مظاهرات السودان: تحقيق لبي بي سي يوثق استخدام قوات الأمن السودانية الرصاص الحي ضد المتظاهرين
[ad_1]
- عبدالرحمن أبو طالب
- بي بي سي عربي
لا يكاد دوي الرصاص الحي والقنابل الصوتية يتوقف في شوراع العاصمة السودانية الخرطوم، كلما اقترب المتظاهرون المطالبون بالحكم المدني من القصر الجمهوري وسط المدينة، أو غيره من مقرات الحكم.
في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، انقلب الجيش السوداني على الحكومة المدنية الانتقالية برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك، وهو ما فجر غضب المتظاهرين، الذين كانوا قد أطاحوا قبل ذلك بأشهر بالرئيس عمر البشير، الذي حكم البلاد 30 عاما.
لكن القوات السودانية كانت دوما بالمرصاد لهذه المظاهرات، التي ما زالت تخرج بشكل منتظم منذ 6 أشهر.
وثقت بي بي سي استخدام قوات سودانية أسلحة فض الشغب لقتل المتظاهرين أو إصابتهم بجروح بالغة، كما ملاحقة بعضهم إلى المستشفيات، للاعتداء عليهم، وعلى الأطقم الطبية التي حاولت علاجهم.
السلطات السودانية بدورها، أدانت مثل هذه الحوادث بشكل متكرر، وتقول إنها تحقق فيها، لكنها لم تعلن النتائج حتى الآن.
رصاص حي
منذ يوم الانقلاب وحتى 6 أبريل/نيسان 2022 سقط أكثر من 90 قتيلا، وجرح أكثر من 5 آلاف متظاهر. ووفقا لبيانات لجنة أطباء السودان المركزية المعارضة، سقط معظم الضحايا بالرصاص الحي.
أحمد الأمين كنونة واحد من القتلى. التقيت أسرته في الخرطوم.
تقول أمه إن رأسه انفجر بطلقة من سلاح ثقيل يسمي الدوشكا، بينما كان يشارك في تظاهرة في أم درمان شمال غربي الخرطوم. وتشرح كيف جمع زملاؤه أجزاء دماغه من على الأرض.
عانت أم أحمد للتعرف على جثمانه. تقول لبي بي سي “بحثنا عن جثمانه في أكتر من مستشفى ولم نجده، في النهاية قلت لوالده، أحمد خرج بقميص لبني وبنطلون أسود. هذه الجثة تشبه أحمد”. وتضيف بحرقة “من شدة الضربة لم نتعرف على الوجه، الجانب الأيمن كان مدمرا بطلقة دوشكا، والجانب الأيسر دهسته سيارة عسكرية”.
لم تحصل أسرة أحمد على تقرير الحالة الجنائية الذي يوثق سبب وفاة نجلها الأكبر. لكن بي بي سي حصلت على تقارير رسمية تثبت أن آخرين لقوا حتفهم بالرصاص الحي.
“قصد جنائي واضح”
تقول الأمم المتحدة إن استخدام الذخيرة الحية من قبل القوات الأمنية، لا يسمح به إلا في وجود تهديد وشيك للحياة أو إصابة خطيرة. كما يشترط قانون الإجراءات الجنائية السوداني موافقة النيابة على استخدام الرصاص الحي في فض المظاهرات، كخيار أخير وبعد استخدام وسائل أقل فتكا.
الكاميرات وثقت عكس ذلك. في السابع عشر من يناير/كانون الثاني 2022، احتمت مجموعة من المتظاهرين بألواح الورق المقوى من رصاص قوات الاحتياطي المركزي، التابعة للشرطة، لكنها لم تنجح في تفادي الرصاص.
صوب عليهم جندي يرتدي زي قوات الاحتياطي المركزي المعروفة باسم “أبو طيرة” نيران بندقيته. أطلق عليهم الرصاص مباشرة، كما تظهر مقاطع مصورة، ولم يتوقف إلا بعد أن سقط منهم مصابان، توفيا بعد دقائق.
استخدام الرصاص بهذه الطريقة يخالف القانون السوداني، كما يقول عضو مجموعة محامي الطوارئ، عبد الخالق النويري.
