فاتن أمل حربي: هل الدراما تخدم قضايا المرأة حقاً؟
[ad_1]
- ندى منزلجي
- بي بي سي نيوز عربي
كثيرة هي الأعمال الفنية والدرامية العربية التي عالجت قضايا تتعلق بحقوق المرأة والظلم الذي يلحق بالنساء في نواح حياتية عدة، وذلك من منطلقات ومواقف متباينة.
فهدف بعض تلك الأعمال قد لا يتعدى تقديم قصة مؤثرة تجذب الجمهور، في حين قد تستخدم أعمال أخرى قضايا المرأة كوسيلة للتسويق والانتشار، مقابل سعي أخرى إلى تسليط الضوء على الواقع، وقد يكون ذلك بنفس نقدي إصلاحي، أو تصالحي وتوافقي.
لكن قلة فقط من الأعمال هي التي تقدم نفسها كمحاولة إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى إحداث تغيير حقيقي في المنظومة المجتمعية، يبدأ من القانون نفسه، وخصوصا مدونة الأسرة وقوانين الأحوال الشخصية.
ومن هذه الأعمال مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي عرض خلال الموسم الدرامي الرمضاني، وأثار الكثير من الجدل والنقاشات الساخنة خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي.
فقد بُني محور المسلسل، ورُسم خطه الدرامي الرئيسي على أساس تصوير الغبن القانوني الذي يلحق بالمرأة المطلقة، وطالب بضرورة إجراء تعديلات أساسية على قوانين الأحوال الشخصية، لضمان مساواة النساء بالرجال أمام القانون، والحيلولة دون تعرضهن لأي إجحاف.
والمسلسل من تأليف الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، المعروف بطرحه مواضيع مثيرة للجدل، وإخراج محمد جمال العدل، وبطولة نيلي كريم وشريف سلامة وهالة صدقي وفادية عبد الغني ومحمد الشرنوبي ومحمد ثروت.
ويعالج المسلسل عدة قضايا تتعلق بالمرأة وما تواجهه بعد الطلاق، مثل قضايا الولاية التعليمية على الأطفال، والنفقة، وسقوط حقها في حضانة الأبناء في حال زواجها مرة أخرى، وهي معاناة لا تقتصر على المرأة في مصر، وإنما تنسحب على معظم الدول العربية، فهي مستمدة في الأساس من التشريع الإسلامي.
وكانت ردود الفعل على المسلسل متباينة للغاية، فقد أثار استقطابات شديدة بين فئات وشرائح فكرية وثقافية مختلفة.
ووصل الأمر إلى إصدار مركز الفتوى التابع للأزهر تعقيبا على المسلسل يؤكد فيه أنه يدعم “الابداع المُستنير الواعي”، لكنه يحذر من الاستهزاء بآيات القرآن وتشويه صورة رجل الدين.
وأمام حالة الإعجاب الشديد، مقابل العداء الأشد، والاستقطاب الحاد الذي أثاره المسلسل الذي نتخذه هنا كمثال، يبرز سؤال يطرح نفسه، وهو إلى أي مدى يمكن لهذا المسلسل، وللدراما بشكل عام أن تخدم قضايا المرأة، وتحدث تغييرا حقيقيا سواء في القانون أو المجتمع؟ وهل هناك احتمال بأن تفضي إلى نتيجة مغايرة للمطلوب بسبب عثرات ما؟
الدراما المؤثرة
ترى الدكتورة عزة كامل، مديرة مركز المرأة في مصر أن الدراما يمكن أن يكون لها دور فعلي في التغيير عندما يحسن استخدامها، وتقول “يمكن للدراما أن تخدم قضايا المرأة عندما تقدم بطريقة تؤثر في عقول وقلوب الناس”.
و”خصوصا اليوم في عصر السوشال ميديا الذي يسمح بمساحة كبيرة لإثارة الجدل حول الأعمال الدرامية، وتوظيف هذا الفضاء لخدمة قضايا النساء”، كما تضيف.
وتتابع الدكتورة عزة قائلة: “هناك أفلام أدت بالفعل بفضل تقديمها القضية بشكل مؤثر وواقعي إلى تغيير القوانين الجنائية مثل ‘أريد حلا’ و’جعلوني مجرما’ (عرض عام 1954 وهو من بطولة فريد شوقي)، ولكن شرط أن يكون العمل قادرا أيضا على مخاطبة المسؤولين والذين يملكون القرار”.
