السعودية وقطر أيدتا سراً زيارة السادات التاريخية للقدس والأمريكيون فوجئوا بها – وثائق بريطانية
[ad_1]
- عــامر سلــطان
- بي بي سي عربي نيـوز
فقد كشفت وثائق سرية أنه على عكس الغضب العربي المعلن، أيدت السعودية وقطر، ضمن دول أخرى، مبادرة السادات تجاه إسرائيل.
وتؤكد الوثائق، التي حصلت عليها، أن السادات فاجأ، بالفعل، إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر التي باشرت حملة دبلوماسية عالمية لدعم خطوة الزعيم المصري.
وفي يوم 16 من الشهر نفسه، سلم السفير الأمريكي السادات دعوة رسمية من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بين لزيارة إسرائيل.
حينها، حاولت السعودية، في موقفها المعلن، النأي بنفسها عن تحرك السادات ، الذي جاء بعد أربع سنوات من حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 بين العرب وإسرائيل..
غير أن ويليام كوانت، عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي، كشف للبريطانيين عن أن الأمير فهد بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي في ذلك الوقت ” أظهر للأمريكيين بالفعل أنه يؤيد الآن السادات سرا”، وفقا لتقرير من السفير البريطاني في واشنطن.
وفي أوائل ديسمبر/ كانون الأول، طلب محمد سامح أنور، السفير المصري في لندن لقاء وزير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية فرانك جو، وأبلغه بأن “السعوديين يؤيدون نهج السادات”.
ووفق سجل اللقاء، فإن الوزير حرص على معرفة موقف السعودية من مبادرة السادات. وأكد أنور له أن مصر “تتمتع بمساندة المملكة العربية السعودية”. وأشار إلى أن المشكلة لدى السعودية هي فقط أنها لم تُستشر قبل الزيارة. وقال “السعوديون كانوا إلى حد ما منزعجين لأنهم لم يُستشاروا، ولكن التشاور لم يكن ممكنا”.
ونقل السفير البريطاني في السعودية عن المستشار السياسي في السفارة الأمريكية في الرياض قوله إن الأمير أحمد الثنيان، نائب وزير الخارجية السعودية حينئذ، أبلغ السفير الأمريكي “أن البيان السعودي بشأن زيارة السادات كان معتدلا. ومبعث قلقهم الأساسي هو أنه إذا ثبت عدم نجاح زيارة السادات، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إضعاف موقف العرب المعتدلين بشأن قضية الشرق الأوسط، وإلى تعزيز الموقف الراديكالي”.
وفي لقاء آخر مع جون ويلتون، السفير البريطاني في الرياض، يوم 17 نوفمبر/ تشرين الأول، قال الثنيان “اقتراح السادات (بزيارة القدس) فاجأ السعوديين بقدر ما فاجأ كل شخص آخر”.
غير أنه قال “ليس لدى السعودية وجهات نظر صارمة بشأن تفاصيل أي تسوية باستثناء موضوع القدس الذي تكرر موقفها بشأنه. من ناحية أخرى، فهي تعتبر التفاصيل شأنا يخص دول المواجهة المعنية. وفي ما يتعلق بزيارة السادات، فإن الثنيان آثر الانتظار لمعرفة ماذا سيحدث”.
لم تكن السعودية وحدها التي أيدت السادات، وفق ما قال المصريون والأمريكيون.
فقد أيدت قطر زيارة القدس، حسبما أبلغ السفير البريطاني في الدوحة حكومته، بعد 5 أيام من عودة السادات من إسرائيل.
وقال السفير ديفيد كراوفورد: “اتخذ الأمير (خليفة بن حمد آل ثاني، جد الأمير الحالي تميم بن حمد)، سرا، موقف مساندة حذرة لمبادرة السادات. ونصح في ما يبدو مندوبي سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية ( في قطر) بالتريث بعدم الهجوم قبل معرفة نتائجها”.
لم يكن السفير قد التقى بالأمير بعد. غير أنه التقى بمستشاره، وهو الدبلوماسي المصري حسن كامل، الذي “أبلغه بأن خليفة قبل نصيحته بمساندة السادات وبتهدئة ردود الفعل العربية العاطفية، كلما أمكن”.