“عندما تريد فض مواكب المتظاهرين، لابد أولا من إطلاق نداء يدعو لتفرقهم. إذا لم يستجيبوا، يمكن لوكيل النيابة أن يأمر بالفض بطريقة سلمية”، لكنه يؤكد أن “القوات تخالف القانون، باللجوء إلى العنف المفرط قبل أي شيء، وتستخدم السلاح الناري مباشرة، وتطلق الرصاص أفقيا”، يؤكد لبي بي سي.
يعتبر النويري هذه الطريقة في فض المظاهرات “تعمدا للقتل وليس إساءة لاستخدام السلاح.
يقول: “في بعض الحالات وجدنا أنهم عندما يستهدفون متظاهرا، يطلقون عليه عدة طلقات، ليتأكدوا من موته أمامهم”. كما يؤكد “أنهم يستهدفون أشخاصا مؤثرين بعينهم”، مشيرا إلى أنه يعرف بعض الضحايا بشكل شخصي وأن هؤلاء “رصدوا وقتلوا تباعا. المسألة فيها قصد جنائي واضح.”
“بدائل قاتلة أقل تكلفة”
منذ فبراير/ شباط الماضي، قتل 5 متظاهرين بعد إصابتهم بالخرطوش، وأصيب أكثر من 500 بذات السلاح، بحسب إحصاءات لجنة أطباء السودان المركزية.
حصلت بي بي سي على صور تظهر استخدام القوات هذه الأسلحة المسماة بالخرطوش، وهي أسلحة مخصصة لصيد الطيور، في مواجهة الاحتجاجات.
ويعتبر الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش، أن هذا النمط يهدف لخلق حالة من الذعر، وإلحاق أكبر ضرر جسدي بالمتظاهرين بسبب طبيعة الطلق الناري المتناثر. ويؤكد أن هذا النوع من الطلق قادر على إصابة عدد كبير من المحتجين في نفس الوقت، وبتكلفة مادية أقل. “تكلفة استخدام الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع أكبر بكثير من تكلفة الخرطوش “، يقول عثمان.
تصويب مباشر
أكثر من ربع الجرحى، أصيبوا بشكل مباشر، بعبوات الغاز المسيل للدموع، إما في الرأس أو العين أو باقي الجسم.
الصحفي عبدالله بابكر، 61 عاما، واحد منهم. كاد أن يفقد ذراعه بعبوة غاز أطلقها عليه شرطي من على بعد 3 أمتار.
كان عبدالله يغطي مظاهرة يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2021، قبل أن تفرقها الشرطة، فلجأ إلى مزرعة على جانب الطريق قرب جسر المنشية شرقي الخرطوم.
حكى لبي بي سي عن لحظات إصابته قائلا “سرت بمفردي، فاستوقفتني مجموعة من قوات الدعم السريع، واعتدوا علي بالسياط، وسرقوا هاتفي، ثم سمحوا لي بالانصراف. ثم لحقني شرطي يرتدي زي قوات الاحتياطي المركزي، ونادى علي قائلا، ثابت ثابت، ارفع يديك. رفعتها، فصوب بندقيته نحوي، وأطلق عبوة غاز مسيل للدموع على ذراعي”.
يعتبر عبدالله نفسه محظوظا، إذ يقول” أحمد الله أن القذيفة جاءت في اليد اليسري وليس في القلب أو الرأس أو اليد اليمنى. كما أن المستشفى كان قريبا، فذهبت، بينما كانت القذيفة مشتعلة داخل ذراعي. أجريت 5 عمليات جراحية بعد ذلك لأحافظ على يدي”.
يعتزم عبدالله مقاضاة ذلك الجندي، بعد أن أثبت تقرير المستشفى طبيعة إصابته، وأقر تقرير للشرطة بمضمونه.
يؤكد عبدالله: “هو كان متعمدا أن يصيبني، أعرف شكله جيدا، ولو تم عرض الجنود الذين كانوا في تلك المنطقة يوم الحادث علي، سأتعرف عليه”.
الغاز المسيل الدموع والقنابل الصوتية “سلاح قاتل”
تشترط المعايير الدولية لاستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع في تفريق المتظاهرين أن لا تهدد سلامتهم. لكن إحصاءات المصابين ومقاطع الفيديو التي نشرها المتظاهرون، تظهر أن القوات لجأت إلى استخدام تلك العبوات كسلاح مميت.
بعد كل مظاهرة، يحصي المتظاهرون فوارغ الرصاص وقنابل الغاز التي أطلقت عليهم. التقط بعضهم صورا لعبوة غاز مسيل للدموع صنعت في شركة condor البرازيلية، تحمل اسم GL-202.