وهذا ما يوافق عليه أيضا سيد محمود، وهو كاتب وصحفي مصري، إذ يقول “يمكن للدراما خدمة قضايا المرأة لأنها فن جماهيري له تأثيراته الواسعة في عموم الناس، وبالتالي فهي فضاء للتوعية وللتثقيف، ولدينا شاهد تاريخي بالفعل يكشف تأثيراتها، حيث ساهم فيلم ‘أريد حلا’ للفنانة فاتن حمامة والكاتبة حسن شاه في تغيير بعض مواد قانون الأحوال الشخصية خلال حقبة السبعينيات”.
هل الدراما سلاح ذو حدين؟
لكن مع قدرة الدراما على الانتشار والتأثير، هل من الممكن أن تتأثر قضية حقوق النساء سلبيا نتيجة استغلال القضية في تحقيق أرباح تجارية، أو بسبب تقديم معالجة درامية سيئة أو مبتسرة أو مستفزة بالنسبة لقطاع ما؟
والإجابة هنا برأي الدكتورة عزة هي “نعم، فالقالب مهم سواء في الدراما أم المسرح أو حتى في إعلان أو صور عند تناول أي مواضيع خاصة بالنساء. وقد يؤثر العمل الدرامي أحيانا بشكل سلبي ويؤدي إلى تدعيم الصورة النمطية، وذلك عندما يقدم العنف ضد النساء مثلا من منطلق ذكوري مبرر بطريقة ما”.
وتضيف “أو مثل قضية تعدد الزوجات في مسلسل ‘الحج متولي’، فوجود نجم محبوب مثل نور مثل الشريف ساهم في شعبية مسلسل رسخ صورة نمطية عن المرأة، وروج لفكرة التعددية، وصورها على أنها مرغوبة ومقبولة في المجتمع، وقدم صورة منقوصة للمرأة متعارضة مع مصالحها ومصالح المجتمع بشكل عام”.
ضحية غير مباشرة للكاتب أو طريقة المعالجة
في حين يرى البعض وجوب الفصل بين أي عمل فني وأدبي وبين شخصية صانعه، فهناك من يرى استحالة الفصل بين الإثنين، وهو موقف من شأنه أن يعرض أعمالاً للظلم بسبب آراء سلبية تجاه صانعيها، الأمر الذي يمكن أن ينعكس سلبا بالطبع على القضية التي يتبناها العمل.
وبخصوص “فاتن أمل حربي” يقول سيد محمود إن جانبا من الانقسام حول المسلسل، “مرتبط بكاتب العمل نفسه وبكونه صحفيا مثيرا للجدل والسجال، حتى داخل التيارات المدنية ذاتها، وهي التيارات التي يمكن أن تناصر قضية المرأة”.
ويضيف “من الواضح أن الجدل حول الكاتب ساعد على إبقاء المسلسل عند محطته الأولى، ولم يذهب إلى أبعد من تعميق الاستقطاب، ومع مضي الحلقات تراجعت حتى التعليقات حول مضمون المسلسل، واعتبره البعض موجة من موجات الحديث عن إبراهيم عيسى وقضاياه”.
لكن الدكتورة عزة لها رأي مختلف، وهي تقول “إذا كان المقصود هو شخصية الكاتب ابراهيم عيسى فيجب عدم الحكم على العمل من خلال مواقف وخلافات مع كاتبه، كما أن المخرج هو المسؤول عن العمل، والكيفية التي خرج بها بشكله النهائي أمام الجمهور”.
كما اتهم المسلسل بأنه بسبب “تحيزه اللامنطقي” يشجع على العزوف عن الزواج والاتجاه نحو الزواج العرفي، الأمر الذي لا يصب بالتأكيد في صالح حقوق المرأة.
ومن الانتقادات الأخرى التي وجهت للمسلسل أيضا اعتماده “الخطاب المباشر” و”افتقاره العناصر التشويقية”، الأمر الذي يمكن أن يكون قد أبعد الناس عن متابعته، وبالتالي عن القضية التي يطرحها، كما يرى سيد محمود.
وهو رأي لا توافق عليه الدكتورة عزة التي تقول “بغض النظر عن المباشرة، التي يمكن أن تكون موجودة فعلا، فالمسلسل ليس فيه فجاجة، لأنه واقعي”.
في المقابل، يقول سيد محمود “أتصور أن الاهتمام الجماهيري بالمسلسل تراجع لأسباب فنية، حيث توقف عند محطة المواجهات التي تجري أمام القاضي بين الزوجة والزوج، وفقد عناصره التشويقية، وافتقر إلى أسس الصراع الدرامي”.
مضيفا “في كل حلقة كانت تعاد المقولات ذاتها، ونفس التساؤلات بشأن الفارق بين الدين والتفكير الديني، والتشريع، ومثل هذه القضايا أبعدت الناس عن المسلسل أكثر مما ساهمت في جذبهم لإجراء مراجعات فكرية حولها”.