ووصف السفير البريطاني كامل بأنه “كان يرتجف ويشعر بالخزي بشكل واضح من زيارة (السادات للقدس) لكنه أقر بأن مستقبل الأمير يمكن أن يتعرض للخطر بظهور نظام معاد في مصر”.
وكان خليفة قد تولى الإمارة، بعد خلعه ابن عمه واستيلائه على السلطة، في شهر فبراير/شباط 1972، أي قبل زيارة السادات للقدس بخمس سنوات.
لم يكتف أمير قطر بتأييد المبادرة سرا، بل سعى لدى الأمريكيين والأوروبيين، كما أبلغ كراوفورد وزارته، كي يعملوا على إنجاحها.
ونقل السفير البريطاني عن كامل قوله إن الخوف على المستقبل “حمل الأمير على تحذير السفير الأمريكي (وساورته رغبة في إبلاغ ممثلي أوروبا الغربية بالنقطة نفسها) من أنه لو استمر الغرب في مساندة العناد الإسرائيلي بعد لفتة السادات، فإنه هو وأمثاله الذين تربوا على احترام المثل الثقافية والأخلاقية الغربية، سوف يضيعون في الطوفان الناجم عن هذا”.
وأضاف المستشار الأميري، نقلا عن الأمير، قوله إنه “إذا أريد ألا يخرج الوضع في الشرق الأوسط عن السيطرة، فإنه يجب أن يعمل الأمريكيون على إنجاح زيارة السادات بممارسة ضغط شديد على إسرائيل”.
في الوقت نفسه، نقل السفير تقييمه، من خلال اتصالاته بالدبلوماسيين العرب في قطر، الذي خلص إلى أن هؤلاء العرب لا يمكنهم تصور أن السادات ذهب إلى القدس بدون رسائل دعم سرية من زعماء عرب آخرين”.
وقال إنهم “يعتبرون أيضا ردود الفعل العربية العنيفة الحالية متعمدة لجلب تنازلات إسرائيلية ضرورية من أجل تحقيق تسوية مقبولة”.
هل كانت مبادرة السادات باتفاق مع الولايات المتحدة؟
كانت، ولا تزال، أحد مبررات انتقاد المبادرة هي أنها جاءت استجابة لضغوط واشنطن، أو على الأقل بإيحاء منها.
غير أن الوثائق البريطانية تقطع بأنها كانت فكرة ساداتية خالصة استهدفت كما قال الزعيم المصري كسر الحاجز النفسي بين العرب وإسرائيل.
بعد يوم واحد من تسليم السفير الأمريكي الدعوة الإسرائيلية للسادات يوم 16 نوفمبر/تشرين أول 1977، أكدت السفارة البريطانية في واشنطن عدم علم إدارة الرئيس كارتر بالمبادرة.
وقطعت، في برقية إلى الخارجية، بأنه “لاشك في أن الإدارة الأمريكية فوجئت”، بل إن زبغنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي حذر من عواقب فشل الزيارة على الوضع العام في الشرق الأوسط.
وقالت برقية السفارة إنه “في إيجازاتهم الصحفية غير المسجلة، أشار المسؤولون، وعلى رأسهم بريجينسكي، إلى التالي: يمكن أن تصبح الزيارة كارثة. لو بدا السادات مسترضيا (لإسرائيل) أكثر من اللازم، فإنه يغامر بأن يتهم بشق العالم العربي. ولو بدا أنه صعب أكثر من اللازم، فإنه يخاطر بإفساد آمال إسرائيل ومفاقمة التوتر”. ونبه إلى أنه “من غير المرجح أن يتفاوض السادات وحده مع إسرائيل خشية أن يُعزل في العالم العربي”.
في اليوم التالي لهذه البرقية، بعث السفير البريطاني بيتر جاي شخصيا برقية نقل فيها عن مايكل ستيرنير، الذي كان حينها نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدني، والمدير السابق لشؤون مصر في وزارة الخارجية، تأكيده بأن قرار السادات بالذهاب إلى القدس “فاجأ الأمريكيين بقدر ما فاجأ أي شخص آخر “، وأن هناك ” خطرا لا ريب فيه من أن تتحول زيارة السادات إلى فقاعة تنفجر ببساطة”.
وقال سيترنير، في معرض التأكيد على ضرورة عودة المفاوضات إلى السياق المتعدد الأطراف، إن هناك “بالفعل ريبة شائعة بأن الزيارة ستؤدي إلى صفقة مصرية إسرائيلية ثنائية. وهذا سوف يجعل السادات ضعيفا بشكل متزايد في العالم العربي”.
