوجة والأطفال على التعرض إليها من ضرب إلى حرمان إلـى طرد، وما إلى ذلك.

ويعرفه مصطفى التير (1997م) بأنه الأفعال التي يقوم بها أحد أعضاء الأسرة أو العائلة وتلحق ضرراً مادياً أو معنوياً أو كليهما بعضو آخر في نفس الأسرة أو العائلة، ويعني هذا بالتحديد: الضرب بأنواعه، وحبس الحرية، والحرمان من حاجات أساسية، والإرغـام علىالقيام بفعل ضد رغبة الفرد، والطرد والتسبب في كسور أو جروح،والتسبب في إعاقـة أو قتل.

الأسباب المؤدية للعنف الأسري

يختلف العنف من حيث الدوافع والأسباب والمدلولات ، فمن ناحية الدوافع قد يأتي الاختلاف في دوافع كل طرف لارتكاب العنف، إن العنف المرتكب قد يكون واحد مثل الضرب أو الاهانة ، أو الاعتداء الجنسي، ولكن دافع الأهل في تأديب أبنائهم يختلف عن دافع الزوج في ضرب زوجته، أما من ناحية الدلالات، فإن العنف ضد الأبناء – على سبيل المثال – يحمل دلالات مَرَضية على مستوى الفرد والمجتمع وهي تختلف عن تلك التي يحملها عنف الآباء ضد الأبناء، والذي قد يلقى- في بعض الأحيان استحسان ومباركة اجتماعية وتدعمه في ذلك المعايير الثقافية بالمجتمع ، وكذلك فان بعض المتغيرات ذات العلاقات الجوهرية بالعنف ضد الأطفال لا ترتبط بالمتغيرات المتصلة بالعنف بين الإخوة.

وهنا نحاول أن نتعرف على عدد من الأسباب التي تؤدي إلى ظاهرة العنف داخل نطاق الأسرة، فمن الأسباب ما يتعلق بالمعنِّف وهو القائم بالعنف، ومنها ما يتعلق بالمعنَّف أي الشخص الضحية الذي وقع عليه العنف.

الأسباب التي تتعلق بالقائم بالعنف:

   وهي تلك الأسباب التي تنبع من ذات الإنسان، والتي تقوده نحو سلوك العنف، إذ توضح لنا الوقائع والدراسات أن الذين يتسببون في أفعال العنف داخل الأسرة هم أفراد عاديون ، ومن عامة الناس ، ولا ينتمون بالضرورة إلى فئة منحرفة أو مريضة نفسياً ، لكن بعض الباحثين يقول إن نسبة عالية من المسببين في أفعال العنف الأسري هم من الذين عندهم تاريخ مع الجريمة، فقد وجد أحد الباحثين وهو(Graford) أن 50% من الأزواج الذين يضربون زوجاتهم سبق لهم أن قضوا وقتاً في السجن، إذ إن العنف عند هؤلاء ليس بالشيء العارض بل هو الطريق لوضع حد لمختلف ألوان الاختلاف مع  الآخرين.

وتعود الأسباب التي تؤدي إلى استخدام الشخص العنف في الأدبيات إلى ما يلي:

أ- التربية الخاطئة:

وهي التنشئة التي يتلقاها الفرد في بيئته ومجتمعه وأسرته والتي تصور له فعل العنف وكأنه أمر طبيعي يحصل في كل بيت تعيش في كنفه كل أسرة، وقد يكون الزوج قد تربى على العنف منذ صغره، مما يجعل هذا الأمر ينطبع في ذهنه، ويجعله أكثر عرضة لممارسة هذا العنف في المستقبل، وقد أثبتت الدراسات الحديثة ” أن الطفل الذي يتعرض للعنف من أسرته إبان فترة طفولته يكون أكثر ميلاً نحو استخدام العنف من ذلك الطفل الذي لم يتعرض للعنف فترة طفولته.

