النصب والاحتيال: ما هي ظاهرة “المستريح” ولماذا تنتشر في مصر؟
[ad_1]
- عطية نبيل
- بي بي سي نيوز عربي- القاهرة
كان حسن (اسم مستعار) عائدا من سوق قرية البُصيلية التابعة لمدينة إدفو في أسوان بصعيد مصر، حين وجد تجمعا بشريا كبيرا أمام أحد المنازل المتواضعة بالقرية لأشخاص يحملون لفافات ورقية وأظرفا تمتلئ بالأوراق النقدية، ويقومون باستجداء من يقف على باب الدار أن يسمح لهم بالدخول ومقابلة صاحب المنزل، وهو سائق توكتوك.
كان حسن يعرف السائق منذ فترة الطفولة والمدرسة الابتدائية، وعلم من الناس أنه غادر القرية بعد وقت قصير من خروجه من السجن بعد حبسه في إحدى الجرائم الجنائية إلى مدينة الإسكندرية الساحلية، لكنه عاد مرة أخرى، ليقول إنه يعمل في مجال تجارة المواشي والجِمال، وإن الله قد فتح عليه باب الرزق الواسع “ببركة السيدة زينب بنت رسول الله”، وإنه عاد إلى قريته كي يساعد الفقراء على تحقيق أحلامهم.
مستريح جديد
اقتنع حسن بهذه الرواية، وقرر أن يجمع ما يملك هو وأخوه الصغير، وهو 25 رأسا من الجاموس والأبقار، وسلمها إلى “المستريح”، الذي بات اسمه يحمل لقب “البنك”، بعد أن تكالب أهل القرية والقرى المجاورة في قنا وأسيوط على وضع أموالهم ومدخراتهم لديه خلال أسابيع قليلة، يحدوهم الأمل في تحقيق ربح كبير وسريع كما وعدهم.
يقول حسن إن قيمة الماشية التي سلمها لـ “المستريح” تبلغ نحو 500 ألف جنيه، وإنه حصل على وعد بأن يتسلم مليون جنيه بعد ثلاثة أسابيع فقط، أي بمكسب يبلغ 100 في المئة.
لكن الرجل اختفى للأبد، وأغلق هواتفه وكذلك اختفى مساعدوه الذين كانوا يجمعون الأموال من القرية.
لكن حكاية حسن وأهل قريته، على غرابتها، ما هي إلا فصل جديدة فيما ما بات يعرف في مصر بظاهرة “المستريح”، الذي يجمع أموال البسطاء بزعم استثمارها في مجالات مختلفة، نظير عوائد مالية ضخمة نادراً ما تتحقق، ثم يختفي فجأة.
شركات توظيف الأموال
يمكن تتبع أصول ظاهرة “المستريح” في مصر، بالعودة إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والتي شهدت بروز ما كان يعرف بـ “شركات توظيف الأموال”، وأشهرها “الريان”، “السعد” و”الهدى”.
عمدت هذه الشركات إلى أخذ الأموال من “المودعين” بغرض “استثمارها” مقابل عائد مادي عال، خاصة بالمقارنة بأسعار الفائدة في البنوك المصرية التي كانت منخفضة حينها. تمتعت هذه الشركات أيضا بغطاء ديني، قدمه عدد من المشايخ، الذين قدموا خدماتها كوسيلة للربح الحلال مقابل “البنوك الربوية”.
انتهت ظاهرة “شركات توظيف الأموال” بهروب أو سجن من كانوا يعملون فيها، بعد أن عجزوا عن الوفاء بوعودهم بدفع الفوائد أو رد أموال المودعين. وتسببت قضاياهم وقتها في هزة اقتصادية واجتماعية كبيرة للمجتمع المصري، بعد أن تبخرت أموالُ الناس في مُضاربات وهمية وتجارة في أسواق الذهب والبورصات العالمية بطريقة عشوائية غير مدروسة.
عادت هذه الظاهرة لتطل برأسها من جديد عام 2014، من خلال أحمد مصطفى، الذي اشتهر بلقب “المستريح”، واستطاع أن يجمع من أهل قريته في صعيد مصر أكثر من 53 مليون جنيه لاستثمارها في تجارة بطاقات شحن الهواتف المحمولة، وتم القبض عليه في 2015، وحصل على حكم نهائي بالحبس لمدة 15 عاماً ورد 266 مليون جنيه للمدعين بالحق المدني في قضايا تتعلق بالاحتيال المالي.
البنوك والربا وغسيل الأموال
وقد تكررت وقائع النصب والاحتيال المالي من خلال أشخاص يجمعون أموال الناس لتوظيفها في مجالات تجارة العقارات أو المحاصيل الزراعية والسيارات وغيرها خلال السنوات القليلة الماضية. ووفقا لبعض الإحصاءات الصادرة عن إدارة الأموال العامة التابعة لوزارة الداخلية المصرية، فقد بلغت حصيلة ما جمعه 25 محتالا من المواطنين خلال الأعوام الماضية نحو 5 مليارات جنيه مصري، حيث يتم اجتذاب الضحايا تحت ستار ديني أو وهم الكسب الحلال بعيدا عن فوائد البنوك التي يراها البعض ربا محرما في الإسلام.