ووفق السفير، فإن الشخص الوحيد الذي ألمح إلى احتمال أن الخارجية الأمريكية كانت على علم بأن شيئا ما سوف يحدث هو فيليب حبيب نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية.
ونقل جاي عن حبيب قوله إن وزارة الخارجية “كان لديها تلميح واضح عن خطة السادات قبل أن تعلن بأسبوعين على الأقل”. لكن حبيب لم يحدد المصدر الذي حصلت منها الوزارة على هذه المعلومة.
إلا أن جاي نقل، في الوقت نفسه، عن جودي باول، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، “اعترافه” بأن أقل ما يقال هو أنه” فوجىء تماما بها (فكرة الزيارة)، رغم أن البيت الأبيض كان على دراية بمبادرة ما محتملة يجرى نقاش عام بشأنها”.
ورغم هذا التناقض بين ما أسر به حبيب وما قاله البيت الأبيض، فإن تقييم السفير البريطاني، الذي تأسس على اتصالاته ومعلوماته الخاصة، انتهى إلى أن الأمريكيين فوجئوا فعلا بخطوة السادات، وإن كانوا يتطلعون إلى مبادرة من هذا النوع لدفع مساعي التسوية.
قال السفير: “تعبر الإدارة (الأمريكية) في إيجازاتها للصحافة ومحطات الإذاعة والتلفزيون هنا عن سعادتها بأحداث اليوم وبمبادرة السادات. غير أنهم (المسؤولون الأمريكيون) لم يصلوا حد الادعاء بأنهم هم الذين دبروا الأمر كله، لأسباب منها أنه من الواضح أن هذا ليس صحيحا، ولأن هذا سوف يقوض موقف السادات، وأن السادات قد يفشل في النهاية”.
وأضاف: “غير أن الإدارة تزعم بالفعل بأنه لم يكن من الممكن أن يُعقد اجتماع السادات/بيغين لولا الأدلة الواضحة التي قدمتها هذا العام على أنها جادة فعلا بشأن تحقيق تسوية شاملة”.
ونقل، في هذا السياق، عن بريجنسكي قوله إنه “منذ أعلنت الخطة، تتصل الولايات المتحدة تقريبا يوميا بالسادات”، وأن الزعيم المصري قال للأمريكيين إنه “لم يكن يتوقع أن يقبل الإسرائيليون عرضه زيارة إسرائيل، ولكن نيته كانت من البداية هي الذهاب لو قُبل عرضه”.
وتقول الوثائق إنه في سياق مساعيها لدعم السادات، بدأت واشنطن، فور قبول السادات دعوة بيغين، حملة دبلوماسية عالمية.
وبعث سيروس فانس، وزير الخارجية الأمريكي، برسالة مفصلة إلى عشرات السفارات الأمريكية في أنحاء العالم يطلب منها “العمل، لدى الدول التي توجد بها، على حشد التأييد للسادات”.
وقالت الرسالة: “أصدقاؤنا العرب أبلغوا الولايات المتحدة بأن العرب يرغبون في السلام مع إسرائيل، وعلى هذا نبني سياستنا في مواجهة الانتقادات القوية المتكررة لهذه السياسية”.
وأضافت “من الواضح أن السادات ينوي التحدث باسم قضية العرب كلها في إسرائيل وأن يضغط من أجل مفاوضات شاملة في جنيف لا تشمل مصر فقط، بل سوريا والأردن ولبنان والفلسطينيين”.
ماذا دار في المفاوضات السرية بين السادات والإسرائيليين؟
لم تنتظر بريطانيا زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين لها للتعرف على فحوى محادثاته وغيره من المسؤولين والبرلمانيين الإسرائيليين مع السادات.
وبناء على طلب الخارجية البريطانية، التقى السفير البريطاني في واشنطن مع ويليام كوانت، عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي يوم 25 نوفمبر/تشرين أول، أي بعد زيارة السادات بثلاثة أيام، للاستفسار عما دار خلال زيارة السادات للقدس.