ومن التصورات الذهنية الخاطئة العائدة إلى سوء التربية، ذلك الاعتقاد بأن في ضرب الزوجة هو أصلاحاً لها، أو أن ضرب الزوجة يرتبط بإثبات الرجولة وفرض الهيبة، وأن استخدام الضرب سيجعل المرأة أكثر طاعة واحترماً للزوج وتنفيذا لأوامره.

ب – العوامل النفسية:

وهي تفريغ الانفعالات النفسية لدى الشخص القائم بسلوك العنف وهو شعور المعنِّف النفسي في حياته اليومية بالغضب والضغط الذي يلاقيه من المجتمع خاصةً من رؤسائه في العمل إلى جانب الشعور بالغيرة التي هي انفعال مركب من حب التملك والشعور بالغضب.

ويعاني الكثير من النساء في العالم بما يعرف بغيرة الزوج العمياء التي يراها دليل، محبة بينما هي تراها دليل على شك وعدم الثقة،وهذه الأسباب التي يغلب عليها الطابع النفسي تفقد المعنِّف عقله وتخرجه عن طوعه وعقله، ومن نماذج الأمراض النفسية التي قد تؤدي إلى العدوان “السيكوباتية “، وهي ما يعرف بحالة التخلق النفسي أو الروحي، وإذ يبدأ تطور الحاسة الخلقية عند السيكوباتيين منذ الطفولة، حيث يبدي السيكوباتيون سلوكاً عدوانياً منذ السنين الأولى في العمر وتستمر معهم حتى بقية حياتهم.

ج – المشكلات الاقتصادية:

وهي المشكلات التي تحدث في محيط الأسرة والتي لا يطيقها الأب والتي تدفعه أحياناً إلى استخدام العنف إزاء أسرته سواء زوجته أو أبنائه، وهي تفريغاً لشحنة الخيبة والفقر الذي تنعكس آثارها بقيام سلوك العنف من قبل الأب إزاء الأسرة، فالبطالة والفقر والديون وما إلى ذلك من أمور تزيد  من الضغوط النفسية على الزوج وتزيد من شعوره بالعجز والضعف، ولا يعتبر الفقر مؤثراً على شخصية الفرد إلا في حال استمراره مدة زمنية طويلة ، فالإنسان إذا عانى ضيقاً مادياً مؤقتاً، وكان يتمتع بالتربية الدينية والأخلاقية ، فإنه نادراً ما ينقلب إلى استعمال العنف، فالعنف إذاً ” ليس رهناً بضغط ظروف اقتصادية سيئة في وقت ما بقدر ما هو رهن بتواتر هذا الضغط واستمرار تأثيره على الفرد وعلى سلالته على مرّ الأوقات.

د – الانحرافات الأخلاقية:

مثل شرب الخمور والمسكرات التي تؤجج وتزيد من الخلافات العائلية وتؤدي بالتالي إلى اللجوء للعنف ضد إفراد الأسرة، فتعاطي المخدرات بشكل كبير يزيد من خطر العنف لشريك، وفي عموم السكان، في النسبة بين 22 ٪ إلى 41 ٪ من الذكور التي ارتكبت حوادث عنف مع الشريك، وبين 10 ٪ إلى 33 ٪ من الإناث التي ترتكب أعمال العنف الشريكة، وتحدث بعد تناول الكحول.

ه- وسائل الإعلام المختلفة:

كثيراً ما تقدم أجهزة الإعلام وخاصةً المرئية وقنواتها المختلفة والتي لا حصر لها من مشاهد تشجع على العنف، ومن ذلك مشاهدة الأفلام العنيفة التي تدفع بالزوج إلى تطبيق ما رأى على أسرته، وقد أثبتت الدراسات مد صحة هذه النظرية إذ أن التعرض لوسائل الإعلام خاصة التي تعرض الممارسات العنيفة لا تنفس عن الفرد بقدر ما تدفعه وتحرضه على ممارسة السلوك العنيف.