وفقا لتعليمات الشركة يجب أن تستخدم عبوات الغاز بواسطة بندقية، على أن تطلق بشكل مائل، ومن مسافة لا تقل عن 90 مترا.
كاميرات المتظاهرين وثقت أيضا استخدام قنابل صوتية مستوردة من نفس الشركة، تحمل أسماء GL-307 و GL-700 Seven Bang.
تقول الشركة المصنعة إن هذه القنابل يجب أن تطلق في مساحة تبعد 10 أمتار عن من تصفهم بمرتكبي الشغب، وإن إساءة استخدامها قد يؤدي إلى إصابات خطيرة أو الوفاة.
لكن مقاطع مصورة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر أن السلطات السودانية تصوب عبوات الغاز باتجاه المتظاهرين من بضعة أمتار قليلة.
وتصف مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان هذه الطريقة بأنها انتهاك للمعايير الدولية.
كما تظهر مقاطع صورها متظاهرون أن القوات الأمنية ألقت بالقنابل الصوتية في أماكن مكتظة. وقد تسبب هذا الاستخدام للقنابل الصوتية في إصابة 291 شخصا منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعضهم أدت إصابته إلى بتر في الأطراف.
القوات السودانية استخدمت أيضا عبوة غاز يدوية منتهية الصلاحية تسمى MK III CS grenade. ووفقا لمؤسسة أوميجا للأبحاث، المتخصصة في تتبع تجارة واستخدام السلاح، صنعت العبوة في بريطانيا، توقف إنتاجها في التسعينيات، وينبغي التخلص منها بأمان.
ملاحقة الجرحى في المستشفيات
لا يكاد مستشفى الخرطوم التعليمي يخلو من الجرحى بعد كل مظاهرة. لكن هؤلاء لم يتصوروا أن ما اعتبروه ملاذا آمنا يتلقون فيه العلاج، سيشكل خطرا على حياتهم.
وبحسب أطباء تحدثوا لبي بي سي، لم يكن الحادث فريدا من نوعه، إذ تعرضت المستشفى لـ 6 حوادث مشابهة.
شهدت أسماء 4 حوادث اقتحام للمستشفى حيث تعمل طبيبة. كادت في إحداها أن تصاب بعبوة غاز مسيل للدموع في رأسها. تستذكر لحظة الحادث قائلة “في تلك اللحظة كنت أرتجف، كانت العبوة مشتعلة، ولولا أن زميلي جذبني لأصبت وقتها. لو أصابت العبوة رأسي كانت ستكسر جمجمتي”.
وترى أسماء أن الهجوم على المستشفيات والطواقم الطبية يهدف إلى عقاب المتظاهرين والأطباء معا، وتؤكد ” الجنود يقولون لنا نحن نضربهم لنخيفهم، لكنكم تعالجونهم، فيعودون للمظاهرات مجددا”.
وتضيف: “في أحد الأيام، أطلقوا الغاز داخل قسم الحوادث، وأغلقوا الباب من الخارج. أصيب بعض المرضى والأطقم الطبية بحالة من التشنج، ودفعت حالة الذعر بعضهم للاختباء تحت الأسرّة. وقتها ظل الجنود في الخارج يسخرون منا قائلين: مش أنتو هتعالجوهم؟ يلا عالجوهم”.
يقع مستشفى الخرطوم التعليمي في خط سير المتظاهرين نحو القصر الجمهوري. ورغم ما تعرض له المصابون هناك، فقد كانوا أوفر حظا من آخرين.
في فبراير/شباط 2022 خسر المريض فيصل عبد الرحمن حياته، في شرفة بمستشفى بحري التعليمي .
كان الرجل الستيني يتلقى العلاج هناك حيث أجرى عملية جراحية لبتر قدمه، وخرج لاستنشاق الهواء بعد أن امتلأت غرفته بسحب الغاز التي أطلقتها القوات، قبل أن تستقر رصاصة حية في صدره، وفقا لبيان مكتب الأطباء الموحد.
حتى منتصف أبريل/نيسان 2022، سجلت لجنة الأطباء المركزية نحو 30 حالة اقتحام لمستشفيات، وهو الأمر الذي تصفه منظمة الصحة العالمية بالانتهاك الصارخ للقانون الإنساني الدولي.