وحسب تقرير للسفير، فإن كوانت أبلغه بأن أهم ما دار في المباحثات السرية هو:
• السادات وضع القضية الفلسطينية في مكانة متقدمة على الأجندة
• السادات لم يكن مهتما بالحديث عن الإجراءات، وأكد ضرورة الإعداد الحريص لجوهر(المباحثات) قبل انعقاد مؤتمر جنيف (للسلام في الشرق الأوسط)
• عند الحديث عن مبعث القلق الأمني الإسرائيلي، رفض السادات أن يقبل مفهوم إسرائيل للحدود التي يمكن الدفاع عنها.
• السادات بدأ علاقة دافئة مع بيغين ومع (وزير الدفاع الإسرائيلي عيزرا) ايزمان وهذا مدهش.
• أوضح الإسرائيليون أنه يمكن للسادات أن يبرم اتفاقا منفصلا بشأن سيناء متى يريد. والسادات لم يرد.
وعلق كوانت على التطورات منذ خطاب السادات أمام مجلس الشعب المصري حتى انتهاء زيارته للقدس قائلا: “من الواضح للأمريكيين أن السادات لم يتخل عن الخيار العسكري، ولكن يبدو أنه يعتقد أنه قادر على تحقيق تقدم جوهري مبكر عبر التفاوض مع الإسرائيليين نيابة عن العرب”.
وعبر مسؤول الأمن القومي الأمريكي عن اعتقاد بأن بيغين وموشيه ديان، وزير الخارجية الإسرائيلي “قبلا أن إجراء مباحثات على أساس شامل أمر مهم بالنسبة للسادات”. غير أنه قال إن هذا “لن يمنع ديان من أن يتمسك بالأمل في اتفاق ثنائي مع مصر”.
ورغم ارتيابه، فإن كوانت “لم يستبعد إمكان أن يدفع الحوار المصري الإسرائيلي الأمور إلى الأمام، وأن ينضم الآخرون في النهاية” إلى المسيرة.
وتحقق توقع كوانت بعد 16 عاما.
تاريخيا، مهدت زيارة السادات للقدس لطريق طويل انتهى إلى نتيجتين. أولاهما اتفاقية كامب ديفيد، عام 1978، التي وضعت إطارين “للسلام فى الشرق الأوسط” و”معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979.
وفي 13 سبتمبر/ أيلول 1993، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات وإسرائيل اتفاقية أوسلو للسلام.
وفي26 أكتوبر/تشرين- الأول عام 1994، وقع الأردن وإسرائيل اتفاقية سلام منفردة عرفت باسم وادي عربة.
وأحدث الاتفاقات لإقامة علاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين وقعت في 15 سبتمبر/أيلول 2020، وعرفت باسم اتفاقات أبراهام.
ماذا قال الإسرائيليون للبريطانيين عن مباحثات الإسرائيليين مع السادات في القدس؟
بعد يوم واحد من عودة السادات من إسرائيل، أبلغت إسرائيل الدول الأوروبية، ومن بينها بريطانيا، بتقييمها لما دار في الزيارة.
وقال المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، في لقاء مغلق يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني، السفراء الأوروبيين ما يلي:
• المشكلات الفلسطينية وضعت في مكانة متقدمة للغاية على قائمة الموضوعات التي أثارها السادات. لكنه لم يذكر منظمة التحرير الفلسطينية لأنه لم يرد أن يثير موضوعا متفجرا للغاية.
• لم يقدم السادات قائمة مطالب.
• لم يتوقع السادات أن يفوز بتنازلات إسرائيلية من زيارته. وبالتعبير المصري، جاء السادات “رسول سلام وليس جالبا للسلام”.
• عندما سأله ديان عما يود أن يقول الإسرائيليون لضمان نجاح زيارته، أجاب بأنه يجب عليهم أن يحددوا ماذا يمكنهم وماذا لا يمكنهم فعله.
• الاتفاق المؤقت الحالي يتضمن التزاما بعدم شن حرب. غير أن هذه الالتزام لن يردع السادات إن أراد ذريعة لاستئناف الحرب. ولم يأخذ الإسرائيليون بياناته (بشأن انتهاء الحروب مع إسرائيل) بمعناها الظاهر على الإطلاق.
• تفسير السادات للأمن مختلف للغاية عن تفسير الإسرائيليين، ولم يحقق أي شيء في هذا الموضوع.
• أوضح السادات أنه يريد أن يبقى الاتحاد السوفييتي خارج المفاوضات. وقال “يجب أن تكون إسرائيل ومصر قادرتين على حل مشكلاتهما فيما بينهما”.