وقد دلت الأبحاث على وجود علاقة بين ارتفاع نسبة الجريمة وبين العنف المشاهد من خلال التلفزيون عملاً بنظرية التعلم الاجتماعي التي سوف ترد  تباعاً بهذه الورقة، فقد نشرت منظمة الائتلاف الدولي ضد العنف التلفزيوني بحثاً استغرق حوالي (22 عامًا) أظهر الأثر التراكمي للتلفزيون الذي يمتد  حتى عشرين سنة لتظهر نتائجه و التي تقول: (بأن هناك علاقة مباشرة بين عرض أفلام العنف التيتعرض بالتلفزيون في الستينات وارتفاع الجريمة في السبعينات والثمانينات)،وقالت المنظمة: إن ما يتراوح بين 25% إلى 50% من أعمال العنف في سائر العالم سببها عرض افلام العنف في  التليفزيون والسينما.

ثانياً: أسباب تتعلق بالقائم عليه العنف (الضحية)

ومن هذه الأسباب التي ترجع إلى الثقافة الاجتماعية للفرد الذي يمارس ضده العنف والتي تتمثل في العادات والتقاليد التي اعتادها المجتمع وتشربها الفرد منذ نعومة أظافره ، والتي تتطلب من الرجل حسب مقتضياتها قدراً كبيرأ من الرجولة في قيادة أسرته حتى وإن كان من خلال سلوك العنف، والقوة ، وذلك لأنهما يعدان في نظره المقياس الذي يبين مقدار رجولته أمام  الرجال ، وهذا النوع يتناسب طردياً مع الثقافة التي يحملها المجتمع على درجة عالية من الثقافة الأسرية ، فكلما كان المجتمع على درجة عالية من الثقافة والوعي كلما تضاءل دور هذه الدوافع حتى تنعدم تقريباً في المجتمعات الراقية، وعلى العكس من ذلك في المجتمعات ذات الثقافة المتدنية ، إذ تختلف درجة تأثير هذه الدوافع باختلاف درجة تخلف ثقافة المجتمعات.

كذلك وفي هذا السياق تساهم بعض الاعتقادات الخاطئة والتصرفات السيئة التي تقوم بها (الضحية) في تعرضها للعنف داخل الأسرة،ومن هذه الاعتقادات والتصرفات ما يلي:

1- الاستهانة بالجاني ومحاولة التقليل من شأنه أمام الآخرين مما يدفعه إلى الانتقام منه بعد ذلك انتقاماً يرد فيه الإذلال ويسترد فيه كرامته التي سلبت حيال ذلك الموقف، ومن هذه النماذج المستفِزة: مجادلة الزوج وتحقير أفكاره وانتقاد تصرفاته انتقاداً لاذعاً أمام الآخرين؛ الأمر الذي يؤدي إلى إثارة سخرية الآخرين الحاضرين من جهة وإحساس الزوج إحساساً دونياً يثير حفيظته ويدفعه أحياناً إلى الاعتداء على زوجته بالضرب المبرح انتقاماً منها وذلك لتحقيرهاوإهانتها له أمام مشهد من الناس.

كذلك من هذه النماذج أيضاً استفزاز الأبناء لوالديهم حين يهملون دراستهم، أو يثيرون ضوضاء في المنزل حينما يرغب الأب في الراحة والهدوء، أو حين يعتدون على أخوتهم، أو حين يرفضون الالتزام بأداء الفروض الدينية.

2- المعتقدات والنظريات التي جاءت من الغرب والتي تعتقد أن الزوجة بمعاندتها لزوجها تثبت ذاتيتها واستقلاليتها وذلك تطبيقاً للنظريات التي تنادي بتحرر المرأة التي ينادي بها فريق من الإعلاميين  وخاصة النساء .ومن الأمثلة على هذه الأفكار: تلك التي تدعي تحرير المرأة ، والتي زُرعت في عقول بعض النساء فتأثرن بها وحاولن تطبيقها داخل أسرهن ، فأصبحن أكثر عرضة لمواقف العنف من قبل الأزواج والتي ينتج عنها أيضاً في بعض الأحيان إهمال الزوجة لبعض الواجبات الزوجية ، أو اعتبار نفسها مساوية للرجل ونِداً له في كل شيء .