وفي واقعة “مستريح” أسوان الأخيرة، يقول الحاج صبحي المزارع الذي يعيش في قرية “الصعايدة بحري”، التابعة لمدينة إدفو في أسوان لبي بي سي إن البدري استطاع خلال ثلاثة أشهر أن يجمع أكثر من 200 مليون جنيه من أهل القرية والقرى المجاورة، بعد أن أعطى وعودا بتحقيق أرباح خيالية تصل إلى 400 في المئة من قيمة الأموال التي يقوم بجمعها من خلال مندوبيه.
ويؤكد الحاج صبحي أن بعض أهالي القرية قالوا إن البدري الشهير باسم “مصطفى البنك”، “عثر على مقبرة أثرية فرعونية، وإنه نشر موضوع تجارته في الماشية والأبقار من أجل غسل أموال تجارة الآثار المُجرمَة في القانون المصري”.
ويضيف أن بعض البسطاء اقتنعوا بوعود المكسب السريع وتقاسم “الغنيمة” مع “البنك” الذي اختفى بأموال الناس، قبل أن تلقي قوات الأمن القبض عليه من مخبئه في إحدى المناطق الجبلية المتاخمة للقرية، بعد ما شهدته القرية من احتجاجات لأصحاب الأموال تخللها اعتداؤهم على الوحدة الصحية للقرية وسيارات الإسعاف والشرطة، وقيامهم بحرق بعض المنازل والممتلكات الخاصة بمندوبي “مصطفى البنك”.
ويضيف صبحي أن العديد ممن وثقوا في “مصطفى البنك” قاموا بالاقتراض من البنوك أو بيع الحُلي والمجوهرات الذهبية لزوجاتهم وبناتهم، كما قام بعض الشبان بتسليم سياراتهم وأصبحوا حاليا بدون أي مصدر للرزق، وبعضهم ينتظر الحبس بسبب قروض البنوك التي لن يتم الوفاء بها.
وفي تحليل لهذه الظاهرة، يقول الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إن هناك اختلافات شاسعة بين سكان المدن والتجمعات السكنية للأغنياء، وسكان الريف والمناطق الشعبية والأحياء الفقيرة، مشيرا إلى أن سكان المناطق الفقيرة هم أكثير ميلا لعدم الثقة في البنوك، إذ يرى بعضهم أن أموالها حرام لأنها تقوم على الربا المُحرَم في الإسلام.
كما يشير الدكتور سعيد صادق إلى وجود بعض الحالات لأشخاص يختارون عدم وضع أموالهم في البنوك سعيا للتهرب من الضرائب، أو نتيجة للحصول عليها بطرق غير مشروعة من خلال التجارة في المخدرات أو الآثار أو التربح من الوظيفة العامة من خلال الرشوة والفساد، هذا فضلا عن اعتقاد البعض بالحسد والخوف منه، ولذلك فإنهم، بحسبه، يقومون باستثمار هذه الأموال لدي “المستريح” ومن هم على شاكلته، بعيدا عن القنوات الشرعية.
الثقة في النظام المصرفي
ويقول الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية وأستاذ إدارة البنوك بجامعة القاهرة إن ظاهرة تجنب وضع الأموال في البنوك متجذرة في المجتمع المصري.
ويشير إلى أن المصريون قاموا خلال السنوات القليلة الماضية بضخ مليارات الجنيهات من خارج البنوك في اكتتاب تفريعة قناة السويس الجديدة أو شهادات بنكي مصر والأهلي ذات العائد المرتفع، متسائلا أين كانت هذه الأموال؟ ولماذا كانت خارج البنوك والجهاز المصرفي المصري؟
ويلفت الدكتور رشاد عبده إلى استمرار هذه الظاهرة، على الرغم أن أموال المودعين في البنوك العاملة في السوق المصرية مضمونة بمعرفة البنك المركزي المصري وغير معرضة للخسارة أو الضياع كما يحدث مع أصحاب شركات توظيف الأموال أو “المستريح” الذي يلعب على عنصر عدم الثقة في الحكومة والبنوك لدى المواطن العادي، ويقوم بإعطاء وعود المكسب السهل وحُلمِ الثراءِ السريع للبُسطاء الذين يقتنعون بسهولة ويقومون بتسليم جميع أموالهم أو “شقاء العمر” لهؤلاء المحتالين.
ويطالب كثيرون بتغليظ العقوبة على مرتكبي جرائم النصب على المواطنين، إذ أنها تندرج حاليا في قانون العقوبات تحت باب “الجُنحَة” التي تصل أقصى عقوبة فيها إلى الحبس لمدة 7 سنوات. كما يشير آخرون إلى ضرورة رفع الوعي المعرفي بمجالات الاستثمار الآمن للأموال، وتوسيع مبادرة الشمول المالي لإقناع أكثر من 80 في المئة من المصريين بفتح حسابات بنكية .
غير أنني لا أجد في النهاية إلا أن أردد مثلا شعبيا كثيرا ما كانت جدتي – رحمها الله – تستشهد به عند سماعها لوقائع النصب والاحتيال: “طالما وجد الطماع، فإن المُحتال بخير”.
[ad_2]
Source link