الانتخابات اللبنانية: لا غالب ولا مغلوب في البرلمان الجديد، فما تبعات ذلك؟
[ad_1]
- كارين طربيه
- مراسلة بي بي سي – بيروت
غالبا ما يُقال إن السياسية اللبنانية محكومة دائما بمنطق “لا غالب ولا مغلوب”. القول يحمل إيجابية- لا سيما لمن لا يتقبلون الخسارة- لكن تطبيقه في إدارة بلد مليء بالتناقضات السياسية قد يؤدي إلى خسارة جماعية، بقدر ما قد يقود إلى انتصار جماعي.
التركيبة البرلمانية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة لم تحد عن هذا المنطق.
فبحسب نتيجة التعداد النهائي لأصوات الناخبين٬ لم ينجح أي فريق في الحصول على أغلبية برلمانية تؤهله لأن تكون له أو لفريقه كلمة الفصل في القرارات.
وبالرغم من أن النظام السياسي الطائفي في لبنان لا يسمح أصلا بحكم على أساس “الأكثرية تحكم والأقلية تعارض”، غير أن فقدان أي فريق القدرة على فرض القرار، يضع البلاد في حالة أكثر تعقيدا من العادة.
تراجع حزب الله وفريقه
بعد اتضاح النتيجة الكاملة للانتخابات٬ ساد الصمت.
أعلنت وزارة الداخلية أسماء النواب المنتخبين، لكن السؤال الذي شغل الجميع كان ذاك المتعلق بالعدد النهائي لمقاعد كل فريق. بدا الأمر بداية كأحجية – فهو يتعدى العملية الحسابية السهلة: من يُحسب على فريق ومن يُحسب ضده؟ الجواب ليس بديهيا.
يتركز الحديث هنا حول فريقين أساسيين: فريق حزب الله وحلفائه وعلى رأسهم حركة أمل والتيار الوطني الحر، والفريق المناهض لحزب الله وعلى رأسه حزب القوات اللبنانية الذي تركزت معركته الانتخابية على انتزاع التمثيل المسيحي الأكبر من التيار الوطني الحر، الذي كان يحتل هذا الموقع، وعلى مواجهة حزب الله.
يقتضي الحديث عن التمثيل السياسي التنويه بأنه يحسب اعتمادا على مبدأ التمثيل النسبي، بحيث يتم توزيع مقاعد البرلمان الـ 128 مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وهو ما قد لا يعكس بالضرورة عدد المقترعين لكل فريق.
يعد هذا واحدا من شوائب النظام الانتخابي اللبناني الذي، بحسب توصيف تقرير الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات، “يُنتج فوارق مهمة من حيث أعداد الناخبين والمقاعد، ويتضارب مع مبدأ المساواة في الأصوات.”
لكن بالعودة إلى الحسابات السياسية، كان حزب الله أول من أعلن -عبر مكتبه الإعلامي- عن عدد المقاعد التي حصدها مع حلفائه،مشيرا إلى أنهم نالوا 61 مقعدا من أصل 128.
فعليا يعني ذلك خسارة الفريق المحسوب على حزب الله لعشرة مقاعد وللأغلبية النيابية التي كان يتمتع بها.
غير أن ذلك لا يعني أن الطرف الآخر هو الذي حصل على الأغلبية.
ففي المحصلة، لم يتمكن أي طرف من حسم المعركة بالكامل لصالحه، وبات البرلمان اللبناني مكونا من فريقين أساسيين- كل منهما مؤلف من مجموعات سياسية متمايزة رغم تحالفها٬ بالإضافة إلى فريق ثالث هو فريق من خارج الاصطفافات الحزبية٬ يشكل نحو عشرة في المئة من نسبة النواب ويضم شخصيات غير منضوية في فريق سياسي واحد، وإن كان يجمعها خوض الانتخابات تحت شعار التغيير وباسم “الثورة”.
قد يكون هذا الفريق اليوم هو الذي يثير الفضول الأكبر لجهة التحالفات التي سيجريها أعضاؤه مع أي من الفريقين الأساسيين، والتي قد يكون من شأنها ترجيح كفة فريق أو آخر.