الجميع في السودان يدينون هذه الحوادث، بمن فيهم قادة البلاد. يقول الهادي إدريس عضو مجلس السيادة الانتقالي الذي يتولى مقاليد الحكم في البلاد، إن استخدام العنف المفرط مخالف للقانون الدولي والسوداني.
“في النهاية هؤلاء سودانيون، والدم السوداني غال، الشباب الذين فقدناهم في الأيام الأخيرة كان يمكن أن يكون لهم مستقبل. كانوا سيصبحون أطباء أو مهندسين أو حتى ضباط في الأجهزة الأمنية”، يقول إدريس.
من المسؤول؟
تظهر المقاطع المصورة التي رصدتها بي بي سي مشاركة مكثفة من قوات مكافحة الشغب في فض المظاهرات، إلى جانب قوات الاحتياطى المركزي، وهما قوتان تتبعان لجهاز الشرطة.
في مارس/ آذار 2022 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على قوات الاحتياطي المركزي لدورها في قمع التظاهرات.
وتستعين الشرطة أحيانا بالقوات المسلحة، وقوات الدعم السريع شبه الرسمية، التي تعمل تحت إمرة الجيش، بقيادة الرجل الثاني في السودان محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي والذي يشغل منصب نائبِ رئيس مجلس السيادة الانتقالي.
ويعتقد كثير ممن تحدثنا إليهم، أن لقواته دورا في معظم أحداث العنف في السودان.
هل جرت محاسبة المتهمين؟
وعد قادة المجلس الانتقالي مرات عدة بالتحقيق في حوادث قتل المتظاهرين واستخدام العنف بحقهم، لكن لم تظهر أي نتائج للعلن بعد.
في حديث مع التلفزيون السوداني في فبراير/شباط الماضي، قال الفريق أول عبدالفتاح البرهان إن الشرطة تتحمل مسؤولية حماية المتظاهرين، وإيجاد المسؤول عن قتلهم.
البرهان أضاف حينها أن الشرطة ألقت القبض على عدد من منتسبيها وبدأت بالتحقيق معهم، متعهدا بإعلان نتائج التحقيقات عقب الانتهاء منها، ومؤكدا أن “الشرطة عليها مسؤولية إيجاد من يقتل المتظاهرين، إذا كان منها أو منتم لأطراف أخرى”.
ولم ينف البرهان مسؤوليته الشخصية عن كشف المسؤولين، قائلا ” قلت في السابق إنها مسؤولية تضامنية، وأنا أتحمل مسؤولية ملاحقة هذه الأجهزة، وملاحقتها على كل ما ترتكبه”.
حاولنا الحصول على تعليق من الشرطة السودانية، لكنها لم تستجب حتى الآن.
علاوة على اتهام الشرطة بقتل المتظاهرين، يتهم البعض مجلس السيادة الانتقالي بإصدار الأوامر للقوات لقتل المتظاهرين.
عضو المجلس، الهادي إدريس نفى هذه الاتهامات في تصريحات لبي بي سي، قائلا “لا يمكن تصور أن يقول المجلس للقوات النظامية اقتلو المتظاهرين. مجلس الدفاع والأمن التابع للمجلس يحقق في الأمر، وعندما تظهر النتائج سنعلنها للشعب السوداني”.
لكن البعض يشكك في جدية هذه التحقيقات. إذ يقول الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش، محمد عثمان: “لا دليل على أنه ستكون هناك محاسبة فعالة، بالتالي نطالب بتحقيق دولي مستقل، بمشاركة الضحايا وأسرهم من باب الشفافية”.
ويعتقد عثمان أن تعدد القوات المشاركة في فض المظاهرات يعقّد ملاحقة الجناة، حيث يعني من وجهة نظره “تعدد القادة والجهات الرسمية التي يجب أن يشملها التحقيق”، وهو الأمر الذي يرى أنه يشكل “جزءا من خطة متكاملة تهدف إلى تمويه الجهة المسؤولة عن الانتهاكات”.
رغم كل العنف الذي قوبل به المتظاهرون، لا يزال كثير منهم عازمين على مواصلة طريقهم، طلبا لحكم مدني، وأيضا للعدالة لقتلاهم، وجرحاهم.
لا يعلمون إن كان أحد ما سينصفهم، أم سيتفرق دمهم بين قوات يقولون إنهم يعلمونها جيدا، بينما تقول السلطات إنها ليست متأكدة من هويتها بعد.
[ad_2]
Source link