في الوقت نفسه، أبلغت مصر بريطانيا رسميا بأن زيارة القدس لم تغير موقف السادات بشأن سبل حل الصراع.
وفي لقائه معه، أجاب السفير المصري على أسئلة وزير شؤون الشرق الأوسط قائلا:
• الرئيس السادات لم يلغ خيار الحرب، وتعهده بأنه لن يكون هناك مزيد من الحروب مشروط بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة.
• الجميع متفقون على أن سلاما منفصلا لن يكون حلا، ولا يمكن أن يتحقق سلام بدون تسوية المشكلة الفلسطينية.
• هناك مخاوف مصرية من احتمال أن تستغل إسرائيل المشكلات التي يواجهها حكم السادات ( في الداخل) كي تضغط عليه للتوصل إلى تسوية منفردة معها.
• السادات سيكون في موقف بالغ الخطورة، ما لم يكن هناك تحرك مقابل من جانب الإسرائيليين.
ووفق المحضر البريطاني للقاء الوزير بالسفير، فإن مصر طلبت من بريطانيا الضغط على إسرائيل “لتقديم تنازلات جوهرية مقابل جرأة الرئيس السادات بالذهاب إلى القدس”.
ورد الوزير البريطاني بالتأكيد على أن موقف حكومته هو “تأييد المباحثات المصرية الإسرائيلية على أساس أن تتعامل مع تسوية شاملة”.
وتكشف الوثائق أن الأردن رأى أن أزمة نظام حكم السادات الداخلية كانت السبب الأكبر وراء إقدامه على مبادرة زيارة القدس.
وينقل الوزير البريطاني عن السفير الأردني في لندن قوله إن “التحليل الأردني هو أن الصعوبات الداخلية التي يواجهها السادات ساهمت بأكثر من 50 في المئة في دوافع زيارته للقدس”.
وأضاف السفير، وفق سجل الحوار بينه وبين جو، أنه “كان يتعين على السادات أن يتصرف، وكان الاختيار هو القدس أو الحرب”.
مثل الولايات المتحدة، فوجئت بريطانيا بمبادرة السادات. وعلى الفور، اعتبرها وزير خارجيتها ديفيد أوين، علنا، “خطوة شجاعة” من شأنها تمكينه من أن “يقدم في إسرائيل، وإلى العالم قضية العرب بهدف تحقيق تسوية سلمية شاملة عبر التفاوض”.
وأبلغ السفير الأمريكي في لندن الخارجية البريطانية بأن وزيره فانس “طلب منه أن يتصل بديفيد أوين ويبلغه تقديره وتقدير الرئيس كارتر لبيانه”.
وقال السفير للبريطانيين “إن الجملة التي تقول إن تحرك السادات سوف يعطيه الفرصة لتمثيل قضية العرب الرامية إلى تسوية سلمية شاملة هي بالذات موفقة ولابد أنها ستساعد في مواجهة الأصوات التي تدعي أن تحركه سوف يشق صف العرب”.
وتكشف الوثائق أن بريطانيا أبلغت مصر بوضوح أنها تؤيد إقامة وطن للفلسطينيين وفق صيغة تضمن أمن إسرائيل.
وقالت إنها “تعتقد بأن طريق حل المشكلة الفلسطينية هو إقامة وطن من نوع ما للعرب الفلسطينيين. وليس لنا أن نحدد الشكل الذي يجب أن يكون عليه هذا الوطن. هذا أمر يعود إلى الأطراف المعنية. يجب إيجاد وسائل لتلبية تطلعاتهم دون تشكيل تهديد غير مقبول لأمن إسرائيل لو أريد إحلال السلام”.
غير أن البريطانيين انتقدوا العرب لعدم تقديم رؤية واضحة للوطن الفلسطيني المنشود.
وقالوا ” لم تحاول الدول العربية أن تحدد بالضبط حدود وطن فلسطيني، كما لم يشرحوا الشكل الدستوري لهذا الوطن”.
كيف رأت واشنطن تعامل بيغين مع خطاب السادات في الكنيست؟
ألقى السادات خطابا استغرق ساعة تقريبا أمام الكنيست يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني، تبعه خطاب لرئيس الوزراء الإسرائيل بيغين ثم خطاب لزعيم المعارضة حينها شمعون بيريز.
