العلاقات الأمريكية الخليجية: هل كشفت الأزمة الأوكرانية عن وجود شروخ فيها؟
[ad_1]
- مصطفى حمو
- بي بي سي – لندن
أثارت مواقف الدول الخليجية من الغزو الروسي لأوكرانيا الاستغراب والدهشة لدى الغرب، ولعل موقف الإمارات في مجلس الأمن عندما امتنعت مرتين عن التصويت على قرار يدين روسيا، وكذلك الرفض السعودي للطلب الأمريكي بزيادة إنتاج النفط للحد من ارتفاع سعره وسط حياد باقي دول الخليج العربية، أوضح أمثلة على تغير مواقف دول الخليج وشقها عصا الطاعة الأمريكية.
فكيف حدث ذلك وما أسباب هذا التحول؟
العلاقة الوثيقة التي كانت تبلغ مستوى التحالف مع الغرب والولايات المتحدة خصوصاً، كانت السمة الأبرز في السياسة الخارجية لجميع دول الخليج منذ أن أبصرت هذه الدول النور.
فخلال مرحلة الحرب الباردة كانت جميع هذه الدول تخشى المد اليساري في المنطقة، وكانت هي وإيران من أقوى حلفاء الغرب في مواجهة الكتلة الشرقية خلال تلك الفترة. كما كانت الولايات المتحدة تعتبر منطقة الخليج ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لها بسبب مواردها النفطية الهائلة، وإنتاجها معظم النفط الذي كان يغذي الأسواق العالمية.
في أعقاب الثورة الإيرانية ازداد التحالف بين ممالك ودول الخليج العربية والغرب، إذ باتت هذه الدول تشعر بالخوف من محاولات إيران تصدير الثورة إلى الخارج عبر استغلال الأقليات الشيعية الكبيرة في عدد من دول الخليج، وإثارة القلاقل والاضطرابات في المنطقة.
وبلغت علاقة الطرفين أوجها عقب الغزو العراقي للكويت، فتدفقت القوات الأمريكية على السعودية، وفتحت السعودية قواعدها أمام القوات الأمريكية قبيل انطلاق عملية عاصفة الصحراء عام 1991، والتي انتهت بطرد القوات العراقية من الكويت.
لكن الشروخ في العلاقات الخليجية الأمريكية بدأت تظهر مع انطلاق ما يعرف بثورات الربيع العربي، إذ وقفت الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، إلى جانب مطالب المتظاهرين في شوارع المدن العربية من القاهرة إلى تونس مرورا بليبيا فضلا عن اليمن وسوريا ضد أنظمة الحكم التي حكمت هذه البلدان.
وقد فتحت الانتفاضات الشعبية الباب أمام تيار الإسلام السياسي بمختلف أطيافه لبسط سيطرته على الشارع العربي، إذ تولى السلطة في مصر وتونس بينما انزلقت ليبيا وسوريا واليمن الى أتون حروب أهلية مدمرة.
شعرت دول الخليج بالخطر من صعود هذا التيار، وانتابها القلق من أن تنتقل العدوى إليها بسبب قوة التيارات الإسلامية سواء السلفية أو غيرها في هذه البلدان.
فوقفت السعودية والإمارات بقوة إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بد إطاحة الجيش بحكم الإخوان المسلمين في مصر فيأعقاب مظاهرات شعبية واسعة، بينما أشارت تقارير عديدة إلى تعاون الإمارات مع روسيا ومصر في دعم القائد العسكري الليبي خليفة حفتر في صراعه مع الأطراف الإسلامية في ليبيا.
العقدة الإيرانية
أما الخلاف الأهم في علاقات الخليج والولايات المتحدة فظهر في أعقاب التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، حيث رفعت الولايات المتحدة والدول الغربية العقوبات عن إيران مقابل خضوع برنامجها النووي لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
شعرت دول الخليج وعلى رأسها السعودية أن الاتفاق قد أطلق يد إيران في المنطقة، خاصة بعد أن تلقت طهران عشرات مليارات الدولارات من الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج.
فباتت المواجهة بين دول الخليج وإيران عبر حلفائها في المنطقة أكثر وضوحا، وتكلل ذلك بالتدخل العسكري الخليجي في حرب اليمن ضد جماعة أنصار الله الحوثية المدعومة من إيران.
لم تكن دول الخليج وحدها تشعر بالقلق من الاتفاق النووي الإيراني بل كانت إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو من أشد مناهضيه. وبالتالي لم يكن شعور دول الخليج وإسرائيل بالارتياح عندما وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عام2017 مثيرا للاستغراب، حيث تعهد بالتخلي عن الاتفاق النووي حال وصوله إلى البيت الأبيض وهو ما أوفى به لاحقاً.