لكن بأي حال لا يُرجح أن تكون التحالفات ثابتة.
فبحسب وزير الداخلية السابق زياد بارود، “هذه الانتخابات أنتجت الانقسام العمودي ذاته مع فارق أن جزءا من الشارع بات ممثلا في مجلس النواب”.
غياب الكتلة السنية
في ظل هذه المقاربة، يبدو الغائب الأساسي هو الكتلة السنية. فتلك لم تعد مجموعة سياسية أساسية واحدة كما كان عليه الأمر مع الحريري الأب ومن ثم الابن. فتيار المستقبل لم يُشارك في الانتخابات بعد إعلان رئيس الوزراء السابق سعد الحريري تعليق نشاطه السياسي. وبالنتيجة، لم يتمكن أي طرف لوحده من تحويل رصيد الحريري الشعبي إليه أو من أن يكون وريثه السياسي على الساحة السنية.
أكثريات هجينة
زعيم التيار الوطني الحر، جبران باسيل كان من بين أول من علق على نتائج الانتخابات، حيث اعتبر أن لدى تياره “الكتلة والتكتل الأكبر في المجلس النيابي”، مضيفا أن “الأكثرية ليست بيد أحد”.
سيفرض هذا الواقع أن يتغير شكل التحالفات داخل قبة البرلمان بحسب القضايا المطروحة، بحيث يكون التقاطع والتنافر بين الأطراف المختلفة غير ثابت.
لكن هذا لا ينفي أن البرلمان الجديد قد يكون مسرحا لـ “مواجهات” تاريخية. فمثلا تمكن حزب القوات اللبنانية من رفع عدد مقاعده النيابية بشكل قياسي منذ عودته إلى الحياة السياسية إثر خروج زعيمه من السجن عام 2005. ويعني هذا أن “القوات” باتت تقارع “التيار الوطني الحر” في حجم تمثيل المسيحيين في البلاد، وهو ما قد يجعل المواجهة السياسية بينهما حادة للغاية.
يؤكد ربيع الهبر، مدير شركة “ستاتيستكس ليبانون” للإحصاءات، هذا الأمر، واصفا المرحلة المقبلة بـ”مرحلة المواجهة السياسية الكبرى”.
ويضيف الهبر، الذي واكب العملية الانتخابية بالأرقام، أن”القوات اللبنانية بات اليوم يمثل جزءا كبيرا من المسيحيين، ولا يزال التيار الوطني الحر يمثل هو أيضا جزءا كبيرا من المسيحيين٬ وهو ما سينعكس مزيدا من التصادم ومن المواجهة”.
بالرغم من ذلك، لا يستبعد الهبر أن تشهد المرحلة المقبلة “اتفاقات بين الأحزاب السياسية المسيحية على مواضيع بعينها”.
التعطيل
أما الوجه الآخر لغياب أغلبية واضحة٬ فهو مرتبط بتأثير تركيبة كهذه على القدرة على اتخاذ القرارات وإدارة شؤون البلاد.
فلبنان يواجه حاليا تحديات كبيرة أبرزها استحقاق تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية بعد خمسة أشهر٬ وما بينهما من تحديات مرتبطة بالوضع الاقتصادي والمالي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل٬ وغيرها من الأمور التي تحتاج إلى مؤسسات دستورية فاعلة للبت فيها.
“في ظل الانقسام الحالي، لا أرى إمكانية أن يحدث ذلك”، يقول وزير الداخلية السابق زياد بارود، قبل أن يٌذكّر أن التعطيل كان سمة مراحل عديدة في البلد.
ويختتم بالقول، أن المخرج الوحيد قد يكون حدوث”معجزة ما في الإقليم تؤدي – نتيجة مفاوضات فيينا او غيرها- إلى إراحة الوضع اللبناني”، في إشارة إلى الأثر الكبير لدول الإقليم في مسارات السياسة الداخلية في لبنان.
[ad_2]
Source link