ورغم الأهمية التي نظر بها البيت الأبيض لخطاب السادات، فإنه لم يكن راضيا عن مجمل رد بيغين.
وفي نهاية اليوم، أبلغ السفير البريطاني في واشنطن حكومته بأن بريجينسكي أسر إليه بأن الرئيس جيمي كارتر “انتابه شعور بالإحباط الشخصي من مضمون خطاب بيغين” بعد خطاب السادات.
وأرجع بريجينسكي سبب إحباط رئيسه إلى أنه “شعر بأن السادات قدم علنا شيئا جديدا، ولم يفعل بيغين الشيء نفسه”.
ومع ذلك فإن الرئيس الأمريكي ومستشاره “شعرا بالارتياح لأن بيغين أحجم عن الكلام عن يهودا والسامرة”، الاسم اليهودي الذي تطلق إسرائيل على الضفة الغربية المحتلة باستثناء القدس.
وأضاف السفير نقلا عن بريجينسكي قوله أنه شعر أيضا بأنه لم يكن مفيدا أن يعرض بيغين تنازلا ثنائيا، في ما يتعلق بالحدود مصر، دون أن يقدم على تحرك مماثل بشأن حدود إسرائيل الأخرى.
كان ميسون، السفير البريطاني في إسرائيل ضمن الدبلوماسيين الذين استقبلوا السادات لدى وصوله إلى مطار بن غوريون.
وحسب برقياته إلى لندن، فإن “طريقة السادات في تحية أعدائه السابقين في طابور الوزراء (الإسرائيليين) كانت نموذجا يحتذى وكذلك كان ردهم عليه”.
وقال إن “أحد انطباعاته الرائعة” هي “تقارب العلاقات الواضح بين الزوار المصريين ونظرائهم الإسرائيليين”. ونقل عن كبير موظفي مكتب رئيس الوزراء (الإسرائيلي) قوله إنه “لم يصدق على الإطلاق أن تصبح علاقاتهم مع المصريين دافئة وودية بهذه السرعة”.
هل شاور السادات أحد بشأن المبادرة قبل إعلانها؟
يروي السادات في مذكراته ـ “البحث عن الذات: قصة حياتي”ـ أن المبادرة تبلورت في ذهنه بعد لقائه، قبل شهرين من الإعلان عنها، بالزعيم الروماني نيقولاي تشاوتشسيكو الذي أبلغه بأن “بيغين بالقطع يريد السلام”.
وتقول الوثائق إن السادات تحدث بشأن المبادرة مع وزير خارجيته إسماعيل فهمي، الذي رفض لاحقا مرافقة الرئيس في زيارة القدس، ثم استقال احتجاجا.
وينقل السفير البريطاني في القاهرة عن نظيره الأمريكي قوله إن “الجمسي أبلغه بأن السادات طلب من إسماعيل فهمي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، قبل جلسة مجلس الشعب المصري يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني، بأسبوع أن يستطلع رأي واحد أو اثنين من الدائرة المقربة منه بشأن فكرة زيارته للقدس، بمن فيهم الجمسي نفسه ورئيس الوزراء” ممدوح سالم.
وحسب رواية الجمسي للسفير الأمريكي، فإن السادات “ترك فراغا في خطابه أمام البرلمان، يتعلق بإعلان الفكرة، وأنه عندما اقترب السادات من هذا الجزء في الخطاب، همس الجمسي في أذن فهمي قائلا : ترى هل سيقولها”؟
أما عن موقف الجمسي نفسه، فقد “قال للسفير الأمريكي إنه رغم عدم رضائه عن المبادرة، فإنه سوف يقف بجانب السادات حتى النهاية”.
وحسب” انطباع” السفير الأمريكي، فإن “حاشية السادات، بمن فيهم حسن كامل، (رئيس ديوان رئيس الجمهورية) وجدوا أنفسهم مضطرين، أو هكذا تظاهروا، لمسايرة حماس السادات. وكان (حسني) مبارك ( نائب السادات) من بينهم”.
ويضيف السفير أن السادات “أراد أن يعلن على الفور قبول دعوة بيغين (لزيارة القدس)، غير أن مبارك أقنعه بأن تأجيل الإعلان ربما يجعل زيارة السادات لدمشق للقاء الأسد (للحديث عن المبادرة) أسهل”.
[ad_2]
Source link