3- كذلك رضا الضحية بالعنف الممارس ضدها وعدم محاولتها تغييره ، بل إنها تدعوها الضرورة إلى أن تتصرف الزوجة تصرفات مدافعة عن الجاني مما يجعل المعنِّف يستمر في عنفه ضدها، مثل خوف الأم على أطفالها من أن تتركهم تحت رحمة أب ظالم يعتدي عليهم في كل حين وآخر ، إلى جانب خوف الضحية من  الطلاق وما ينتج عنها من ظلم المجتمع للمطلقة ، ذلك حب المرأة الضحية للجاني حباً يدفعها إلى الصبر محاولة منها لإصلاحه وتعديل تصرفاته ، ” ففي دراسة أجريت على عينة من الزوجات في مصر والتي تتكون من 52 زوجة تبين أن أكثر من 70 % منهن قد ضربن بعد السنة الأولى من الزواج ، إلا أنهن لم يقدمن أي شكوى  إلى الهيئات الرسمية إلا بعد 12 سنة، أي بعد أن شعرت الزوجة باليأس من العلاج من جهة.

نخلص إلى أن أهم أسباب العنف الأسري التي رأينا أنها ترتبط ببعضها البعض في تشابك ملحوظ رغم اختلافها، والتي من أبرزها الأزمات الاقتصادية داخل العائلة والظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها رب الأسرة والتي غالباً ما تؤدي إلى بروز الخلافات العائلية وتؤدي أيضاً إلى الاضطرابات النفسية والعقلية بين أفراد الأسرة،وربما تؤدي إلى تدميرها في أغلب الأحيان.

أشكال العنف الأسري

  بُنيت الأسرة في الإسلام على أساس المودة والرحمة، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} (سورة الروم:21)، من هنا فإن الأذى والعنف الواقع على الأسرة يتنافى مع تعاليم الإسلام التي جاءت بها الآية السابقة.

  والرحمة والتعاون بين أفراد الأسرة وتحمل كل فرد من أفرادها مسؤوليته أمر مطلوب؛ ليحقق لها التكافل والتضامن والقوة ويبعدها عن التفكك، فعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى “رواهالبخاري

 وقد تعددت أشكال العنف الأسري الواقع على الزوجة والأبناء فكان منه البسيط الذي لا يتعدى في آثاره غضب الآخر ومنه الشديد الذي يصل إلى إنهاء حياة الآخر ويزداد العنف حدة وشدة أكثر فأكثر ليشمل الأذى بأفراد الأسرة عن طريق استعمال القوة البدنية أو بواسطة الأدوات الحادة القاتلة. وهنا نستعرض بعض أشكال العنف الأسري وهي كالتالي:

أولاً: العنف المعنوي ” اللفظي والنفسي”

    إن النفس الإنسانية عالم قائم بذاته فأحياناً لا ينسجم المرء مع ذاته إذ يندم على كلمة تفوه بها أو تصرف أتى به، فيساور الإنسان أحياناً مشاعر تأنيب الضمير على عمل اقترفه أو قول تلفظ به، وهذا أوضح توجيه وإرشاد إلى أن الإنسان قد يختلف مع ذاته فكيف لا يختلفمع الآخرين وخاصة أنه يعيش معهم في أسرة واحدة.

  ونقصد بالعنف المعنوي: كل فعل مؤذ نفسياً، وهو أكثر أنواع العنف شيوعاً في المجتمعات الغنية والفقيرة على حد سواء. ولم يعترف القانون اللفظي والنفسي ولم يعاقب عليه لصعوبة قياسه وضبطه مع أن أشكاله واضحة.  ويُعد العنف الأسري ثاني أشكال العنف شيوعاً فقد بلغت الأهمية النسبية لوجوده في دراسة العواودة 53% فهو وسيلة التفريغ الأولى التي يبدأ بها الزوج بعد الحرمان الاجتماعي والصحي لأفراد الأسرة.