وفي حديث مع برنامج “عنها في نصف ساعة” على راديو بي بي سي قال مؤلف العمل، الكاتب إبراهيم عيسى إن “الدراما قادرة على تغيير الوعي، وتغيير الوجدان. وهذا هو المطلوب لتغيير القانون”.
وأضاف الكاتب المثير للجدل “القانون له تفاحة آدم، وهو منحاز للرجل بالكامل ضد المرأة”.
لكن الصحفي سيد محمود يرد على ما سبق بالقول “على الرغم من نبل أهداف الكاتب وصناع العمل إجمالا، إلا أنه لم ينجح تماما في فضح الثقافة الذكورية، وخلخلة البنية التشريعية التي تؤكد استبداد الرجل”.
في المقابل برأي سيد محمود، نجح مسلسل آخر مشارك في السباق الرمضاني وهو “أحلام سعيدة” بطولة يسرا وغادة عادل ومي كساب في التعبير عما تعانيه النساء الوحيدات في أعمار وطبقات مختلفة.
ويقول “نجح المسلسل في ذلك لأنه سلك طريق المتعة وليس طريق الخطاب، والتوجيه من منظور فوقي، واستبدادي أيضا”.
ويضيف سيد أن “بنية النص في مسلسل أحلام سعيدة اعتمدت على تعدد الأصوات وكشفت كيف أن ازمة المرأة تبدأ من المجتمع، وليس من التشريع الذي هو قمة التعبير عن أدوات السلطة لضبط حركة المجتمع”.
ما بين المستوى الفني ونبل الهدف
يرى سيد محمود أن “المستوى الفني لمسلسل ‘فاتن أمل حربي’ أقل من نبل أهدافه”.
ويوضح قائلا “لقد تخبط في مسارات مختلفة بعيدة عن الدراما بالمعنى الفني، وسقط في فخاخ ‘كليشهات’ كثيرة، ومن جهة أخرى أكد على فكرة الاستقطاب الفكري والسياسي أكثر من قدرته على الحشد الجماعي”.
لكن الدكتورة عزة لديها رأي مخالف، وهي تقول “قطاع كبير يتابع مسلسل فاتن أمل حربي، والتعاطف كبير مع الأفكار التي يطرحها”.
وهي تؤكد أن “مهاجمة العمل هي أقل من بكثير من التعاطف معه. أما الذين استفزهم المسلسل فهم الذين لا يريدون رؤية الواقع وحقيقة ما تعانيه النساء المطلقات في أروقة المحاكم”.
وتشير الدكتورة عزة إلى أن أهمية المسلسل هي أنه يطرح تحديات ومشاكل ومعاناة حقيقية وتواجه الكثير من النساء في البلاد.
وتقول “هناك نساء عديدات قدمن شهادات تدعم ما جاء في مسلسل فاتن أمل حربي، وبل وبعض الحالات تفوق ما جاء فيه”.
هل تنجح المهمة؟
في النهاية، هل يمكن القول أن مسلسل “فاتن أمل حربي” قدم بالفعل خدمة لقضية المرأة، وسيكون له أثر إيجابي على قوانين الأسرة وحقوق المطلقات؟
يقول سيد محمود “لا أظن أن المسلسل سينجح في إحداث تغيير في البنية التشريعية على غرار ما جرى في السبعينيات، ربما لأن المجتمع ذاته صار اليوم أكثر محافظة، وتجذرت فيه الكثير من الأفكار الرجعية”.
مع أن “قوانين حق الولاية التعليمية والحضانة وغيرها، أمور تجد دعما من مؤسسات حكومية، والمسلسل نفسه حظى برعاية وزارة التضامن الاجتماعي، التي يظهر اسمها على التترات، ومن ثم ربما يكون خطوة في هذا الاتجاه، وليته ينجح في ذلك”، كما يضيف.
من جهتها، يبدو أن تفاؤلا حذرا يلخص وجهة نظر الدكتورة عزة كمال إلى مستقبل هذه القضية، وهي تقول “الواقع يثبت أن التغيير ممكن، مثلا قضايا التحرش التي أثارتها جمعيات المجتمع المدني، أثرت وأدت إلى تغيير في القانون، وأنا شخصيا أتوقع أن الانعقاد القادم لجلسة البرلمان قد يسفر عن شيء بهذا الخصوص”.
لكنها في الوقت نفسه تقول “هناك مشاريع قوانين شخصية تنتظر النظر بها أو الموافقة عليها منذ عشر سنوات، ثم ليس هناك من ضمان، فأي شيء قد يطرأ من الممكن أن يغير القرار في البرلمان”.
إلا أنها تختم حديثها بالقول “لكن الإرادة السياسية هي مع قضايا المرأة، ونحن نراهن على أنها تتبنى المشروع”.
[ad_2]
Source link