“قطرنة الشرق الأوسط”
في الرابع من الشهر الجاري نشرت دورية “السياسة الخارجية” الأمريكية مقالة بقلم زميلة معهد إنتربرايز الأمريكي دانييل بليتكا بعنوان “قطرنة (مشتقة من اسم دولة قطر) الشرق الأوسط” قالت فيها إن دول الخليج الأخرى باتت تتبع ذات النهج الذي تسير عليه قطر منذ سنوات عديدة، حيث تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران وأمريكا وطالبان وحماس وروسيا وتركيا دون أن يثير ذلك حفيظة الولايات المتحدة والغرب.
وتقول بليتكا: “تضافرت عدة عوامل لتسريع هذا التحول في سياسات دول الخليج. كان أحد العوامل الرئيسية ميل الرئيس الأمريكي باراك أوباما للنأي بالولايات المتحدة عن المنطقة خلال فترة ولايته. ومن المفارقة أنه تم تعزيز هذا التوجه من خلال رعاية وترتيب خليفته دونالد ترامب لاتفاقيات أبراهام بين إسرائيل وبعض دول الخليج، والذي كان يهدف جزئياً إلى استبدال التحالف مع إسرائيل باعتماد دول الخليج على القوة الأمريكية. وقد تتوج هذا التحول بحرص الرئيس جو بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي تم إبرامه في عهد أوباما”.
بالنسبة لشركاء واشنطن التقليديين في الخليج، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين، فإن كل شيء يدور حول مسألة من سيدافع عنهم ضد إيران ووكلائها. في عهد أوباما كانت الإجابة واضحة في أذهانهم: ستكون الولايات المتحدة إلى جانب إيران.
وتضيف بليتكا أن “كثيرين اعتقدوا أن موقف أوباما مثل حالة شاذة في السياسة الأمريكية. انتعشت آمال دول الخليج في عهد ترامب، لكن سرعان ما أصبح واضحاً بعد الهجمات التي رعتها إيران على منشآت نفطية سعودية رئيسية أن حتى أشد أعداء إيران ضراوة في البيت الأبيض لن يسارعوا للدفاع عن الرياض. وغني عن القول، أن فريق بايدن الذي يضم مسؤولين سابقين في إدارة أوباما ونائبة الرئيس التي جعلت التنديد بالسعودية عنصراً أساسياً في سياستها الخارجية، لا يختلف كثيرا”.
رغم أن العلاقة بين دول الخليج وإدارة الرئيس الأمريكي ترامب كانت جيدة على العموم، لكن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018 والإدانة العالمية الواسعة للطريقة الوحشية التي قتل فيها الصحفي قد ألقت بظلالها على علاقة البلدين.
ورجحت أجهزة المخابرات الأمريكية ضلوع ولي العهد السعودي في الجريمة، وهي المسألة التي لا تزال تلقي بظلالها على علاقة الولايات المتحدة بالسعودية وبمحمد بن سلمان تحديداً. كما كان الموقف من السعودية ودورها في حرب اليمن مادة في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020، حيث تعهد الرئيس الأمريكي الحالي بتقليص دور بلاده في دعم السعودية في هذه الحرب المدمرة المستمرة منذ 2015 والتي تسببت بتشريد الملايين، ووقوع أغلب سكان اليمن ضحية للمجاعة.
العلاقة الأمريكية الخليجية كانت تاريخياً مبنية على دعامتين أساسيتين مترابطتين بشكل عضوي، لكنهما متغيرتان أيضاً، وهما الطاقة والأمن، إذ كانت واشنطن تضمن أمن دول الخليج مقابل استمرار تدفق النفط الخليجي إلى الأسواق الغربية.
صحيح أن الارتفاع غير المسبوق الذي عرفته أسعار النفط والغاز مؤخراً بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا لم يأت نتيجة تراجع الاحتياطات أو محدودية الإنتاج، بل لأنه تم استعمال الطاقة في الصراع بين الغرب وروسيا. حيث نأت الدول الأوروبية والغربية بنفسها عن شراء النفط الروسي، وقرر الاتحاد الأوروبي التوقف عن شرائه تماماً بحلول نهاية هذا العام، مما يعني البحث عن مصادر بديلة وارتفاع الطلب على النفط والغاز الخليجي والأمريكي.
لكن دول الخليج تدرك في الوقت ذاته، أنه وبينما لا يزال الوقود الأحفوري في غاية الأهمية في الوقت الراهن، فإن العالم اتخذ قراره في التخلص التدريجي منه للحفاظ على الحياة على كوكب الأرض، ومحاربة الاحتباس الحراري، مما يعني أن العالم لن يكون بحاجة إلى هذا النفط كثيرا خلال العقدين المقبلين، إذ يبحث العالم بشكل محموم حالياً عن مصادر طاقة بديلة ونظيفة تغني عن استهلاك النفط والغاز. وهو ما قد يعني، تخشى دول الخليج، تراجعا في أهميتها الاستراتيجية في نظر الولايات المتحدة.
كما أثار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان العام الماضي بعد عشرين عاما من الغزو الأمريكي لهذا البلد وصرف أكثر من تريليون دولار هناك وترك الحكومة الأفغانية التي كانت تحظى بالرعاية الأمريكية تنهار أمام التقدم السريع لحركة طالبان، المزيد من الشكوك في دول الخليج حول مدى التزام واشنطن بتعهداتها بحماية حلفائها وعدم التخلي عنهم عند الضرورة.
جاءت تلك الشكوك، بينما شهد قادة الخليج كيف تدخلت روسيا بزعامة فلاديمير بوتين بكامل قوتها العسكرية في سوريا عام 2015 ومنعت نظام الأسد من السقوط مستغلة تردد إدارة الرئيس اوباما في دعم المعارضة السورية.
وعلى ضوء التركيز الأمريكي على مواجهة الصين التي ترى فيها واشنطن مصدر تهديد استراتيجي على مصالحها، وتركيز الجهد العسكري الأمريكي على بحر الصين، قررت الولايات المتحدة إنهاء مرحلة الحروب الدائمة وتخفيف الوجود العسكري الأمريكي في المناطق الأخرى مثل الخليج، لمواجهة هذا التهديد.
كان الالتزام الأمريكي بأمن الدول الخليجية عبر التاريخ هو أساس التحالف بين الجانبين، حيث تستضيف الإمارات العربية المتحدة آلاف الجنود على أراضيها، بينما ترابط القطع البحرية الأمريكية في موانئ الإمارات والبحرين وقطر.
لكن ذلك لم يمنع تعرض المرافق النفطية والمطارات في السعودية والإمارات لهجمات بطائرات مسيرة أو صواريخ باليستية من قبل الحوثيين، وهذه الهجمات لا تزال مستمرة وما زالت تلك البلدان تفشل في مواجهتها.
ورغم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في اليمن لمدة شهرين ابتداء من الأول من أبريل/ نيسان 2022، لكن شبح عودة المواجهات والهجمات على البلدين إلى سابق عهدها يبقى ماثلا ما لم يتم التوصل إلى حل دائم لأزمة اليمن، وأي حل يتم الوصول إليه يجب أن يحظى بموافقة إيران.
وتشعر السعودية والإمارات العربية بخيبة وقلق إزاء رد الولايات المتحدة الضعيف على الهجمات التي يشنها الحوثيون على البلدين، والاندفاع الأمريكي للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني دون الأخذ بعين الاعتبار مخاوف وقلق أبوظبي والرياض من أنشطة ومخططات إيران في المنطقة.
وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في 30 مارس/ آذار الماضي إن ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، شعر بالغضب عندما لم ترد واشنطن بالإيجاب على الطلب الإماراتي في الحصول على مزيد من أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية المتطورة، وتقديم معلومات استخباراتية تجمعها الأقمار الصناعية الأمريكية عن تحركات الحوثيين، في أعقاب الهجوم الحوثي على مطار أبو ظبي، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وتجلت خيبة الأمل الإماراتية بالولايات المتحدة بشكل جلي، عندما زار وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، موسكو بعد ثلاثة أسابيع من الغزو الروسي لأوكرانيا، ففيما كان الغرب يفرض المزيد من العقوبات على روسيا والمسؤولين الروس ومن بينهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، كان الأخير يستقبل بن زايد بحفاوة غير معهودة.
كما استقبلت الإمارات الزعيم السوري بشار الأسد في تحد لموقف الإدارة الأمريكية الرافض لإجراء أي نوع من الاتصال بالأسد أو أفراد من نظامه.
جاءت هذه التطورات بينما رفضت الإمارات والسعودية الطلبات الأمريكية المتكررة لزيادة إنتاج النفط للحد من ارتفاع أسعاره، مما ينعكس سلباً على معدلات التضخم في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية.
وتتواتر التقارير التي تتحدث عن تدفق الرساميل الروسية والأوليغارشيين الروس على الإمارات بعدما أوصدت الدول الغربية الأبواب في وجوههم، وفرضت عقوبات عليهم وجمدت أرصدتهم.
وفيما تشير تقارير إلى رفض محمد بن سلمان تلقي الاتصالات الهاتفية من الرئيس الأمريكي جو بايدن، فإن الاتصالات بينه وبين بوتين لم تتوقف بل زادت حيث جرى اتصالان بينهما منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، في وقت يعلو فيه صوت القادة الغربيين تنديدا ببوتين إلى حد وصفه بـ”مجرم حرب”.
وجاء في بيان للكرملين صدر في أعقاب آخر اتصال بين الزعيمين في 16 أبريل/ نيسان الماضي “أن بوتين ومحمد بن سلمان أشادا بالعمل المشترك داخل مجموعة “أوبك بلس” وأعربا عن عزمهما على تعزيز التعاون بين البلدين”.
وأضاف البيان: “لقد تطرقا إلى القضايا الملحة للتعاون الثنائي، بما في ذلك في المجال التجاري والاقتصادي وأعربا عن رغبتهما المشتركة في تطوير علاقات متبادلة على أساس المصالح المشتركة بين روسيا والسعودية في المستقبل”.
فهل انتبه ساسة الخليج لقاعدة “لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل هناك مصالح دائمة” في عالم السياسية وبدأوا في وضعها موضع التنفيذ؟
[ad_2]
Source link