  وقد يتمثل العنف المعنوي بمنع أفراد الأسرة من ممارسة أعمال يرغبون بالقيام بها مثل استكمال التعليم أو الخروج للعمل، أو يتخذ صورة من صور الإكراه كأن تهدد المرأة بكشف سرها أو إتلاف ممتلكاتها. وقد يأخذ العنف المعنوي الأسلوب المباشر في التلاعب بأحاسيس الطفل ومشاعره ومحاولة جره في الخلافات الزوجية واجتذابه لأحد طرفي النزاع فيستعمل أحد الوالدين الطفل لجانبه لتشويه صوره الطرف الآخر وتغيير مشاعر الطفل نحوه كما يمكن أن يحدث ضمن إطار الأخوة والأخوات من خلال التأثير على الخلافات بينهم والتلاعب في مشاعرهم تجاه بعضهم البعض.

  ويعد التهديد نوعاً من أنواع العنف المعنوي وذلك من حيث طريقة استخدامه وهي الكلام البذيء، والتهديد الموجه للزوجة أو الأبناء بحرمانهم من الذهاب إلى الأصدقاء أو تهديدهم بالحبس في المنزل وعدم الخروج أو التهديد بالطلاق والهجر والحرمان من الأبناء أو إيذائهم وغيرها من أنواع وأشكال التهديد الصادرة عن رب الأسرة او من يمارس العنف في إطار الحياة الأسرية.

ثانياً: العنف الجسدي

   يعرف العنف الجسدي بأنه: استخدام القوة الجسدية بشكل مستمر تجاه الآخرين من أجل إيذائهم وإلحاق أضرار جسمية بهم كوسيلة عقاب غير شرعية مما يؤدي إلى الآلام والأوجاع والمعاناة النفسية جراء تلك الأضرار.

  وقد يلجأ رب الأسرة إلى هذا الأسلوب أحياناً لأنه عاجز عن إقناع من أوقع عليه العنف بطرق أخرى، وقد يلجأ إليه أيضاً من أجل تحقيق أهدافه وما يصبو إليه، متجاهلاً كل الأساليب الأخرى التي فيها الرفق والحكمة والاتزان، وذلك لاعتقاده أن أسلوب العنف هو الأسلوب الأمثل والأنجح لتحقيق ما يريد ويهدف إليه. ويعد العنف الجسدي من أكثر أشكال العنف الأسري وضوحاً، حيث تشير الإحصائيات التي أشارت إليها إدارة حماية الأسرة التي تتعامل مع العنف الأسري أنه في العاصمة عمان كانت نسبة الاعتداءات الجسدية الواقعة على الأطفال (11%) من مجموع القضايا التي تم توديعها في القضاء وكانت الفئة العمرية للجناة (27-28) سنة هي الفئة الأكثر ارتكاباً للاعتداء، حيث شكلت هذه الفئة ما نسبته (45%) من مجموع الفئات العمرية بينما شكلت الفئة العمرية أكثر من 38 سنة.

   ويتمثل العنف الجسدي بتوجيه الإساءة من الطرف القوي في الأسرة إلى الطرف الضعيف؛ مما يؤدي إلى ترك آثار في الجسد، ومن أشكاله الصفع والدفع والركل بالرجل واللكم باليد وشد الشعر والرمي أرضاً والعض والخنق واستخدام لبعض الآلات الحادة أو التلويح بها للتهديد باستخدامها أو الحرمان من الطعام والشراب لفترة قصيرة أو العزل

دور التربية في مواجهة العنف الأسري

من مظاهر عناية الإسلام بالأسرة التوجيهات القرآنية والنبوية التي وضعت وسائل وطرائق لحماية الأسرة من التوتر والمشاحنات التي تؤدي إلى العنف، من أجل أن تحافظ على استقرارها، ويحافظ الزوجان على المودة والرحمة فيما بينهما منها:

حسن اختيار الشريك، وفي ذلك ضمان لنجاح الزواج ووقايته من العنف وأسبابه، وأساس اختيار سلامة العقيدة، وحسن الخلق، ونقاء الفطرة، وأصالة الشرف، وذلك ما يحقق للزوجين سعادتهما الكاملة، وللأولاد تربيتهم الإسلامية الفاضلة.
الرضا من الطرفين قبل عقد الزواج، والتحذير من الإكراه عليه، فالزواج ميثاق غليظ يجب أن تتوافر فيه الإرادة الكاملة والرضا التام.
تربية الوازع الديني لدى الرجال والنساء وتوعيتهم بالحقوق الشرعية لكل منهما، وأقصد بالوازع الديني المراقبة الذاتية على النفس واستشعار مراقبة الله ومحاسبته، ويكون هذا صمام أمان لمنع الرجل من الظلم، ودافعًا لالتزام الحدود الشرعية.
حسن الظن بالزوجة مع الاعتدال في الغيرة، فالغيرة مسألة فطرية تدفع إلى الحذر في العلاقة مع غير الزوج، وتخلق مزيدًا من الدفء والمحبة بين الزوجين، بينما اللامبالاة والبرود الطلق قد يفسران بعدم الاهتمام أو حتى بعدم المحبة.
أدب التعامل مع الزوجة، فقد قال ﷺ: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، لأن ميزان الإيمان في الزواج هو أدب التعامل مع الزوج، قال ﷺ: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله»، فعلى الزوج أن يعي بعقل وحكمة نفسية المرأة وشعورها حين التعامل معها، وعليه كذلك الحذر من وقوع المشكلات.
المرونة في إصلاح الزوجة، فالتعامل مع المرأة يختلف عن التعامل مع الرجل، ولذلك أوصى المصطفي ﷺ بالمرونة في التعامل معهن، فقال: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا».
التدرج في العلاج، أرشد الإسلام إلى معالجة صنف خاص من النساء اللاتي يحاولن الخروج على حقوق الزوجية، فيُعرّض الأسرة للتدهور والانهيار، وهذا العلاج على مراحل لا ينتقل الزوج إلى المرحلة الثانية إلا إذا لم تصلح المرحلة الأولى، يقول تعالي: {واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ واضْرِبُوهُنَّ فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًا كَبِيرًا} (النساء:34).

 

اقتراحات لدور المؤسسات التربوية في مواجهة العنف الأسري:

أن يحرص كل من الزوجين على الالتحاق بالدورات التدريبية التي تهدف إلى التعريف بالحقوق والواجبات، وفهم النفسيات، وفن إدارة الخلافات الزوجية.
أن يحرص كل من الزوجين على تقديم نماذج طيبة للعلاقات الزوجية الإنسانية الحميمة، حتى لا يكرسا مفهوم العنف لدى الأبناء.
أن تقوم المدرسة، والجامعة ببرامج توعية حول العنف الأسري ضد الزوجة، والإجراءات الوقائية منه.
اهتمام المساجد بنشر الوعي الاجتماعي بخطورة العنف ضد الزوجات وما يترتب عليه من آثار سلبية في الأسرة والمجتمع الكلي.
على الجامعات دعم البحوث التي تتناول ظاهرة العنف الأسري وتمويلها على وجه العموم، والعنف ضد الزوجة على وجه الخصوص.
على وسائل الإعلام تكثيف البرامج التوعوية للزوجات بحقوقهن الشرعية والقانونية، وإيجاد خطة إعلامية متكاملة تستهدف تسليط الضوء على مشكلة العنف الأسري.

كتبته:

د. نجوى بنت ذياب المطيري

دكتوراه أصول تربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مجلس شؤون الأسرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى